كعك العيد من مصر القديمة حتى الآن
كتب د. عبد الرحيم ريحان
أطلق على المخبوزات "k3k" وتعني العجين في اللغة المصرية القديمة، وعرفت في القبطية باسم "kaak"، ثم انتقلت إلى اللغة العربية "كعك" ومنها إلى اللغات الأوروبية وعلى رأسها الإنجليزية" cake"
الكعك شأنه شأن أى مفردات تراثية حديثة لها أصول مصرية قديمة حيث سجلت مناظر النساء تحمل القرابين من الكعك فى سلة فوق رأسها تشبه مناظر النساء فى المناطق الشعبية والريفية الآن وهى تحمل الكعك فى ألواح معدنية "صاج" إلى الأفران لتسويته وهو ما تجسّد فى مقبرة تي أحد موظفي الأسرة المصرية الخامسة، في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد. التى تقع في الجزء الشمالي من منطقة سقارة الوسطى شمال غرب هرم زوسر والمكتشفة عام 1865بواسطة "أوجست ماريت" وتصورنقوشها المتبقية في الفناء صاحب المقبرة في مناظر زراعة ومناظر من الحياة اليومية.
تزينت جدران المعابد والمقابر منذ عصر الدولة القديمة بمناظر النساء يقمن بعجن العجين وصبه على هيئة قرص الشمس المستدير المزين بخطوط مستقيمة مثل أشعة الشمس وكانوا يصنعون عدة أشكال اللولبي والمخروطى والمستطيل والمستدير ويستخدمون العسل الأبيض في صنعه لإهدائه إلى المعابد كقرابين في الأعياد.
استمرت صناعة الكعك فى مصر القديمة فى الدولة الحديثة "1570-1077ق.م" وقد تجسّد فى مقبرة الوزير "رخمى- رع" بالأقصر الأسرة الـ18 طريقة صناعة الكعك حيث كان يتم وضع العسل على النار لإذابته من صورته السميكة ويتم التقليب باستمرار بخشبة ويضاف السمن عليه ويرفع من على النار بعد التقليب للخلط معًا ويضاف وهو ساخن على الدقيق ويقلب معًا وبعد أن تبرد العجينة تُشكل فى أشكال مختلفة منها الدائرى مثل قرص الشمس أو على هيئات حيوانية ثم يرص الكعك على ألواح من الإردواز ثم يوضع فى الفرن.
ويذكر الآثارى إسلام زغلول عضو اتحاد الآثاريين المصريين أن صناعة الكعك عرفت منذ عصر الدولة القديمة ولكنها ازدهرت فى الأسره 18 وأخذ الشكل الدائرى شكل قرص الشمس وبه خطوط مستقيمة منقوشة تأحذ شكل أشعة الشمس على حد اعتقاد المصرى القديم كما صوّر المصرى القديم القمح والذرة كحبوب تدخل فى صناعة الكعك.
كما حشى المصرى القديم الكعك بالتمر المجفف "العجوة" أو التين ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب أو الفطير الذى يصنعونه خصيصًا عند زيارة المدافن فى الأعياد والذى يطلق عليه العامة حاليًا الشريك وكانوا يشكلونه على هيئة تميمة ست "عقدة إيزيس" وهى من التمائم السحرية التى تفتح للميت أبواب الجنة فى المعتقد المصرى القديم وذلك طبقًا لما ذكر فى كتاب الدكتور سيد كريم
" لغز الحضارة المصرية "
وقد اعتدن زوجات الملوك على إعداد الكحك وتقديمه للكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو يوم تعامد الشمس على حجرة خوفو، وكان الخبازون يتقنون إعداده بأشكال مختلفة وصل عددها إلى 100 شكل وكان يرسمونه على صورة شمس وهو الإله رع وهو الشكل البارز حتى الآن، وقد ظهرت صور لصناعة كحك العيد فى مقابر طيبة ومنف.
واستمر الكعك فى تاريخ الحضارة الإسلامية منذ عهد الدولة الطولونية الذى أسسها أحمد بن طولون 254هـ/ 868م وكان يصنع فى قوالب خاصة مكتوب عليها كل وأشكر ثم تطور فى عهد الدولة الإخشيدية الذى أسسها محمد بن طغج الإخشيدى 323هـ/ 934م وأصبح من مظاهر الاحتفال بالعيد.
ويحتفظ متحف الفن الإسلامى بالقاهرة بالعديد من هذه القوالب التى كتب عليها كل هنيئًا وأشكر وكذلك كل وأشكر مولاك وفى العصر الفاطمى كانت تخصص مبالغ كبيرة لصناعة الكعك وكانت المصانع تبدأ فى صناعته منذ منتصف شهر رجب وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه كما أنشئت فى عهده أول دار لصناعة الكعك " دار الفطرة " وذلك طبقًا للدراسة الأثرية للدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.
شهد العصر الأيوبى شهرة أمهر صناع الكعك من العصر الفاطمى ومن أشهرهن حافظة والذى عرف كعكها باسم كعك حافظة واهتم المماليك بالكعك وتوزيعه على الفقراء وكانت هناك سوقًا للحلاويين بالقاهرة ذكرت فى الوقفيات ومنها وقفية الأميرة تتر الحجازية توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفى مدرستها التى أنشأتها عام 748هـ 1348م
وفي العصر الحديث، ساهم أهل الشام الذين هاجروا إلى مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في تطوير صناعة الحلوى بمصر ومنها كعك العيد والبسكويت وظهرت تقنيات جديدة أضافت إليه شكلًا جديدًا، لاسيما مع استخدام الماكينات الحديثة لتحل محل المنقاش الشعبي الذي كانت النسوة تنقشن به الكعك في بيوتهن قبل الذهاب لتسويته في الأفران .