كل يوم كتاب
حرافيش نجيب محفوظ .. البحث عن العدل المنشود
حرافيش نجيب محفوظ
بقلم : الكاتب الصحفي
الأستاذ/ محمد سيد بركة
نشر نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006) درة أعماله الأدبية روايته الحرافيش عام 1977 قبل 12 سنة من فوزه بجائزة نوبل عام 1989 .
الحرافيش.. نص أدبي سطر فيه نجيب محفوظ واحدة من أروع الروايات العربية وأكثرها بلاغة وواقعية في وصف الظلم والعدل، الصبر واليأس، الحنين والجفاء، سطر محفوظ في هذه الرواية كل معاني الحياة المؤلمة والمبهجة التي نعيش فيها يومياً.
العدل المنشود
تتناول رواية الحرافيش الحارة كنموذج مصغر للكون وتجعل منها الصورة المصغرة للعالم الأكبر، وترى فيها الماضي السحيق والحاضر القريب والمستقبل المرجو. وﻳﺼﻒ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮﻅ في ملحمته ﺳﻌﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ إﻟﻰ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﻭﺗﻤﺮﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻀﺖ ﺑﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮ، ﻓﺘﺤﺜﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎ إﻟﻰ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻧﻔﻖ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺼﻄﺪﻡ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭإﻏﻮﺍءاﺗﻬﺎ ﺍﻟﻼ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻔﺘﺮﻕ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﻔﺲ إﻣﺎ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻰ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩ ﻋﻦ الطريق الذي سلكوه ﻭإﻳﺜﺎﺭ ﺷﻬﻮﺍت النفس ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻒ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺨﻨﻮﻉ ﻭﺍﻟﺬﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻳﺄﺳﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﺻﻬﺎ، ﻭﺟﻬﻠﻬﺎ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ ﻻ ﺍﻟﻤﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻓﻬﻮ ﺧﻼﺹ ﺯﺍﺋﻒ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﺨﺮ ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺭﻳﺤﻪ ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺽ ﻗﺪ ﺗﻮﻟﻰ ﻭﺫﻛﺮﻳﺎﺕ ﻟﻦ ﺗﻌﻮﺩ.
يناقش نجيب محفوظ في روايته الحرافيش قضية العدل المنشود ومفهوم كلمة العدل. أوجه كثيرة للعدل أخذت شخصيات نجيب محفوظ تبحث عنها معتبرين أن ليس كل العدل ما يخص الناس فقط، وأن هناك عدلهم مع أنفسهم وهو أهم وأبقى. ومن هنا ظهر إصرار عاشور الناجي الأكبر وشمس الدين على حياة التقشف وإغلاق الأبواب أمام جميع أنواع الهوى. فهل يكون سبيل الدراويش هو الطريق الأوحد للعدل؟! يثير بذلك نجيب محفوظ جدلًا فلسفيا قديما حول طبيعة الإنسان بالفطرة هل هي الخير أم الشر، يتجلى ذلك الجدل في التساؤل عن سبب انتصار الظلم في معظم الأحيان.
الحرافيش ، كانت تسمية للطبقة المتدنية أثناء العصر المملوكي الذين كانوا يعيشون في القاهرة ..إنهم العوام المستضعفون الذين يعيشون حياة أدنى من مستوى حياة الحيوان ومع ذلك يظل ذلك الجوهر جوهر الإنسانية المكرمة من لدن الله سبحانه وتعالى يومض داخل أجسادهم الواهنة يجعلهم يحلمون بالعدالة والحرية ويضعون حلمهم هذا في صورة جسد بانتظارهم الدائم لعاشور آخر يملأ الأرض عليهم عدلا كما ملئت ظلما وجورا
عشر حكايات
تتألف رواية الحرافيش الضخمة ( تقع في 563 صفحة من القطع المتوسط، طبعة مكتبة مصر ،603 صفحة من القطع المتوسط طبعة دار الشروق السابعة 2016) من عشر حكايات طويلة تمثل الهيكل الأساسي للرواية، وتبدأ كل حكاية منها باسم صاحبها أو بطلها، فالحكاية الأولى تبدأ كالتالي: (عاشور الناجي، الحكاية الأولى)، ثم تتوالى الحكايات بالترتيب الآتي:
[الحكاية الثانية/ شمس الدين الناجي- الحكاية الثالثة/ الحب والقضبان (سليمان الناجي)- الحكاية الرابعة/ المطارد (سماحة الناجي)- الحكاية الخامسة/ قرة الناجي- الحكاية السادسة/ شهد الملكة (زهيرة الناجي)- الحكاية السابعة/ جلال صاحب الجلالة - الحكاية الثامنة/ (الأشباح) - الحكاية التاسعة/ (سارق النعمة)- الحكاية العاشرة/ التوت والنبوت (عاشور الناجي)]
ونلاحظ أن الحكاية الأولى وبطلها عاشور الناجي الأب والجد المؤسس، والحكاية الأخيرة وبطلها عاشور الناجي الحفيد أيضا الذي انتهى إليه سلسال أسرة الناجي، أطلق محفوظ على الحكاية اسم بطلها الذي من نسله يأتي أبطال الملحمة، وهذا يتفق والتقليد السائد والمتعارف عليه في السيرة الشعبية، بأن تسمى السيرة باسم بطلها صاحب السيرة.
الحكاية من أولها لأخرها
تجري أحداث الحرافيش في أحد أحياء القاهرة القديمة، و تتعامل مع حياة الناس العاديين، و إن بشكل أكثر تحديداً مع زعماء العصابة أو العشيرة الذين أداروا شؤون الحي جيلاً بعد جيل. أول زعماء العشيرة كان سائق عربة متواضع اسمه عاشور. في أحد أحلامه يرى عاشور وباءً يوشك أن يصيب القاهرة، يلجأ للصحراء مع زوجته و طفله، و عندما ينتهي الوباء يعود عاشور للمدينة المدمرة، و يستولي على قصر مهجور معيداً توزيع الثروة بداخله لإنعاش اقتصاد الحي. و بعد عام في السجن زاد من شهرته بين الفقراء يعود كعاشور الناجي وسط استقبال الأبطال، و يتولى رئاسة العشيرة مؤسساً لعصر ذهبي، يكبح القوي و يحمي حقوق صغار الحي و يخلق جواً من الإيمان و التقوى. و ليلة الاختفاء الغامض لعاشور يفرح التجار و لكن ارتياحهم لم يطل، فبعد سلسلة من المعارك مع العشائر المجاورة يستطيع ابن عاشور: شمس الناجي أن يؤسس لتفوق عشيرة الناجي، و استمر الحرافيش بالازدهار و بالعيش العادل تحت قيادتهم الجديدة.
و لكن الأسرة تبدأ تدهورها مع سليمان، ثالث عائلة الناجي، فهو يحول نقود الحماية إلى أعضاء العشيرة بدل توزيعها على الفقراء كما كانت الحالة من قبل، يزداد ثراء العشيرة و تزداد معاناة أهل الحي. و أما أبناء سليمان فيعجزون عن فهم أن الرخاء الذي تمتع به العشيرة و الحي يعتمد على قوة و مكانة العشيرة، لذلك يكرسون أنفسهم لجمع المال، فتفارق الزعامة عائلة ناجي و تصبح العشيرة مستغلة بدل أن تكون حامية للناس العاديين. و لثلاثة أجيال أخرى يستمر انحدار العشيرة و الحي، و يعيش الحرافيش في فقر و عجز، يائسين من عودة أيام عاشور. ثم تنتقل الزعامة إلى جلال الطاغية الكئيب الذي يستخدم الرشوة و البلطجة ليبني لنفسه قصراً ضخماً مليئاً بالتحف ثم يستأجر ساحراً و يكرس نفسه لنيل الخلود، و يتمتم الحرافيش – الذين يلعبون دوراً آخر كنوع من الكورس الإغريقي الذي يعلق على أفعال القوي- : لقد تمت خيانة عهد عاشور، نظام العشيرة أضحى كارثة قديمة.
ثم تضرب المجاعة القاهرة، يخزن التجار الطعام و يثور الحرافيش، ترد العشيرة بمعاقبتهم لحماية الأغنياء، و في ظل هذا الجو المشحون يأتي حفيد متواضع لعاشور هو فتح الباب و يشعل شرارة تطلق انفجار الغضب الشعبي. تهزم العشيرة و يطرد زعيمها و ينصب فتح الباب زعيماً جديداً، يحاول فتح الباب أن ينهي جور العشيرة و يعيدها لطريق الخدمة، لكن أتباعه يقتلونه، و يعود الحرافيش إلى سباتهم العميق.
في تلك الأثناء، و في ركن دفين يترعرع شاب اسمه عاشور و هو الابن الثالث لابن أخ فتح الباب ، يتأمل سيرة جده الأسطوري و طرق تمكنه من التوفيق بين القوة و الفضيلة و يأتيه الإلهام، يتحدى العشيرة، و بشكل لا يصدق تسير الحرافيش عفوياً خلف رايته.
و عندما حدث هذا و تجمع الحرافيش و هم يشكلون الغالبية العظمى من العامة و سيطروا على النبابيت و العصي الطويلة فقد انقطع الخيط الذي يمسك كل شيء في مكانه و أصبح كل شيء ممكناً.
عاشور الزعيم جديد للحرافيش يحولهم من متشردين و نشالين و شحاذين إلى أعظم قبيلة عرفها الحي، و هو يفرض ضرائب ثقيلة على الأغنياء و يؤسس ميليشيا شعبية، يخلق فرص عمل و يؤسس مدارس. و بهذا تبدأ مرحلة في تاريخ العشيرة امتازت بالقوة و الاستقامة.
قالوا عن الحرافيش
خيري شلبي
وأستطيع الآن أن أقول وبثقة أن الحرافيش هي أعظم رواية في تاريخ الأدب العربي، وأن موهبة نجيب محفوظ لا نستطيع مقارنتها سوى بموهبة ديستوفسكى.
علاء الديب
لأول مرة أشعر أني أمام بناء فرعوني خالص في الأدب .. بناء يستحضر عظمة المعابد ونقوش الجدران، ويستحضر كذلك روح العدل والتوازن، بل والتحدي المباشر لفكرة الزمن وجوهره .. إنها أكمل وأنضج ما قدم فكر نجيب محفوظ وفنه
في السينما
ضربت ملحمة الحرافيش رقماً قياسياً في عدد الأفلام والمسلسلات المأخوذة عنها وقد حظيت حكايات الحرافيش بعدة أفلام منها :
1985
المطاردعن الحكاية الرابعة من ملحمة الحرافيش إخراج سمير سيف بطولة نور الشريف.
شهد الملكة عن الحكاية السادسة من ملحمة الحرافيش إخراج حسام الدين مصطفى بطولة نادية الجندي.
1986
الحرافيش عن الحكاية الثالثة من ملحمة الحرافيش بطولة محمود ياسين وصفية العمري..
الجوع عن الحكاية التاسعة من ملحمة الحرافيش بطولة محمود عبد العزيز وعبد العزيز مخيون.
التوت والنبوت عن الحكاية العاشرة من ملحمة الحرافيش إخراج نيازي مصطفى بطولة عزت العلايلي.
1988
أصدقاء الشيطان عن الحكاية السابعة من ملحمة الحرافيش إخراج أحمد ياسين ، بطولة نور الشريف ومديحة كامل
ومن وحي عالم الحرافيش قدم المخرج يحيى العلمي فيلم فتوات بولاق..
2002
السيرة العاشورية 1 .. عن الحكاية الأولى من رواية الحرافيش عاشور الناجي.. بطولة نور الشريف
2005
السيرة العاشورية 2 .. عن الحكاية الثانية من رواية الحرافيش شمس الدين بطولة هشام سليم وكمال أبو رية
2006
السيرة العاشورية 3 عن حكاية الحب والقضبان بطولة كمال أبو رية و وفاء عامر .
2012
السيرة العاشورية 4 بطولة نور الشريف و غادة عبد الرازق.
نجيب محفوظ
أول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل للأدب عام ١٩٨٨. وهو ليس فقط قامة أدبية مصرية رفيعة بل قامة عالمية استطاع من خلال كونه سيد الحارة المصرية أن يصل إلى العالمية برواياته.
بدأ في الكتابة منذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي واستمر حتى 2004.
ولد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911
سمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب المعروف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
في أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل.
وتوفي في 30 أغسطس 2006 .
من أهم أعماله :
بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية، أولاد حارتنا ، الحرافيش ، اللص والكلاب، السمان والخريف، الطريق ، ميرامار ، المرايا، الحب تحت المطر، الكرنك، ...