اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

القميص المسحور بمتحف الفن الإسلامى

 القميص المسحور بمتحف الفن الإسلامى





كتب -  د . عبد الرحيم ريحان


خمسة جنيهات دفعها ماكس هيرتز 

مدير المتحف الإسلامى فى ثلاثينات القرن الماضى إلى مصطفى بك شمس الدين

 في مقابل قميص من الكتان

 أصبح من أشهر مقتنيات المتحف الإسلامى فى القاهرة وهو ضمن 8 قمصان بمتاحف العالم فى مصر وإيران وتركيا وألمانيا، يطلق عليها

 "القمصان المسحورة"



وقد تناول قصة هذا القميص فيلم الفيل الأزرق الذي عرض في أغسطس 2019

 عن رواية أحمد مراد ، حيث جاء ذكر القميص الموجود في المتحف الإسلامي في مشهد جسده الفنان كريم عبد العزيز في الجزء الأول، متحدثًاعن سرقته من المتحف في أولى مشاهد الفيلم والكثير من الوقائع الأخرى من الفيلم.





وتحدثنا الدكتورة صفاء محمد

 عن سبب شهرة هذا القميص ولماذا أطلق عليه المسحور، القميص يعود إلي عصر الدولة الصفوية فى إيران فى القرن السابع عشر الميلادى وعمر القميص حوالى 350 سنةض،  صنع خصيصًا  لشاه إيرانى اسمه صفى الثانى و شهرته سليمان الصفوى

ذهب مصطفى بك شمس الدين إلى ماكس هيرتز يلحّ عليه أن يشتري القميص لأنه تحفة نادرة،  لكنه لم يُفصِح عن سر القميص ورحلته من إيران إلي مصر القميص عبارة عن تميمة يتم ارتداءها 

علي كامل الجسد وتستمد قوتها من ثلاثة أشياء، طاقة الكلمة و طاقة الأرقام 

وطاقة الأشكال الهندسية وللحصول علي طاقة الكلمة اعتمدت خياطة القميص الإيراني علي كتابة بعض الآيات القرآنية

 وللحصول على طاقة الأرقام استخدم فيه "الجَفر" وهى تحويل الحروف إلي أرقام

 والعكس و للحصول علي طاقة الأشكال الهندسية اعتمدت خياط القميص على توظيف بعض الأشكال الهندسية وهذه الأنماط الهندسية ظهرت في مصر القديمة

ومن الواضح أن الخياط أو الساحر الذي قام بتصميم القميص كان ملمًا بعلوم الحضارات القديمة وأهمها حضارة مصر والعراق، حيث أخد من العراق فكرة تحويل الأعداد إلى حروف والعكس وأخد من مصر فكرة توظيف الأشكال الهندسية لصنع تميمة  وللحصول على قوة الكلمة استخدم آيات  قرآنية طبقًا لديانته.



وأن فكرة قوة الكلمة لها أصول مصرية قديمة حيث أن الكون فى الصوفية المصرية القديمة خلق بقوة الكلمة حين نطق (بتاح) اسم كل مخلوق، وقوة الكلمة طبقًا للمعتقد المصرى القديم أوجدت كل ما هو موجود، ولذلك وجدت تمائم بمصر القديمة على هيئة كلمات مكتوبة بالرموز الهيروغليفية اللى أطلق عليها اسم

 "مِدو نِتِر" يعنى كلام الرب لأنها مستمدة من الطبيعة،  ومن أشهر الكلمات المستخدمة كتمائم فى مصر القديمة كلمات "عَنخ/وِجا/سِنِب" و معناها الحياة والسلامة والصحة .





وعن الأشكال الهندسية ومغزى استخدامها كتميمة توضح الدكتورة صفاء محمد أن المصرى القديم تأمل منذ فجر التاريخ  الأزهار فى الطبيعة و طريقة تشكيل البتلات داخل الزهرة واكتشف وجود أنماط هندسية تعيد تكرار نفسها فى كل زهرة جديدة، وهى أنماط ثابتة ومن الممكن اختزال الزهرة فى شكل هندسى بتوصيل أطراف البتلات بخطوط متقاطعة، وقد سجل المصرى القديم هذه الأفكار على جدران المقابر والمعابد مثل معبد الملك سنوسرت الأول فى الفيوم وقد استوحى من مملكة النبات أشكالًا هندسية مختلفة و قام بتوظيفها بأكتر من طريقة منها زخرفة أسقف المقابر فى البر الغربى فى الأقصر وزخرفة الصناديق وأوعية مساحيق التجميل وزخرفة الملابس.



وتتكون هذه الأشكال الهندسية من أكواد موجودة فى بذرة كل نبتة  وهى التى تتحكم فى نمو النبات و تجعله يحافظ على نفس الشكل فى كل مرة يُعاد فيها استنباته، وكل زهرة تنمو بنفس الشكل ونفس عدد البتلات و طريقة تشكيلها داخل الزهرة وتحافظ  على نفس الكود الهندسى بدون أى تغيير وتنقله لإلى النبتة الجديدة.



وفسّر المصرى القديم  هذه الأكواد بقدرة إلهية ساكنة فى بذرة كل نبات ومع كل نبتة جديدة بيتم تفعيل القدرة الإلهية لتقوم بدورها فى خلق حياة جديدة، لهذا رأى العقل المصرى فى الأشكال الهندسية رمزًا  لقوى الخلق، ولطالما قوى الخلق موجودة وتقوم بعملها فى خلق حياة جديدة فإن قوى الفوضى والهدم

 (المقصود بها مجازًا الشياطين) 

لن تتمكن من القيام بعملها لأن البناء والهدم لا يجتمعا فى نفس اللحظة

وهى الفكرة الأساسية التى قام عليها مفهوم التميمة فى الحضارة المصرية فالتميمة تستدعى الحضور الإلهى لأنه هو أقوى درع و سلاح ضد قوى الفوضى والهدم.



طول القميص 137سم، عرض الصدر 89 سم، اتساع الوسط 92 سم، طول الذراع 20 سم واتساعه 30 سم، وفتحة الرقبة 16سم وهو ثوب غير مخيط من الكتان

ويوضح الدكتور عبد الحميد عبدالسلام الآثارى بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة وهو أول باحث مصري قام بدراسة علمية لفك طلاسم وألغاز القميص المسحور، أن كلًا من سليمان الصفوي وسليمان القانوني العثماني، كانا يرتديان القميص ذاته ككل الأمراء في عصرهما، ويخوضون المعارك وهم يرتدونه كوقاية وحماية كملبس داخلي لايظهر للعيان، وقد نجحت الدولة الصفوية فى إيران فى تأسيس دولة قوية كما كان صفي الثاني بن عباس الثاني الذي عرف باسم سليمان الأول، والذي حكم بين عامي (1666-1694م) هو الابن الأكبر للشاه عباس الثاني الصفوي من جاريته الشركسية ناكيهات خانم، وهو ولد وترعرع في الحريم وكان يقول عليه المنجمون والفلكيون إنه منحوس الطالع.



وكان اهتمام سليمان الأول الصفوي بشئون السياسة قليلًا مفضلًا الاهتمام بالحريم حيث وضع القرار السياسي بيد كبار وزرائه أو لمجلس الخصيان

 (الذين يقومون على حراسة السيدات) الذين تعاظم نفوذهم في عهده.



وانتشر الفساد في الإمبراطورية الصفوية في عهده، وضعف الانضباط في الجيش بشكل خطير، ولم يبادر سليمان الأول الصفوي لاستغلال ضعف العدو التقليدي للصفويين، أي الإمبراطورية العثمانية بخاصة بعد هزيمتهم في معركة فيينا عام 1683م، كما عانت الإمبراطورية الصفوية من غارات القبائل.



توفي سليمان الأول الصفوي في 29 يوليو 1694م، واختلف المؤرخون في سبب موته، إمّا بسبب إفراطه في شرب الخمر

 أو بسبب داء النقرس.





 وقام الخصيان بتنصيب ولده الأكبر حسين خلفًا له، الذي حمل لقب سلطان حسين

 مما يجعل السؤال ضروريًا كيف لملك مثله أن يرتدي هذا القميص وهو الذي لايحبذ القتال؟



وينوه الدكتور عبد الحميد عبدالسلام

 إلي عدم التأكد من ارتداء سليمان الصفوي المنحوس هذا القميص الذي صنع في عهده، إلّا أنه من المرجح أن من ارتداه مات مقتولًا، كما يظهر القميص البنية الشكلية للشخص الذي ارتداه وسماته الجسدية، حيث أن مساحة الوسط 92 سم يدل علي أن من كان يرتديه ممتلىء الجسد، وذو بطن بارز، كما يظهر مساحة عرض الصدر التي تبلغ 89 سم أنه عريض الأكتاف، وتدل مساحة الكم 30 سم أن سواعده مفتولة العضلات ضخم البنية

 وأنه مهيأ لأن يكون رجلًا محاربًا ويتخذه للحماية والوقاية من المهالك.

ويوجد بالقميص أرقام وآيات قرآنية وعبارات دعائية كتبت بالمدادين الأسود والأحمر، محيت معظمها، وبها آثار دماء

 وبجوار الرقبة من الجهة اليسري توجد كتابات وشكل مستطيل مقسم لـ42 مربع

شغلت جميعها بالأرقام.



ورغم أن القدماء اعتقدوا أن هذا القميص مسحور وأنه حماية لمن يرتديه من السهام والسيوف، فإن من ارتداه قتل وتبقى تساؤلات معلقة حول كيفية استخدام الأمراء والملوك للقميص، والطريقة التي قتل بها الملك المنحوس.


google-playkhamsatmostaqltradent