المشلتت سلطان الفطائر
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
يتميز كل شعب بأكلات تراثية شهيرة، وقد كان الفطير المشلتت أحد الأكلات التي تميزت بها مصر منذ القدم، فقد عرفه المصريون القدماء منذ سبعة آلاف سنة كطعام يقدم قربانًا للآلهة في المعابد بل وضعوه أيضًا في المقابر مع المتوفين اعتقادًا منهم في البعث والخلود، كذلك كان الفطير يقدم للعمال والموظفين كأجر عن عملهم في المعابد، وفى هذا الإطار كانت الدراسة التاريخية للدكتور محمد أحمد إبراهيم أستاذ التاريخ الإسلامى بآداب بنى سويف.
عرف الفطير المشلتت باسم
(الملتوت أو المطبق ) لأنه يصنع من عدة طبقات فوق بعضها البعض، أمّا في الدولة الحديثة فقد ظهر اسم (مشت – مست)
إذ وجد هذا الاسم علي بعض النقوش التي عثرعليها في مقبرة (رخميرع)
أحد الوزراء في عصر الملك تحتمس الثالث وامنحتب الثاني ثم تحول الاسم من مشت بعد إدماج ملتوت إلي مشلتت)
وفي عصر الدولة الفاطمية والدولة المملوكية ظهرت بعض المسميات لأنواع من الفطير منها ماعرف بالهلالي التي استوحت منه فرنسا بعد ذلك فكرة عمل (الكرواسون) و( الباتيه).
ويشير الدكتور محمد أحمد إبراهيم إلى أن الفطير المشلتت انتشر في كل محافظات مصر إلّا أن شهرته وجودته ارتبطت بمحافظة المنوفية وتحديدًا مدينة (قويسنا) منذ عصر الخديوي إسماعيل ومن بعده الملك فاروق، إذ كان العاملين في القصور الملكية من محافظة المنوفية يقومون بإعداده بطريقة مختلفة ليتذوقه الخديوي لكي يلحظوا الإختلاف بينه وبين فطير أي مدينة أخري، حتي أنه خصص بعد ذلك أشخاص من المنوفية بالقصور لعمل الفطير المشلتت وتقديمه لكبار الزوار وأشهر الساسة، بل حرص الرئيس السادات علي أن يكون المشلتت المنوفي أبرز الأكلات التي يقدمها لضيوفه افتخارًا بمحافظته، لذلك عرف في قويسنا
(برج المنوفية)علي مساحة 700 متر ومكون من طابقين لصناعة المشلتت بالطريقة المشهورة بها المحافظة بالسمن البلدي الخالص ومن عدة طبقات قد تصل إلي سبع طبقات، وهو مايعرف بالمورق فضلًا عن الأحجام الكبيرة التي تصل فيها الفطيرة إلي نصف متر وأكثر إظهارًا لبراعة الصنعة وتفوق المنايفة .
وينوه الدكتور محمد أحمد إبراهيم إلى ارتباط المشلتت بالعادات والمناسبات الاجتماعية، فهو طعام يقدم للترحيب بالضيوف في الريف، كما أصبح وجبة أساسية تقدم للعروسين في (الصباحية) محمولًا علي الصواني الكبري فوق الرؤوس مع مشتملاته
( الجبن القديم – العسل الأبيض- العسل الأسود – القشطة المورتة- البيض المدحرج)
ومن العجيب والمدهش أن المشلتت لايؤكل بالسكر كباقي أنواع الفطيرالسائدة,، بل مع العسل الذي هو تراث مصري أصيل فضلًا عن قيمة العسل الغذائية مع المشلتت،علي الجانب الآخر أصبح معيار شطارة ونضوج الفتيات في الريف وهي قدرة الفتاة علي عمل المشلتت واستخدام (النشابة) الرفيعة لفرده والجلوس أمام فرن تسويته دون حرقه أولسعه، وهي مهارة تتوارثها الفتيات من الأمهات.
ونظرًا لانتشار الفطير في المجتمع المصري وخاصة المشلتت، فقد ارتبط به العديد من الأمثال الشعبية التي منها
( الغيرة حرقت الفطيرة )
ويضرب للسلايف والضرائر في المنزل الواحد المتافسين دائمًا في التقليد بينهن الذي يؤدي إلي حرق الفطير، كذلك
(زحمة العيد يامنخل)
ويضرب في كثرة عمل الفطير في مناسبة العيد واستعارة المنخل لنخل الدقيق
( اللي مالوش خميرة مايخمرلوش عجين) ويضرب في أهمية الخميرة في صنع بعض أنواع الفطير
(الطينة من الطينة واللتة من العجينة) (فاتت عجينها في الماجور وراحت تضرب بالطنبور)
(اللي مالوش غرض يعجن يقعد ست أيام ينخل)
ويضرب في المتكاسلة عن العمل
(اديني شعير وخد فطير)
(لما انت أمير وانا أمير مين يسوي الفطير) وغيرها وغيرها من الأمثال التي جسدت ما ارتبط بالفطير في المجتمع المصري من مواقف وأحداث.
كما جسّدت السينما المصرية العديد من المواقف التي ارتبطت بالفطير خاصة فيلم ( الزوجة الثانية) ومشهد المأمور والعمدة وتناولهم للمشلتت قبل التحقيق مع أبو العلا المحبوس هو وزوجته وأولاده في الغرفة الجانبية دون طعام في انتظار الموافقة منه لتطليق زوجته فاطمة
وهو من المشاهد العبقرية الذى أبدعها المخرج صلاح أبوسيف، كذلك فيلم
(أيام السادات) وبراعة أحمد زكي في تصوير السادات وهو يقدم الفطير لضيوفه بيده إظهارًا لديمقراطيته مع المعارضة.
وعلي الرغم من انتشار العديد من أنواع الفطائر في المجتمع المصري في العصر الحديث (البيتزا - الكريب) القادمين من وراء البحار، إلّا أن المشلتت المصري بالسمن البلدي يظل سلطان الفطائر في المجتمع بلا منافس وعنوانًا لتراث مصري أصيل لن يتغير في ذاكرة وبطون المصريين مع كل زواج وكل صباحية مع كوب الشاي المغلي الثقيل بعد تناوله .