الجَبَنَه "القهوة" طقس سوداني مميز
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
تعد "الجَبَنه" بفتح الجيم والنون
أو "القهوة" السودانى أحد أهم الموروثات الثقافية والإجتماعية فى جمهورية السودان، وترجع تلك التسمية إلى الإناء الفٌخارى المٌخصص لصناعتها، والذى يٌشبة الأبريق الصغير.
وتشير الدكتورة سهام عبد الباقى محمد الباحثة فى الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن "الجَبَنه" من أهم المشروبات السودانية على الإطلاق ولها حضورًا شعبيًا واسعًا فى جميع الشوارع والميادين السودانية والتجمعات الأسرية والقبلية، كما تٌقدّم فى شتى المٌناسبات.، وقد إشتهرت الجَبَنَه لدى قبائل البِجَا فى شرق السودان ثم عمت جميع أرجاء السودان.
وتبدأ عملية تجهيز الجَبَنَة بتحميص حبات البن الخضراء ثم دقّها ووضعها فى "التنكة" وهى الكنكة حتى النضج وبعد أن تٌسوى القهوة يتم إفراغها فى إناء الجَبَنه، أو إناء صب القهوة وعادة ما يكون مصنوعًا من الألومونيوم أو الفٌخّار، ويتم بيع اكواب القهوة والتى تٌعد المشروب الشعبى الأول فى السودان من خلال أكشاك يتم تصميمها من الخشب والصفيح، وتوضع بها دكك من الخشب أو كراسى صغيرة من البلاستيك للجلوس تتوسطها منضدة خشبية متوسطة الحجم وقليلة الإرتفاع يجلس أمامها البائع وتٌرص عليها أكواب القهوة الصغيرة التى تٌعرف فى مصر بإسم "الخمسينة" أو الفناجين الصينى وعبوات البن والسكر.
و توضح الدكتورة سهام عبد الباقى محمد طقوس الجبنة بأنها تٌصب فى تجمعات النساء والرجال وتسمى تلك التجمعات
" الوناسة" لأن النساء تأتنسن أو تتونسن بالجلوس معًا لإحتسائها وهم يتسامرون
كما يتونس بها الرجال فيتشاركون الحديث عن مشاكلهم الإجتماعية ويتبادلون الخبرات والإستشارات والنصح مما يدعم أواصر المحبة بين أفراد المٌجتمع ويضمن تماسكه.
ومن الطقوس المٌصاحبة للقهوة إشعال البخور الذى تشتهر به السودان مما يضفى على الجلسات نوع من الإريحية والمتعة والهدوء النفسى الناتج عن حميمية اللقاء والمذاق الشهى للجبنه،والرائحة العطرة المٌتصاعدة من البخور المشتعل.
وتعد كذلك من مشروبات السعادة والفأل الحسن حيث يتم قراءة بقاياها لاستشراف المستقبل والتنبوء به، وقد دخلت الجبنه فى كثير من الفنون التشيكلية بالسودان سواءً فى مجال الرسم حيث تجد اللوحات تجسد تجمعات النساء والرجال ملتفين حول صينية الجبنه تبدو عليهم مظاهر السعادة والترابط الإجتماعى، ولم تخلوا الأعمال الفنية والديكورية من عمل تصميمات من صوانى الجبنه ومشتملاتها كما أصبحت مصدرًا لإلهام الشعراء فتناولتها الكثير من الأغانى السودانية، مما جعلها طقس لمات السمر وجلسات الأحبة وأحد الطقوس الاجتماعية والثقافية المميزة بالمجتمع السوداني.