اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

سر الجمال والإبداع عند العرب

 سر الجمال والإبداع عند العرب




كتب - د . عبد الرحيم ريحان


تحسس الإنسان الجمال منذ أقدم العصور قبل أن يكون للجمال علم (الاستطيقا) يعرف به ويعالج كل ما يتعلق بقضاياه مثل تحديد معنى الجمال وتعريفه وصلة الجمال بالحق والخير، وإذا تصفحنا أى كتاب فى علم الجمال نجد أن الحديث عن أقطار الوطن العربى يشغل الفصول الأولى منها مما يؤكد إسهامات العرب فى نشوء الفكر الجمالى وتطوره عبر العصور.





ومن هذا المنطلق أفردت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "إليكسو" صفحات فى كتاب " الفن العربى الإسلامى" للباحث الدكتور بشير زهدى لنشر روائع الجمال والفن عند العرب فى بحثه "علم الجمال عند العرب" الذى يلقى الضوء على آثار الوطن العربى كمظهر حضاري وثقافة فنية وفكرًا جماليًا تجسدت فى ملحمة جلجامش وروائع الأدب فى بلاد ما بين النهرين وحوض النيل وغيرها وبلغ تقدير العرب للجمال والفن درجة جعلتهم يكتبون مختاراتهم الجميلة من فن الشعر بماء الذهب ويعلقونها على الكعبة المشرفة .





الفكر الجمالى عند العرب

يشير الدكتور بشير زهدى إلى مرحلتين رئيسيتين فى دراسة الفكر الجمالى عند العرب وهما مرحلة ما قبل الإسلام وتجسّده روائع الآداب والفنون المتمثلة فى الحدائق المعلقة والقصور والأسوار والمعابد والمنحوتات والرسوم والفسيفساء والآثار الفخارية والعاجية، أمّا مرحلة ما بعد الإسلام فتميزت بظهور الفكر العربى الإسلامى فى تخطيط المدائن الإسلامية، المدينة المنورة ومكة المكرّمة ودمشق وبغداد والقاهرة واتصال الحضارة الإسلامية بالغرب وتأثيرها وتأثرها فى مجال الفنون والعمارة.





وقد أبدع العرب فى ميدان البلاغة الكلامية فى فن الشعر والبلاغة التشكيلية فى إبداع الأسلوب التجريدى فى الفنون والزخارف الإسلامية وقد استمد العربى فكره الجمالى من آيات القرآن الكريم " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ" النحل آية 6 " لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " البروج آية 11 " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "  النور آية 35

وقد قدم المتنبى تعريفًا للجمال فى شعره قائلًا

وما الحسن فى وجه الفتى شرفًا له  إذا لم يكن فى فعله والخلائق

كما عبّر عنه ابن الفارض فى شعره الذى يجسد الحب الإلهى قائلًا

أحبك حبين حب الهوى   وحبًا لأنك أهل لذاكا

فأمّا الذى هو حب الهوى   فشغلى بذكرك عن من سواك

وأمّا الذى أنت أهل له فلست أرى الكون حتى أراكا

فما الحمد فى ذا ولا ذاك لى  ولكن لك الحمد فى ذا وذاك

المرأة والجمال





تميزت نساء العرب والمسلمين بدقة النظر وحب البحث عن الجمال والمحاسن والقدرة على اكتشاف العيوب مما جعلهن خبيرات فى قضايا الجمال يعتمد على قولهن فيها ومن أقوالهن الجمالية "البياض نصف الحسن" و"برنس الجمال سواد الشعر" وهناك من وجد الجمال فى بشاشة الوجه وظرف اللسان ورشاقة القد واعتاد العرب على حسن اختيار أسماء بناتهم وأبنائهم من مبدأ " لكل امرئ من اسمه نصيب" ومن أسماء بناتهم "آنسة" وتعنى المحبوب قربها وحديثها و"بثينة" المرأة الحسناء و"زهراء" بيضاء كالدر وزينة وحسناء و"شماء" أى طويلة الأنف و"عبلة" المرأة الجميلة التامة الخلق وغادة وغيداء وتعنى الناعمة و"لمياء" ذات الشفة السمراء و"لميس" لينة الملمس و"ميسون" الحسنة القد والوجه و"نجلاء" الواسعة العينين وأهدابها طويلة وغيرها كما اختاروا أسماء بناتهم من أسماء أجمل الطيور والكواكب والنباتات والجواهر ومنها

 رشا – ريم- قمر- ثريا-هالة





الإحساس بالجمال

الإحساس بالجمال ينشأ فى النفس لوجود علاقة بين العقل والشىء المعتقد أنه جميل ويرتبط هذا بحالة الإنسان النفسية فالشىء يكون جميلًا عندما نراه بمنظار الجمال لأن الجمال موجود فى شعورنا ولاشعورنا وهى صفة ذاتية يتوقف الشعور بها على الحالة النفسية، فالجمال بمثابة نور ينعم به قلب الإنسان الذى يتذوق الجمال والجمال نسبى يتعلق بشخصية الإنسان وتكوينه الاجتماعى والثقافى وقد عبر إيليا أبو ماضى عن هذا قائلًا

والذى نفسه بغير جمال لا يرى فى الوجود شيئًا جميلا

وفى بيت آخر

أيها الشاكى وما بك داء كن جميلًا ترى الوجود جميلا

وتضمنت آيات القرآن الكريم أبدع وصف لجمال الكون والكائنات والخلق والمخلوقات وجنات النعيم والنور والحياة السعيدة والتى أسهمت فى تنمية الذوق الفنى والحس الجمالى عند العرب والمسلمين الذين أخذوا يتغنون بجمال الطبيعة وعناصرها وجواهرها واشتهرت دمشق بأزهارها وورودها أشهرها الوردة المسماة (الوردة الدمشقية) المتميزة بلونها الأحمر أو الأبيض وشذاها وعبيرها مما أسهم فى نشوء صناعة العطور بدمشق وتغنى العرب والمسلمون بجمال الحياة ووجدوا فى عذوبتها ما يحررهم من متاعبها وقد أنشد أبو تمام

بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها تنال إلّا على جسر من التعب





الجمال والفضيلة

ارتبط الجمال بالحق والخير والمثل العليا واعتبر العرب والمسلمون أن خير الشعر أصدقه وأن خير الكلام ما أيده العقل بالحقيقة وساعده اللفظ بالرقة وكانت له سهولة فى السمع وعذوبة فى القلب، والبعض يعتبر أن أجمل الشعر أكذبه والكذب هنا لا يعنى الكذب فى المشاعر ولكن الإبداع فى المحسنات والتشبيهات وبلاغة الشعر كما وصف عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) شوقه وهو ببلاد الأندلس إلى موطنه بلاد الشام

إن جسمى كما تراه بأرض وفؤادى ومالكيه بأرض

وأن البحث فى ميادين الجمال يؤدى للبحث فى آفاق الخير وأن النفوس الجميلة خيرة دائمًا وقد أنشد الشاعر العربى فى ذلك

بث الصنائع لا تحفل بموقعها من آمل شكر الإحسان أو كفرًا

فالغيث ليس يبالى أينما انسكبت منه الغمائم تربًا كان أو حجرًا

وتحدث ابن عباس عن أثر الخير والإحسان فى جمال الإنسان قائلًا : إن للحسنة نورًا فى القلب وزينة فى الوجه وقوة فى البدن وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الخلق وكان الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول : أن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى نعمته على عبده وقال الشاعر العربى

إذا كنت فى نعمة فارعها فإن المعاصى تزيل النعم

ورأى المتنبى أن الجمال فى مآثر الإنسان وإحسانه وليس فى صورة وجهه قائلًا

وما الحسن فى وجه الفتى شرفا له  إذا لم يكن فى فعله والخلائق





واعتبر المسلمون الجمال صورة من الصور الرئيسية للمثل الأعلى الإنسانى والجدير بالذكر أن المثل الأعلى للجمال ينشأ من أوضاع بيولوجية مختلفة للإنسان وأحداث وظروف تاريخية واجتماعية وينعكس هذا الجمال فى روائع الفنون والعمارة والتذوق الفنى وقد أبدع المسلمون فى فكرة اللانهائية من مبدأ هو الأول والآخر والظاهر والباطن فنشأت الوحدات الزخرفية المتكررة إلى ما لا نهاية لتثير التأمل والتفكير فى هذا الكون الشاسع الملىء بالأسرار والتساؤل عن البداية والنهاية والمصير .


google-playkhamsatmostaqltradent