"أولياء الله" بقلم أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
متابعة : ياسمين أحمد المحلاوي
يقول الحق سبحانه: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (يونس: 62-64).
فأولياء الله هم المؤمنون الذين تطمئن قلوبهم بذكره سبحانه ، حيث يقول جل شأنه: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28).
وأولى بشرياتهم في الحياة الدنيا: قبيل لقاء الله عز وجل ، عند الاحتضار ، هي قول الحق سبحانه: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ "(فصلت: 30-32).
وثانيها: تثبيتهم بالقول الثابت ، حيث يقول سبحانه: "يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ"(إبراهيم: 27).
وثالثها: الأمن يوم الفزع الأكبر حيث يقول سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " (الأنبياء: 101-103) .
ورابعها: تسليم الملائكة عليهم وطمأنتها لهم ، حيث يقول سبحانه: "وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ *سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ"(الرعد: 23،24) .
إن أنبياء الله وأولياءه محفوفون بالعناية والرعاية ، حيث يقول سبحانه لسيدنا موسى وأخيه هارون عليهما السلام: "لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى"(طه: 46) ، ويقول لنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" (الطور: 48) ، ويقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة: 67) ، ويقول لأم موسى (عليه السلام): "فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص: 7) ، ويقول في شأن مريم عليها السلام: " فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا *وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" (مريم: 24-26).
وقال سبحانه للنار : "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (الأنبياء: 69) ، وأوقف السكين عن ذبح سيدنا إسماعيل ، وجعل بطن الحوت حفظًا وأمانًا لسيدنا يونس (عليه السلام) ، وأعمى أبصار المشركين أن ترى الحبيب (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه في الغار: " إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(التوبة: 40)، وهو ما جعل سيدنا موسى (عليه السلام) واثقًا غاية الثقة في الله (عزّ وجلّ ) عندما قال أصحابه إنا لمدركون فقال: " كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"(الشعراء: 62) ، وتلك عقيدتنا في معية الله (عز وجل) لعباده المخلصين .
على أن هذه الولاية لا تتحقق إلا باتباع الشريعة على علم وهدى مع تحري الحلال الخالص، فالوليّ الحقيقي لا يدَّعي الولاية ويجتهد في دفع نسبتها إليه ، والولاية الحقيقية سلوك وعمل وامتثال لصحيح الشرع الحنيف .