لصوص لكن ظرفاء، حكاية المقبرة المزيفة
كتب د. عبد الرحيم ريحان
كلنا نتذكر الفيلم الكوميدى "لصوص لكن ظرفاء" لأحمد مظهر وعادل إمام، لصوص آثار ظلوا لأكثر من عام يصنعون فى مقبرة مزيفة لإيهام آخرين بأنها حقيقية ليقوموا بشرائها وتهريبها إلى الخارج والظريف فى ذلك أن المخدعوين ممن كانوا سيشترون المقبرة لتهريبها هم من أبلغوا البوليس عن المقبرة المزيفة.
هذا ما حدث هذه الآيام من عثور أجهزة الأمن ببنى سويف على ثلاثة سراديب تحت الأرض وغرفة تحوي قطعًا أثرية مقلدة
من منتجات خان الخليلى لإيهام تجار الآثار بأنها مقبرة مصرية قديمة، وقد عاين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى الوزيري المقبرة المزيفة وكانت تضم تابوتًا من الجبس وتماثيل وكميات من السبائك المطلية بالذهب مصنوعة من الجبس وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة وإعدام جميع محتويات المقبرة المزيفة
وفى ضوء ذلك نؤكد أن الهوس الجنونى بالحفر خلسة والتي زادت حدتها بعد فوضى يناير 2011 تحول إلى خداع ووهم لدرجة عمل هذه المقبرة الوهمية وهذا يدل على استمرار أعمال الحفر خلسة وتجارة الآثار، وتهريب القطع الأثرية ناتج الحفر خلسة يقضى على كل أمل فى عودتها باعتبارها آثارًا غير مسجلة.
الحفر خلسة من الناحية الدينية غير شرعى ، وهناك فتوى من الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أكد فيها على حرمة تجارة الآثار حيث قال: "لا يجوز شرعًا المتاجرة بالآثار، أو التصرف فيها بالبيع
أو الهبة، أو غير ذلك من التصرفات، إلًا في حدود ما يسمح به ولي الأمر، وينظِّمه القانون؛ مما يحقق المصلحة العامة".
ومن الناحية القانونية فهو مخالف لنص المادة 32 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته والتي تنص على أن السلطة المختصة بأعمال التنقيب عن الآثار فوق الأرض وتحت الأرض والمياه الداخلية والإقليمية المصرية هي المجلس الأعلى للآثار، ويجوز للمجلس أن يرخص للهيئات العلمية المتخصصة والجامعات الوطنية منها والأجنبية بالبحث عن الآثار أو التنقيب في مواقع معينة ولفترات محددة وذلك بعد التحقق من توافر الكفاية العلمية والفنية والمالية والخبرة الأثرية ويكون لهذه الهيئة حق النشر العلمي فقط للآثار المكتشفة، وتضمنت المادة 35 أن تكون جميع الآثار المكتشفة التي تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية والمصرية ملكًا لمصر.
وهناك عقوبة للتنقيب غير الشرعي جاءت في المادة 44 من القانون بأن يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه كل من قام بأعمال حفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك ويعاقب بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للآثار أو من مسئولي أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم.
كما انتبهت الدولة لدور العصابات الدولية في استغلال المهوسين بتجارة الآثار حيث تضمنت التعديلات الأخيرة في قانون حماية الآثار معاقبة عصابات الآثار التي تستغل المهووسين بالحفر خلسة في المادة 42 مكرر 1 ونصها «يعاقب بالسجن المؤبد كل من قام ولو في الخارج بتشكيل عصابة أو إدارتها أو التدخل في إدارتها أو تنظيمها أو الانضمام إليها أو الاشتراك فيها وكان من أغراضها تهريب الآثار إلى خارج البلاد أو سرقتها بقصد التهريب».
ورغم تحريم أعمال الحفر خلسة ومخالفتها لقانون حماية الآثار ووجود عقوبة لها وردع للعصابات لكن الأعمال مستمرة وبشكل كبير لدرجة عمل مقابر وهمية لخداع المهوسين بتجارة الآثار
ونرصد أسباب الحفر خلسة واستمرارها إلى حد الهوس، أولًا وجود ثغرات فى قانون حماية الآثار نفسه بأنه حدد العقوبة للحفر خلسة بشرط أن تكون الأراضي محل التنقيب من الأراضي الأثرية، وبالتالي فالأراضي من الملكية الخاصة لا تقوم فيها جريمة التنقيب وفى حالة مداهمة أي شخص يحفر أو يقوم بالتنقيب في ملكية خاصة دون العثور على لقى أثرية فلا جريمة وفي حالة القبض علي القائمين بالحفر في ملكية خاصة مع العثور على لقى أثرية تعتبر قضية حيازة للأثر وليست حفر أو تنقيب غير شرعي طبقًا لدراسة قانونية للدكتور محمد عطية مدرس الترميم بآثار القاهرة وباحث دكتوراه في القانون الدولي الخاص، ومن هذا المنطلق فكل شخص يمتلك منزل أو أراضى خاصة به يقوم بالحفر بها ومصر كلها رابضة على كنوز من الآثار وبالتالى فهذا الشرط مشجّع لأعمال الحفر خلسة.
السبب الثانى أن نظام المكافأة لمن يعثر على آثار لا يساهم في تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أعمال التنقيب الغير شرعي أو العثور على قطع أثرية بسبب عيوب المواد 24، 44 من قانون حماية الآثار ومنها تحديد مدة 48 ساعة للإبلاغ عن العثور على أثر من لحظة العثور عليه وإلا يعاقب بتهمة حيازة أثر كما جعل قيمة الأثر احتمالية وبالتالي إعطاء المكافأة احتماليًا أيضا حيث نصت المادة 24 "وللمجلس إذا قدّر أهمية الأثر أن يمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة، كما جاء فى دراسة الدكتور محمد عطية.
وبالتالى فإننا نجد من النادر جدًا من يقوم بالإبلاغ عن أى أعمال حفر خلسة لعدم وجود مكافأة كبرى مادية وعينية تتمثل فى تعيين أبناء من يقومون بالإبلاغ عن أعمال الحفر بوزارة السياحة والآثار.
السبب الثالث هو وجود العديد من الأشخاص لديهم آثارًا متوارثة من آبائهم وأجددادهم قاموا بتجميعها قبل قانون حماية الآثار ومنهم معدومى الضمير ممن يقومون بتهريبها للخارج ولا نعلم عنها شيء وتباع أمام أعيننا فى المزادات العلنية لأنها غير مسجلة بالطبع وهناك من الوطنيين المخلصين يقومون بتسليمها وهناك سيدة سلمت متحفًا متكاملًا للوزارة ولم يتحقق لها أبسط مطالبها وهو عرض الآثار فى قاعة خاصة باسم والدها بالمتحف المصرى وهناك وهم الأغلبية لا يعلنون ما لديهم وبالتالى فهذه الآثار أكثر عرضة لتهريبها للخارج.
والحل هو تشريع يقنن المتاحف الخاصة مثل الكثير من الدول بحيث تسجل هذه الآثار ويتم السماح لأصحابها بإنشاء متحف خاص يتربح منه تحت إشراف وزارة السياحة والآثار وبذلك تضمن الدولة الحفاظ على الآثار وعدم تهريبها واستفادة أصحابها منها.
وعلاوة على ذلك ولمنع أعمال الحفر خلسة نهائيًا نطالب بضرورة إنشاء شرطة خاصة تحت اسم "شرطة مكافحة تهريب الآثار" تكون مهمتها منع تهريب وسرقة الآثار والحفر خلسة وتستخدم فيه أحدث تقنيات علمية لكشف مواقع الحفر خلسة وملاحقتها وكشف أجهزة التنقيب عن الآثار وملاحقة العصابات الدولية وعملاؤها من تجار الآثار في مصر.
وضرورة التعاون مع القوات المسلحة لاستخدام طائرات ومعدات عسكرية متطورة لهذا الغرض، وقد أوصى الاتحاد العام للآثاريين العرب في مؤتمره الـ21 الذي انعقد في الشيخ زايد في الفترة من 10 إلى 11 نوفمبر 2018 بضرورة أن تقوم القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية في كل الدول العربية بحماية الآثار والتراث وفقًا لتوصية اليونسكو.
وكذلك زيادة وعي المواطنين بأهمية الآثار المصرية والتاريخ المصري القديم، وأن الحفر خلسة هو جريمة غير مشروعة وغير قانونية، وأن تقوم وزارة السياحة والآثار بتكثيف الجهود لتسجيل كل الأراضى المشكوك بوجود آثارًا بها .