الأنبا ياكوبوس والآثار القبطية بسيناء والأردن والقدس
كتب د. عبد الرحيم ريحان
عرض الراهب القمص يسطس الأورشليمى بحثًا بعنوان الأنبا ياكوبوس مطران الكرسي الأورشليمى للأقباط الأرثوزكس (1946 – 1956م) ضمن فعاليات المؤتمر السنوى الثانى عشر (تراث محافظة أسيوط) الذى نظمته جمعية المحافظة على التراث المصرى برئاسة المهندس ماجد الراهب بمقر الجمعية 24 ش مدرسة التوفيقية مساء السبت 6 مايو الجارى
وأشار إلى ميلاد الأنبا ياكوبوس مطران الكرسي الأورشليمى للأقباط الأرثوزكس ببلدة المطيعة بأسيوط سنة 1908م، وتلقى علومه الإبتدائية والثانوية بكلية الأمريكان بأسيوط، ومنذ شبابه أحب العلوم الدينية والحياة الرهبانية، فالتحق بالكلية الإكليركية بالقاهرة في 1939م ، وتخرج فيها سنة 1942م، ثم ترهب بدير القديس الأنبا أنطونيوس سنة 1942م ، وفى 13 /8 /1944م سيم قسًا ، ورقى إلى درجة إيغومانوس فى نوفمبر سنة 1945م ، وفي أول مارس سنة 1946م عين وكيلًا لمطرانية البلينا، وظل في منصبه هذا حتى رسم مطرانا لأبرشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى في يوم الأحد أول سبتمبر سنة 1946م في عهد البابا يوساب الثاني
أبرشية الكرسي الأورشليمي
قسّمت أبرشية الكرسي الأورشليمي ثانية بعد نياحة الأنبا ثاؤفيلس الأول إلى أبرشيتين: الأولى، أبرشية الكرسي الأورشليمي وتشمل القدس وبقية بلاد فلسطين وسيناء وأقطار الشرق الداني، أما الثانية باسم أبارشية الشرقية ومحافظات القنال، وقد رسم صاحب الترجمة على أبرشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى، مطرانًا ودعي ياكوبوس.
أعمال الأنبا ياكوبوس
قام نيافته في مدة حبريتة بالعديد من الأعمال الجليلة التي تذكر له بالثناء والتقدير ففي سنة 1946 قام ببناء درج على نهر الأردن كما شيد دير وغرف للحجاج الأقباط على مساحة أرض واسعة على نهر الشريعة وأنشأ مزرعة على حافة نهر الأردن تقرب مساحتها إلى 30 فدان وفي سنة 1947م أفتتح كنيسة قبطية في رفح باسم الشهيد العظيم مار جرجس
ومن المعروف أن للأقباط شهرة تاريخية فى إنشاء المعاهد التعليمية أينما تمكنوا من ذلك، وهذا ما سطره التاريخ للأقباط فى مصر، ولذلك لم تتوانى الكنيسة القبطية عن انشاء مدارس تعليمية بالقدس، نظرًا لاحتياج أبناء الطائفة وأبناء الشعب الفلسطينى لمثل هذه المدارس التى فتحت أبوابها لهم منذ عام 1947م فى عهد مثلث الرحمات الأنبا ياكوبوس (1946- 1956) مطران الكرسى الأورشليمي والشرق الأدنى والتى عمل بها خير الأساتذة المصريين إلى الآن .
وفي سنة 1949 وضع حجر الأساس لكنيسة البشارة القبطية بالناصرة وتم تدشينها فى 9 سبتمر سنة 1951 وقد اشترك معه فى تدشنها نيافة الأنبا توماس مطران الغربية وسكرتير المجمع المقدس، واشترى أيضًا أرضًا قرب الناصرة مساحتها تزيد عن 6 دونمات لاستعمالها كمقبرة للأقباط وبستان، لكن السلطات الإسرائيلية قد صادرت هذه الأرض عندما قامت ببناء مدينة الناصرة العليا ، ورفضت أن تعطى للأقباط أرضًا بديلة ولم تدفع عنها أى تعويض
وفى سنة 1950 بنى دار فى أريحا من طابقين وضمهما للوقف القبطى هناك، واشترى قطعة أرض سنة 1951 بالناصرة أيضا لعمل بعض المشروعات والأنشطة الروحية، وفي بداية عام 1952م بدأت البطريركية بالقدس بإصدار مجلة خاصة روحية سميت "النهضة المرقسية" وفي نفس العام أشترى بعض المنازل ببيت لحم لتكون نواة لبناء كنيسة قبطية وديرًا بجوار كنيسة المهد
وفي سنة 1953 قام بافتتاح كلية الشهيدة دميانة القبطية للبنات بجوار دير مارجرجس للراهبات وفى نفس العام بدأ ببناء كاتدرائية للأقباط الأرثوذكس بالقنطرة شرق، وكنيسة للأقباط الارثودكس بالقنطرة غرب، وفى 1952 إشترى بعض البيوت بحارة العناترة ببت لحم لتكون نواه لبناء كنيسة قبطية بجوار مهد السيد المسيح
القنطرة شرق
يوجد كاتدرائية كبيرة للأقباط على اسم الشهيد العظيم مارجرجس تأسست عام 1950 فى عهد نيافة الأنبا ياكوبس الأسبق وتم ترمميمها بعد عودة سيناء للسيادة المصرية، أمّا الأرض التى عليها بُنى عليها كنيسة ونادى وإستراحة للكاهن وإستراحة للمطران ومدرسة وبيت للقربان وحدائق وساحات محيطة بالكنيسة قد اشتراها الأنبا ياكوبس
كنيسة القيامة والأنبا ياكوبوس
عندما استدعت حكومة الإنتداب المستر وولى المهندس البريطانى وكتب تقريرًا عن ترميم دائرة القبر المقدس أرسل إلى مطران الأقباط مع كتابها بتاريخ 17 فبراير سنة 1947 وطلبت ملاحظاته وموافقتة عليه وذكرت أيضًا أن دائرة الأشغال العمومية بالقدس تكفلت بالقيام بهذا العمل ودفع تكاليفه، ولما تجدد التفكير فى ترميم كنيسة القيامة فيما بعد، أرسل مطران الأقباط إلى متصرف لواء القدس فى مارس سنة 1953 كتابًا يقول فيه أنه نما إلى علمه بأن الطوائف الثلاث – الروم اللاتين والأرمن- قدمت طلبًا للكشف على كنيسة القيامة من أجل ترميمها، وأنه كان يتوقع أن تخطر طائفه الأقباط بذلك بوضعها ممثلة فى القيامة، وذلك أسوة بما اتبع معها فى سنة 1939 عندما طلبت حكومة الإنتداب إلى المطران في كتابها المؤرخ فى 2 مايو سنة 1936 التعاون مع الطوائف الثلاث المذكورة فى تدبير المال اللازم للترميم، قال أن للأقباط كنيسة ومساكن داخل القيامة وقناديل داخل القبر وخارجه وفوق حجر المغتسل وحقوقًا فى بخور يومى ليلًا ونهاررًا وصلوات وعوائد داخل القبر المقدس ودخلات رسمية فى الأعياد ودروة جنائزية بصلوات رسمية فى كل موضع من مراحل الآلام داخل القيامة وما إلى ذلك من ممتلكات وحقوق لا تقل فى أهميتها عما فى حوزة الروم واللاتين والأرمن وانتهى من هذه كله إلى إبداء استعداده للإشتراك فى نفقات ترميم القيامة واستدعاء مهندس من طرفه للكشف على المبانى أسوة بما فعلته الطوائف الثلاث المذكورة
كما أرسل المطران القبطي فى 24 يونيو سنة 1954 إلى متصرف القدس كتابًا مشفوعًا بمذكرة أشار فيها إلى الخطابات الواردة من السكرتير العام لحكومة الإنتداب نيابة عن المندوب السامى والتى أقر فيها بحق الأقباط فى الإشتراك فى ترميم القيامة
وبالرغم من ذلك رفض متصرف لواء القدس فى كتابة المؤرخ 8 تموز (يوليو) سنة 1954 طلب إشتراك الأقباط فى الترميم، فأعاد المطران الكتابة إليه بتاريخ 14 يوليو سنة 1954 مؤكدًا أن حق الأقباط المعترف لهم به صراحة من حكومة فلسطين فى مكاتبات السكرتير العام وحاكم لواء القدس التى سبق الإشارة إليها . وفى كتاب مؤرخ 5 أغسطس سنة 1954 يقول متصرف لواء القدس إلى مطران الأقباط: (إن الحق فى ترميم كنيسة القيامة تنحصر فقط فى الطوائف الرئيسية (الروم واللاتين والأرمن) وأنه فى إمكانكم إذا رغبتم فى ذلك الإتصال بإحدى هذه الطوائف والطلب إليها أن تسمح لكم بالمساهمة فى نفقات الترميم عن طريقها) .
وكانت دهشة المطران بالغة عندما تلقى هذا الاقتراح الغريب من رجل مسئول يعلم أن الأقباط يستهدفون من طلب إشتراكهم فى الترميم تأكيد صفتهم المعترف بها رسميًا منذ القدم كطائفة مستقلة ممثلة فى القيامة، وأن مساهمتهم فى الترميم عن طريق طائفة أخرى لا يحقق الغاية التى ينشدونها بل على العكس يعتبر بمثابة شهادة من الأقباط على أنفسهم بأنهم يدورون فى فلك تلك الطائفة الأخرى، لهذا أعتبر المطران هذا الإقتراح امتهانًا للعقول لهذا بادر بالرد على المتصرف بخطاب مؤرخ 12/8/1954 قال فيه أنه لا يوافق على الإقتراح ولا يقبله لأنه يضع الأقباط فى موضع الطائفة التابعة لغيرها وهذا يخالف الحالة الراهنة ومن ثم لا سند له من القانون ولا توجد وثيقه أو فرمان يؤكد أن ترميم القيامة محصور فى طوائف الروم واللاتين والأرمن
وأنه إذا صح أن تركيا ساهمت فى الماضى فى نفقات الترميم فإنها قامت به نيابة عن رعاياها الأرمن فحسب الذين لم يشتركوا فى أى ترميم عام بالقيامة وأيضا نيابة عن رعاياها الأقباط ولذا يجب أن يعامل الأقباط كمعاملة الأرمن تمامًا، وإذا كان هؤلاء يزعمون أنهم طائفه رئيسية وهو أمر لم يقم عليه دليل رسمى فمن باب أولى اعتبار الأقباط كذلك استنادًا إلى إقرار رسمى من جواد بك متصرف القدس فى كتابه إلى نظارة العدلية فى سنة 1317هـ الذى يقول فيه "أن الأقباط طائفه كبرى تعتبر من أول درجة" .
وفي 22 مارس سنة 1956 انتقل إلى الأمجاد السماوية في حادث القطار، وكان معه المتنيح الأنبا توماس مطران الغريبة، وقد دفن جثمان الأنبا ياكوبوس الثاني في عزبة دير القديس الأنبا أنطونيوس ببوش، وقد شغر الكرسي الأورشليمي بعد نياحته لأكثر من ثلاثة أعوام، نتيجة لشغور الكرسي البابوي أيضًا