اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

"كسر أنوف تماثيل مصر القديمة" تعرف على الأسباب

 "كسر أنوف تماثيل مصر القديمة" تعرف على الأسباب





كتب د. عبد الرحيم ريحان


هناك تماثيل بالمتاحف المصرية والمتاحف العالمية مكسورة الأنوف وقد عرض متحف بروكلين بالتعاون مع مؤسسة «بوليتزر» للفنون ذات مرة  فى أحد معارضه أكثر من ١٢٠٠ قطعة أثرية تخص مصر القديمة تحت عنوان «القوة الضاربة: أيقونات فى مصر القديمة»، وكانت السمة الغالبة على القطع المصرية الأنوف المكسورة.



وهناك آراء كثيرة عن أسباب ذلك، معظمها تركزت فى الأسباب الدينية والسياسية والشخصية حيث ذكر آدم ليفين، مدير متحف كومر بفلوريدا، أن هناك ملوكًا مصريين قدماء كانوا يفضلون محو آثار من سبقهم من ملوك، وقد يكون ذلك سعيًا لتدمير شخصيات غير محبوبة.



ومثال ذلك حتشبسوت، التى حكمت من ١٤٧٨ إلى ١٤٥٨ قبل الميلاد، وإخناتون، الذى حكم من ١٣٥٣ إلى ١٣٣٦ قبل الميلاد، وبخصوص حتشبسوت فقد صعدت إلى العرش عند وفاة تحتمس الثانى وحكمت بالاشتراك مع تحتمس الثالث، ابن تحتمس الثانى من امرأة مختلفة وبعد وفاة الملكة بذل تحتمس الثالث وابنه أمنحتب الثانى جهودًا كبيرة لإزالة اسم حتشبسوت من السجلات الرسمية وهدم تماثيلها والدليل أن أغلبها محطم أو مشوّه.



وبخصوص الأسباب الدينية فقد اتضحت فى تماثيل إخناتون "أمنحتب الرابع" حتى السنة الخامسة من حكمه، قبل أن يقرر التخلى عن آلهة أجداده والإيمان بإله واحد، وكان ذلك صعبًا على أتباع الإله آمون، إذ دمر إخناتون معابد آمون وقطع الموارد عن الكهنة ولم تكن الجهود التى بذلها لتعزيز التوحيد مقبولة على نطاق واسع، ولذلك بعد وفاته تم تدمير تماثيله واستُبعد اسمه من قوائم الملوك.



الأسباب الشخصية تجسّدت فى كره صاحب التمثال أو المنحوتة، فكان قدماء المصريين يؤمنون بمعتقدات كثيرة، فربما تعرضت تلك القطع للتدمير حتى لا يستطيع صاحب التمثال أن يرتقى إلى العالم الآخر الذى آمنوا به ووفقًا للمعتقد المصرى القديم فلن يستطيع الجزء التالف من التمثال القيام بعمله، وهذا ينعكس على الشخص، ولذلك يقوم المخرّب بكسر الأنف، حيث تتوقف روح التمثال عن التنفس، إمعانًا فى الانتقام وأن كسر الأنف يمنع صاحب التمثال من العوده إلى الحياة مره أخرى لأنه بكسر الأنف يصعب عليه التنفس ثانيًا.



وأن تدمير الأنف أسهم فى إعادة كتابة الملوك للتاريخ لصالحهم، فعلى مر القرون، غالبًا ما حدث هذا المحو وفقًا لنوع الجنس مثلًا، فقد تم محو إرث اثنتين من الملكات المصريات القويات، وهما حتشبسوت، ونفرتيتى التى ساعدت زوجها إخناتون فى ثورته الدينية.



وذكر "إدوارد بليبيرج" أمين متحف بروكلين إن هذا الشكل من التشويه قد يكون من أعمال اللصوص الخطرين الذين يحاولون منع الأرواح الشريرة "لعنة الفراعنة" من السعي وراءهم للانتقام.



وننفى بالطبع ما قيل بأن نابليون بونابرت كسر أنف أبو الهول  أثناء الحملة الفرنسية عام 1789، حيث أن الرسومات التي صنعها المستكشف الدنماركي فريدريك لويس نوردين لأبي الهول في عام 1737 ونشرت في عام 1755 في كتابه "الرحلة إلى مصر والنوبة" تبين التمثال بلا أنف أى قبل الحملة الفرنسية، وهو التمثال الذى شيده الملك خفرع، رابع ملوك الأسرة الرابعة من الحجر الكلسي، ومن المرجح أنه كان في الأصل مغطى بطبقة من الجص وملونًا ويبلغ طوله نحو 73،5 م، من ضمنها 15 م طول رجليه الأماميتين، وعرضه 19.3 م، وأعلى ارتفاع له عن سطح الأرض حوالي 20 م حتى قمة الرأس، فيما يعتقد ان أنفه المكسور كان طويلًا حيث يبلغ عرضه مترًا واحدًا.



كما أن هناك علاقة للصوص المقابر قديمًا بكسر الأنوف حيث حرص قدماء المصريين من منطلق معتقد البعث والخلود على دفن موتاهم فى بيئة صحراوية بعيدة عن الرطوبة ووضع كل ما يلزم الميت معه فى المقبرة ليجده حين تعود إليه الحياة وكان سارقى المقابر يعلمون ذلك وكان صعب عليهم الوصول إلى المومياوات الموجودة داخل توابيت بالطبع لذلك كانوا يقومون بكسر أنف التمثال باعتباره رمزًا للشخص صاحب المقبرة اعتقادًا أن الأنف هى سبيل التنفس ومن ثم فهى سبيل الحياة وعند كسر الأنف فالميت لا يستطيع العودة إلى الحياة مرة أخرى وبالتالى فهم آمنون من انتقامه.



وذكرت آراء بأن كسر الأنف كان يتم من أعداء الملك ولكن هناك تماثيل لكهنة ووزراء وأشخاص عاديين مكسورى الأنف وآراء ذكرت أن أُمراء الدولة الحديثة كانوا ينطمون مسابقات رمي السهام  وكانت أنف أبو الهول هي الهدف.



كلمة الأنف فى اللغة من الإنفة والشموخ والعظمة وأقرب شىء لإذلال شخص ما كان ملكًا أو أميرًا أو فردًا عاديًا هو أنفه زى ما بنقول فى المثل الشعبى " هجيب مناخيره الأرض" وبالتالى فالقصد من كسر الأنف هو كسر إنفة وشموخ هذا الشخص وإذلاله ربما تكون من المصرييين القدماء أنفسهم نتيجة موقف شخصى أو دينى أو سياسى، ربما تكون من أشخاص قليلى الفهم حكام أو من عامة الشعب من حضارات تالية رأت فى هذه التماثيل نوع من الوثنية ولا بد من تحطيمها ولعدم قدرته على ذلك لضخامة وكثرة هذه التماثيل فاكتفى بإذلالها بكسر الأنف كنوع من التعبير عن مكنونات فكر مغلوط.




ونرى أن الأفكار المشوشة والمغلوطة قديمًا وحديثًا ساهمت فى تحطيم رموز حضارية ومعمارية وفنية خالدة وهذا ما عانت وتعانى منه كثير من البلدان حاليًا من فكر جماعات معينة تنعكس أولى تأثيراته المدمرة على الحضارة الإنسانية .

google-playkhamsatmostaqltradent