الهوارة في العصر الحديث
كتبت : ساراتو محمد
قبيلة هوارة أحد أهم وأعرق القبائل التي تحتل مكانة عظيمة في مصر وخاصة في الصعيد، وتحديداً في محافظة قنا.
اختلفت الروايات في أصل القبيلة ما بين أنها عربية إلى أمازيغية. وهناك من يقول أنها جاءت من اليمن إلى مصر. أو أنها جاءت من المغرب إلى مصر. ورأي آخر يقول أنها ذهبت من اليمن إلى المغرب إلى مصر. قصص وحكايات هوارة الكثيرة التي تناولت بعضها الدرامة المصرية. وسطرت الأقلام العديد من الكتب عن تاريخ وأصل
والمعارك التي خاضتها القبيلة بقيادة زعيمها شيخ العرب همام. وبالرغم من مرور هوارة بكثير من المتغيرات الحياتية
والمعيشية، وتوافد الأجناس المختلفة عليها، إلا إن أبناء هوارة يعتزون بأصولهم القبلية، كما أنهم مازالوا يحتفظون بكثير من عاداتهم وتقاليدهم حتى الآن.
ونحن اليوم ينبغي علينا أن نتعرف على أبناء هذه القبيلة. أين يتواجدون، وأهم ما يمزهم من صفات، وعادات وتقاليد. وأيضاً ما هي سلبياتهم وإيجابياتهم.
موطن الهوارة:
يرجع أصل قبيلة هوارة إلى الأمازيغية نسبة إلى الأمير هوار بن أوريغ بن مازغ حاكم إمارة الأمازيغ، الواقعة بين صحراء المغرب والجزائر. ويرجع نسبهم إلى حام بن نوح عليه السلام. يقدر تعداد الهوارة في مصر بحوالي خمس مليون نسمة يتمركز معظمهم في محافظة قنا بنسبة تقدر بحوالي٦٠%، وباقي أبناء القبيلة يتمركزون في محافظة سوهاج وأسيوط
والفيوم، كما ينتشروا في جميع أنحاء مصر. تتفرع هوارة إلى خمسة عشر فرعاً يوجد في محافظة قنا ثماني أفرع وهم،
( الهمامية - النجمية - البلابيش الوشيشات - القليعات - السماعنة الحميدات - الصوامعة ).
وثلاث أفرع في محافظة سوهاج وهم
( أولاد يحيى - أولاد عون الطيار العوايد). وثلاث أفرع في محافظة الفيوم وهم
( هوارة المقطع - أولاد فايد القذاذفة) وفرع في محافظة أسيوط وهو
( هوارة بني محمد).
الوضع الإقتصادي لهوارة:
يعتز أبناء قبيلة هوارة بأصلهم وبنسبهم العريق، لذلك كثير منهم يتقلد المناصب العليا والرفيعة، ويمتلك ثروة ضخمة والنفوذ. ومنهم من يمتلك أجود الأراضي الزراعية الواسعة التي ورثوها من أجدادهم.
يعمل أغلب أبناء هوارة بمهنة الزراعة بنسبة تصل لأكثر من ٨٠%. لا يعمل المزارع الهواري في أراضى أبناء عمومته لأنه يعتبر أن هذا ينقص من قدره وقدر أسرته عندما يعمل عند أشخاص يتساوون معه في الأصل والنسب. كما أنهم يعملون بالتجارة وجميع الوظائف والمهن. ويوجد بهوارة جميع المستويات الإجتماعية
كالأثرياء والطبقة المتوسطة والفقراء.
صفات الهوارة:
من أهم صفات أبناء هوارة الشهامة وعدم ممارسة القهر على الضعيف أو المرأة، حتى وإذا وجهت المرأة للرجل أي إهانة، يرجع الشخص المهان إلى زوجها أو والدها، أو أي رجل من أسرتها. يتميز المجتمع الهواري بأنه مجتمع محافظ يخلو من المشكلات المتعلقة بالأداب، كالتحرش، والإغتصاب
وتكون أغلب المشكلات لديهم على الزرع أو الحدود بين الأراضي.
يتميز أبناء هوارة بالترابط الإجتماعي
فهذا من بنائهم القبلي، ويظهر هذا في السراء والضراء. وعند حدوث حالة وفاة لأحد منهم تفتح الساحات لتلقي واجب العزاء، ويتكفل الأقارب بإقامة العزاء وتقديم صواني الطعام للمعزيين والضيوف والمغتربيـن وكذلك لأسرة الفقيد طوال فترة العزاء. وفي حالة أن أحد منهم لم يأتى للعزاء فإن الهوارة يقاطعوه إلى الأبد ولا يشاركوه في أفراح ولا أحزان.
وتنتهي هذه المقاطعة بالتصالح عن طريق المجلس العرفي للقبيلة. تختلف مدة العزاء بين الرجل والمرأة. فأيام العزاء للرجل من ثلاث إلى خمسة أيام. ويوم واحد للمرآة
أو يأخذ عزاءها على القبر. وفي ذكرى اليوم الخامس عشر، وذكرى الأربعين للمتوفى يُقرأ القرآن كاملاً ويتم تقديم الطعام للمشايخ والأقارب.
الزواج لدى الهوارة:
يتميز نظام الزواج لدى الهوارة بتمسكهم بأصلهم السلالي القديم، ويُفضل أن الرجل الهواري يتزوج من داخل القبيلة، وأيضاً متاح له أن يتزوج من خارجها، لكن الفتاه الهوارية لا يُسمح لها بالزواج من خارج القبيلة إطلاقاً، لأن إذا حدث وتزوجت الفتاه الهوارية من خارج قبيلتها، ستذهب أجزاء كبيرة من أرض الهوارة إلى أبناء ينتسبون إلى أب من خارج القبيلة. وبهذا ستتفرق الأراضي وتختلط الأنساب وتضيع هيبة القبيلة. وإن حدث وتزوجت الفتاه الهوارية من خارج قبيلتها، تُعاقب هي ووالدها، أو زوجها أشد العقاب. أو يتم طردهم خارج القبيلة نهائياً. ويوقع هذا العقاب من خلال شيخ القبيلة وأفرادها.
وفي الماضي هذا أدى إلى زيادة نسبة الإناث عن الذكور داخل القبيلة. وللحد من العنوسة بين فتيات القبيلة، أصبح الرجل الهواري له الحق أن يتزوج من فتاتين من داخل القبيلة. وظل عرف يُمارس حتى الآن، ولكن متاح للرجل أن تكون الزوجة الثانية من خارج القبيلة.
يُعرض على الرجل الهواري الزواج من أبنة عمه التى جاء دورها للزواج، وإذا قبل بها فعلى الفتاه القبول بإبن عمها. ولا بد أن ترضخ لقرار الأسرة ولا تراجعهم فيه وفي أحيان يكون الفارق الإجتماعى والمادي عائقاً أمام الزواج، فمثلاً إذا كان الرجل بسيط الحال اجتماعياً ومادياً لا يمكنه اختيار فتاه من طبقة متوسطة أو من أسرة يتقلد رجالها مناصب عليا ذوي الأملاك، لأن هذه منظومة اجتماعية صارمة، وما يحدث من حالات ارتباط أبناء طبقة فقيرة بفتاه أسرتها ثرية يكون الرجل إما ذا علم أو منصب قيادي.
تربية الأبناء:
يحرص أبناء هوارة على تعليم أبنائهم قدر المستطاع. وتحظى الفتاه بالقبيلة برعاية خاصة تفوق رعاية الإبن. وتتعلم الفتاه ويتم الإنفاق على زواجها بسخاء
حتى بعد زواجها تعامل كفرد مقيم مع الأسرة ويحسب حسابها في كل شيء.
والفتاه التى يتوفى والدها قبل زواجها قد ترث فوق ميراثها الشرعي ما يوازى تكلفة زواجها، أو يتكفل أخواتها بتكاليف زواجها. تُربى الفتاه من الصغر على احترام وتقدير الزوج، حتى إذا كان أقل منها تعليماً.
تحرص الأسر على زواج بناتهم من داخل القبيلة حفاظاً عليهم، فإذا ما حدثت مشكلة بعد الزواج تحل في حدود العرف والتقاليد. ليس فقط حرصاً على المواريث والنسب. فهذا التقليد تحرص عليه جميع مستويات القبيلة، الأسر الثرية، وغير الثرية.
المرأة الهوارية:
المرأة في القبيلة بمناطق الريف لا تحتاج لأن تخرج للعمل بالحقول، أو الذهاب للأسواق. فإذا لم يكن لها زوج أو إبن فرجال العائلة يساعدوها ويقضون حوائجها طواعية.
يحرص هوارة أولاد يحيى على عدم خروج بناتهم من البيت من ولادتهم، حتى وفاتهم. وتخرج الفتاه من البيت مرتين، مرة من بيت أسرتها إلى بيت زوجها، ومرة عند وفاتها.
أما فيما يتعلق بتعليم الفتاه فيقوم رب الأسرة بإحضار مُدرسة خاصة، أو فتاه من المتعلمين بالقرية بتعليم بناته القراءة والكتابة داخل المنزل.
وإذا مرضت الفتاه، أو المرأة داخل الأسرة، يقوموا بإحضار طبيبة من المركز إلى المنزل لتقوم بعلاج الحالة، أو بتوليد السيدة. وإذا لم يجدوا طبيبة يقوموا بعلاج الحالة عن طريق الوصفات الطبية
أو من خلال علاج يقوم بكتابته طبيب بدون الكشف على المريضة، إذا وافق الطبيب على ذلك. وفي حالة الوضع إذ لم يجدوا طبيبة، يأتوا بإحدى النساء المتخصصات (الداية) لتقوم بتوليد الحالة.
أما فرعي القبيلة من الهمامية، والبلابيش فهم يسمحون لبناتهم بالخروج إلى التعليم. ويذهبوا بالمريضة إلى الطبيبة أو الطبيب في العيادة أو إحضارهم إلى المنزل. وهذا يكون الإختلاف في بعض العادات والتقاليد لدى القبيلة.
التصالح لدى الهوارة:
تنتشر ظاهرة الأخذ بالثأر في جنوب مصر. ذاك المرض الخبيث الذي ينهش في المجتمع الصعيدي، والذي لم يُكتشف له علاج حتى الآن! وهذه الظاهرة ليست قاصرة على قبيلة بعينها، ومنتشرة في الصعيد كالنار في الهشيم، لكن تختلف طريقة التصالح من قبيلة إلى أخرى.
ويكون التصالح في قبيلة هوارة إما عن طريق تلقى "القودة" أو الأخذ بالثأر، على اعتبار أن من قتل يُقتل. وعندما يتساوى عدد القتلى لدى العائلتين المتخاصمتين
يتم التصالح. ويقام التصالح فى سرادق على قطعة أرض، بحضور كبار العائلة
أو القبيلةوسط جموع غفيرة من الناس ومازالت الجهود تبذل لصد هذا الإرث البغيض.