رمسيس الثاني ليس فرعون نبي الله موسى (11)
كتب د. عبد الرحيم ريحان
تتعالى أصوات بين وقت إلى آخر سواءً من علماء آثار مصريين أو غير مصريين تشير إلى شخصية ملك من ملوك مصر على أنه فرعون موسى وكل عالم يعرض أدلة على ذلك وكان أكثر الملوك اتهامًا بأنه فرعون موسى هو رمسيس الثانى، ويقام حاليًا معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» بباريس والمستمر حتى 17 سبتمبر المقبل ويتضمن 181 قطعة أثرية ثمينة من كنوز الملك رمسيس الثاني من بينها التابوت الملكي.
وفي إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى نستعرضها فى 25 حلقة نستكمل الحلقة الحادية عشر بعنوان "رمسيس الثانى ليس فرعون موسى" وقد استعرضنا فى عشر حلقات سابقة دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر ومكان إقامة بنى إسرائيل في مصر ومناقشة موقع ولادة نبى الله موسى وتربيته في بلاط أحد ملوك مصر وموقع بئر موسى في مدين حيث قابل الفتاتين وتزوج وعاش لمدة عشر سنوات والتجلى الأول عند شجرة العليقة الملتهبة وجبل موسى كقيمة روحية استثنائية بالوادى المقدس طوى والشروط الواجب توافرها في فرعون موسى وحقيقة فرعون موسى وهل تصدق أن حتشبسوت فرعون الخروج؟ وإخناتون ليس هو نبي الله موسى.
ومن هذا المنطلق نؤكد أنه لا يوجد دليل أثرى واحد على أن رمسيس الثانى هو فرعون نبى الله موسى ونفند الأدلة التى ساقها بعض العلماء فى ضوء ذلك.
ذكرت الكثير من الآراء أن رمسيس الثانى فرعون نبى الله موسى، حيث ذكر شاهين مكاريوس أن الخروج ربما يكون قد حدث فى عهد الملك أحمس الأول أوالملك رمسيس الثانى وكان عن طريق البحر الأحمر حيث غرق فرعون وجنوده وذكر حسن عوض أن العديد من العلماء يرون أن الخروج والغرق كان فى طرف خليج السويس، وقد حاول بعض الباحثين تحديد تاريخ الخروج بعام 1267ق.م. وهو ما يوافق عهد رمسيس الثانى ودللوا على ذلك بوجود مدينة بررعمسو واستعباد بنى إسرائيل بها طبقًا لما ذكر فى سفر الخروج، وهو ما يتوافق مع مدرسة ألبريت التى حددت عام 1230- 1220 ق.م. كتاريخ لهجوم بنى إسرائيل على كنعان، وحيث أيدت نتائج دراسات إسرائيل فنكلشتين فى بعض المناطق الكنعانية أن يكون هذا التاريخ هو تاريخ بدء الهجوم على كنعان بواسطة بنى إسرائيل، فيكون بذلك تاريخ خروج بنى إسرائيل فى عهد رمسيس الثانى، ويرى عابد الهاشمى أن فرعون الاضطهاد والخروج واحد ويرجح أن يكون الخروج فى عهد الملك رمسيس الثانى فيما بين 1304- 1237 ق.م. أو 1300 – 1290ق.م.
وقد اعتمد هؤلاء الباحثين على أعمال الحفائر التى تدور فى فلك إثبات ما جاء فى الروايات التوراتية وهى حفائر لا تستند إلى الأدلة العلمية وقد ذكرت التوراة "فبنوا لفرعون مدينتى مخازن بيثوم ورعمسيس"، كما اعتمدوا على وقوع مدينة رمسيس وقصره قرب أرض جاسان الذى عاش بها بنو إسرائيل، كما أشاروا إلى وجود أدلة علمية على حد استنتاجهم على موت رمسيس الثانى غرقًا، وذلك لوجود آثار ملح الماغنسيوم فى مومياء رمسيس الثانى التى اكتشفت أثناء رحلة المومياء إلى فرنسا باستخدام مطياف الكتلة حيث أن المصرى القديم استخدم ملح النطرون (كربونات وبيكربونات الصوديوم) فى عمليات التحنيط، موضحين أن المصدر الوحيد لملح الماغنسيوم هو ماء البحر مما يدل على غرقه فى البحر.
ونفنّد الأدلة الذى ساقها هؤلاء الباحثين لتأكيد شخصية رمسيس الثانى فرعونًا لنبى الله موسى ومنها الدمار الشديد الذى أصاب آثار رمسيس الثانى بما فيها مقبرته بوادى الملوك ومعبده فى تانيس ومعبد الرمسيوم وكذلك معبد أبو سمبل نفسه من دمار أحد التماثيل الضخمة فى واجهة المعبد وشروخ داخل المعبد، وتحطمت تماثيله فى ممفيس ومعبد الأقصر والكرنك.
وأوضح أن دمار الآثار ليست قرينة لأن الملك رمسيس الثانى من أكثر الملوك الذى خلّف آثارًا عظيمة باقية حتى الآن، والمقصود بالدمار كما يراها فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى تدل على أن الأشياء المدمرة كانت عالية الارتفاع ثم جاءت عوامل التعرية لتغطيها، ويبقى الله شواهد منها لتعطينا نوع ما عمّروا، وكل يوم نكتشف آثارًا جديدة موجودة تحت الأرض، وأن الدمار غير مقصود به التخريب وضياع المعالم بل تغطية هذه الآثار بعوامل التعرية حتى تصبح فى وضع العدم ولا تظهر إلى الوجود إلا بمحاولة إعادة اكتشافها مرة أخرى كما أن التدمير لم يكن لآثار ذلك الملك فقط بل لآثار قومه أيضًا.
كما أن الأدلة العلمية على موته غرقًا أثيرت بعد اكتشاف مومياء رمسيس الثانى عام 1881م بالبر الغربى بالأقصر ثم نقلت إلى المتحف المصرى، وفى السبعينيات من القرن العشرين سافرت إلى فرنسا للعلاج بدعوى وجود فطريات بها، وإن كانت الحقيقة هى لمعرفة هل هو فرعون نبى الله موسى أم لا؟ وبعدها انطلقت الآراء المعتمدة على مصادر غربية تدور فى فلك تأكيد ما يهدفون إليه وكلها آراء لا تعتمد على دراسة علمية حقيقية للمومياء حيث لم تتم أى دراسات عليها منذ اكتشافها حتى الآن ولم تعلن فرنسا عن أى نتائج علمية بشكل رسمى فمن أين جاءوا بهذه النتائج؟
وأن محاولة علماء عرب تأكيد أن رمسيس الثانى هو فرعون موسى هو تأييد بشكل مقصود أو غير مقصود لآراء العلماء اللذين يدورون فى فلك تأكيد ما جاء فى الروايات التوراتية بتزوير التاريخ وعمل حفائر خصيصًا لهذا الغرض وهو هدف من أهداف الصهيونية وهو توظيف الآثار لأغراض سياسية وقد بدأ هذا منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى فلسطين ومحاولة استقطاب علماء من مصر وكافة الدول العربية لتأكيد تعذيب اليهود فى مصر وتحديد شخصية فرعون موسى والذى ذكر فى الكتب السماوية دون تحديد للعبرة والعظة، واتضح أن الهدف الرئيسى من سفر مومياء رمسيس الثانى إلى فرنسا هو اتهام رمسيس الثانى بأنه فرعون موسى للمطالبة بتعويضات على غرار ما فعلوه بألمانيا.
أكتشفت مومياء رمسيس الثانى عام 1881م بالبر الغربى بالأقصر ثم نقلت إلى المتحف المصرى، وفى السبعينيات من القرن العشرين سافرت إلى فرنسا للعلاج بدعوى وجود فطريات بها، وإن كانت الحقيقة هى للدعاية الصهيونية ولمعرفة هل هو فرعون الخروج أم لا؟ وقد أكد الدكتور زاهى حواس وقد كان مديرًا لآثار الهرم وقتذاك خطأ سفر المومياء إلى فرنسا وأن السفر لم يكن للعلاج بل للبحث عن فرعون الخروج، وأن قرار إرسال المومياء إلى فرنسا كان قرارًا خاطئًا وأن الفرنسيين لم يتتبعوا ما حدث للمومياء اطلاقًا، فقط استقبلوا المومياء استقبالًا ملكيًا، وأن العلماء المصريين سألوا الفرنسيين عما يجرى بالمومياء فأجابوا بعثورهم على حشرة غريبة وكرروا هذه الإجابة فى عدة مناسبات لدرجة أن البعض أصبح يتندر بأن الحشرة حصلت على الجنسية الفرنسية، وأشار الدكتور إبراهيم النواوى مدير عام المتحف المصرى الأسبق أن المومياء لم تتقبل أشعة جاما التى أجريت بفرنسا وأصبحت حبيسة فاترينة زجاجية لأكثر من عشر سنوات، وعندما أرسلت هيئة الآثار للجانب الفرنسى تطالبه بالالتزام بتعهده بمعاينة المومياء بواسطة لجنة من الباحثين إلا أن هذه اللحنة لم تحضر، وأكد الدكتور ممدوح يعقوب مدير الإدارة الهندسية الأسبق بوزارة الآثار وقتها على تخاذل الجانب الفرنسى ويرى أن هيئة الآثار لا تعرف خطوات علاج هذه المومياء وكان يجب على المعمل الكيميائى الذى صاحب أحد أفراده المومياء فى رحلتها إلى فرنسا أن يقدم تقريرًا مدعمًا بالصور والتحاليل إلى هيئة الآثار ويتساءل هل هناك سر فى عدم تقديم التقرير؟
ونظرًا لأهمية مومياء رمسيس الثانى فقد وجه الدكتور على رضوان أستاذ الآثار المصرية القديمة ورئيس الاتحاد العام للآثاريين العرب السابق نداءً لإنقاذ المومياء مطالبًا هيئة الآثار المصرية بأن تتوجه بنداء إلى الجهات العلمية فى فرنسا التى شاركت فى عملية المعالجة أن تتقدم بأحدث أجهزتها وأكبر فريق علمى لديها لكى تقوم بالكشف على المومياء فإذا تقاعست فعلى هيئة الآثار أن تجمع خيرة علماء مصر والمتخصصين فى المومياوات ليقدم تقريرًا عن المومياء يرفع إلى اليونسكو.
ومنذ ذلك الوقت والموضوع غامضًا ومحاولات تأكيد أن رمسيس الثانى هو فرعون موسى مستمرة ونحذر العلماء المصريين وكل العلماء العرب عامة من الوقوع فى هذا الفخ بقصد أو دون قصد فالبحث العلمى يجب أن يحتكم إلى الأدلة الأثرية الدامغة ولا يوجد دليل أثرى واحد على شخصية فرعون الخروج سواءً رمسيس الثانى أو غيره.