اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

فتاة كوم الشقافة ضحية من؟

الصفحة الرئيسية

 فتاة كوم الشقافة ضحية من؟





كتب د. عبد الرحيم ريحان


قامت فتاة بالدخول إلى مقبرة كوم الشقافة بالإسكندرية فى غياب الأمن والمسئولين عن الموقع وقامت بتصوير نفسها وهى تلعب اليوجا وتضع قدميها على النقوش والرسومات الأثرية بشكل مهين للحضارة المصرية ورغم اعتذارها عن ذلك بأنها لا تدرك ما فعلت، وقد فعلته دون قصد، فهذا يكشف عن كارثة كبرى وهى عدم الوعى الأثرى والسياحى وعدم إدراك وفهم الهوية المصرية وقيمتها وقيمتهم كمصريين.



وعلينا أن نصارح أنفسنا بدلًا من دفن رؤسنا فى الرمال والإسراع فى جلد المسئولين عن هذا وجلد الفتاة نفسها ونسأل أنفسنا لماذا وصل شبابنا إلى هذه الحالة من عدم إدراك قيمة أغلى ما تملك مصر، وهى حضارتها أعظم حضارات العالم.



1- السبب الأول النشأة فى المنزل حيث انشغل الأبوين فى أمور الحياة فانصرفوا عن أبنائهم الذين ارتموا فى أحضان وسائل التواصل الاجتماعى لتشكّل فكرهم طبقًا لما خططه لنا الغرب لنزع الهوية لنتحول إلى بلهاء يحركنا المستعمرون الجدد كرقع الشطرنج، فهم ينتجون ويعملون ونحن سوقًا لتصريف منتجاتهم، وعندما يزيد عددنا عن المسموح به حسب ما تقتضى مصالحهم فهناك الفيروسات المخلّقة محفوظة بين جدران المعامل لإخراجها فى الوقت المناسب من مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة.



2- نتج عن انعزالية الأطفال شخصيات انفصالية تعمل وفق هواها بعيدًا عن نصائح ومشورة الآباء والتى امتدت إلى كل ما يمثل الأب فى صورة المدرس والأستاذ فى الجامعة والرئيس فى العمل والعمدة فى القرية وشيخ القبيلة فى البادية، فضاعت سلطة الكبير وانتهى المثل القديم "اللى ملوش كبير يشتريلوه كبير" الآن أصبح الكبير بمثابة عدة حلقات رمضانية فقط لبث روح المرح والبهجة، واتسعت الهوة بين الأجيال لدرجة لو فقدنا السيطرة عليها لانهارت الأسرة بالكامل وهذا ضمن المخطط الغربي. 



3- ننتقل إلى المدرسة حيث تكبر هذه السلبيات لنجد أسلوب تعليم يعتمد على التلقين إعتاد عليه المدرسون والتلاميذ وأولياء الأمور ومن يتدخل للإصلاح يكونوا ضده حائط سد من مبدأ ليس فى الإمكان أبدع مما كان، فتحولت المدرسة إلى مكان للتوقيع على الحضور والانصراف للمدرسين والانصراف فقط للطلبة، حتى يتفرغ المدرسون  لعملهم الأصلى فى السناتر المنتشرة "على عينك يا تاجر" لدرجة أن عمارات بالكامل يتم تأجيرها سنتر وانتقلت المدارس إلى العمارات ليتم تلخيص المنهج فى مذكرات حيث أصبح الكتاب المدرسى مجرد كتاب للبيع فى سوق الأزبيكية حتى قبل الامتحان وأثقلت هموم الدروس الخصوصية أولياء الأمور ولكن ما باليد حيلة.



وانتهى دور التعليم الإلزامى التربوى حيث كانت المدرسة تلميذ وأستاذ وحصص موسيقى وتربية فنية وزراعة ومكتبات وفناء مزود بكل أدوات الألعاب الرياضية وهى الموجودة حاليًا على الورق فقط، إلّا فى المدارس الخاصة والدولية التى تصل مصروفاتها إلى أرقام فلكية.



4- يدخل الطالب إلى الجامعة مثقلّا بكل هذه المشاكل ليجد نفسه فى ترمين بمجرد دخوله بشهر تبدأ الاستعدادات للتيرم الثانى، فمن أين له الوقت لممارسة أنشطة رياضية وفنية وثقافية حيث كانت الجامعة هى مصدر لأكبر رياضيين فى الألعاب المختلفة خاصة ألعاب القوى وكان مسرح الجامعة منارة فكرية تخرّج منها كل رواد السينما والمسرح حاليًا حيث كانت الجامعة مصدر الإبداع لكل شيء أمّا التوعية الأثرية والسياحية داخل الجامعات فقد طالبنا مرارًا بتدريس مادة للحضارة المصرية تتضمن كل مفردات الحضارة المصرية ويكون له شق نظرى وشق عملى من خلال الزيارات للمواقع الأثرية والتراثية والسياحية يتعلم من خلالها الطالب السلوك الحضارى لكيفية التعامل مع الآثار ويحتك بها بشكل مباشر ويكتب عنها ليستشعر قيمتها وجمالها وعناصر الإبداع بها حسب تخصصه، حيث أن الآثار أرقى العلوم الإنسانية تحتضن كل التخصصات ففيها الطب والهندسة والعمارة والفنون والأدب والموسيقى والرياضة هى العدالة والحق وفجر الضمير، وإذا أدرك الطالب قيمة كل هذا كان أول المحافظين على آثار بلده، كان أول المبلغين عن سارقيها ومن يقومون بالحفر خلسة ليل نهار، سيكون سفيرًا للحضارة ويحول ساحة وسائل التواصل الاجتماعى إلى نادى للتعريف بالحضارة المصرية بالمعلومة والصورة الثابتة والمتحركة والرسومات، والذى يجب أن نزرعه فى أطفالنا منذ نعومة الأظافر بتدريس الحضارة منذ مرحلة التعليم الإلزامى

5- الإعلام والفضائيات وهى من أكبر الوسائل فى التوعية بقيمة مصر وحضارتها العظيمة، ومن مبدأ الصراحة والمكاشفة هيا بنا نرى ماذا تقدم لنا كبرى الفضائيات، برامج حوارية كلها أسماء محتلفة ومذيعين مختلفين وفلسفة واحدة تعتمد على محاروة نجمة أو نجم سينمائى أو تيلفزيونى أو نجم كرة قدم  للتعرف على نوعية أكله ولبسه وغرامياته ونشأته الفنية أو الرياضية ومغامارته لساعات طويلة يصفق له الحاضرون، وقد تعلمنا من أساتذتنا العظام ما الفرق بين الطالب الجاهل والمثقف، فعرفنا أن الطالب الجاهل هو من تسأله عن اسم بطلة أو بطل أحد الأفلام فيجيبك بسرعة البرق، مما يعنى خواء فكره، ما الثقافة فى هذا وماذا أضاف للعلوم والمعارف الإنسانية، بعد أن أصبح تشكيل فكر الشباب وثقافته وتعزيز هويته رهن المعلنين والإعلانات؟



وتحولت قدوة الشباب وواحة أحلامهم بأن يكون نجمًا سينمائيًا أو لاعب كرة بعد أن كانوا يسألونا فى الطفولة ماذا تحلم أن تكون وكانت الإجابة دكتور أو مهندس أو ظابط، أسألوا الآن أطفالكم عن واحة أحلامهم.



6- النقطة السادسة وهى انزواء العلماء ككل القيم المهددة بالاندثار لأنهم قيمة الوطن وأمله فى النهوض واللحاق بسباق العصر الجنونى، وانزوائهم ليس اختيارى بل هو إجبارى لأنهم ليسوا مادة خصبة للإعلانات فماذا تفعل بهم الفضائيات، انزواء الخبرات خاصة بالحكومة، الموجودة حاليًا والتى تعانى من حقد رؤسائهم من نجاحهم وبالتالى حرمانهم من المناصب القيادة وكما يقولون ركنهم لتموت خبراتهم وذلك لأن اختيار القيادات لا يعتمد على إخلاصهم فى العمل وسيرتهم الذاتية وإنتاجهم العلمى بمشاركتهم فى المؤتمرات والندوات ونشر الوعى فى تخصصاتهم أثرى ، سياحى، بيئى، صحى، قانونى، اجتماعى وغيره كل فى تخصصه، ومدى كفاءتهم فى الإدارة من خلال الدورات التدريبية الذى حصلوا عليها وتحسب عن هذا نقاط معينة يؤخذ بها فى حالة الترقى للمناصب الأعلى والقيادية ولا يؤخذ بمدى قربه أو بعده أو كلامه المعسول لمرؤسيه، وإهمال الخبرات بعد إحالتهم للتقاعد وهم ثروة قومية وخبرات نادرة يجب الاستعانة بهم كمستشارين ليستمر عطاؤهم كما تساعدهم ماديًا فى ظل المعاشات ذات الأرقام المخجلة.



وكذلك يطبق فى جامعاتنا التقييم الحقيقى والفعلى للترقى لأستاذ مساعد وأستاذ بنقاط تكون مقياس لترقية عضو هيئة التدريس توضع على أساس المشاركة فى المؤتمرات والنشر فى الدوريات العلمية والمشاركة فى أنشطة ميدانية فى التخصص وأنشطة مجتمعية خاصة فى المجتمع المحيط بجامعته والأنشطة الطلابية والعلاقات الدولية والبروتوكولات وتحسب عن كل هذا نقاط على أن يتم إلغاء لجان الترقى لكثير من السلبيات المتكررة من تقييم بحث حاصل على درجة معينة تم تحكيمه ونشره بدرجة أقل وأحيانًا رفضه وتكون الأسباب فى الغالب ليس البحث نفسه ولكن الباحث فهو ليس من تلاميذه أو عكّر صفوه ذات مرة

 أو رفض التعاون معه وهذه مأساة للأسف تكن بأيدى علماء كبار ولكن لا خير فى علم دون خلق كريم ولا خير فى عالم تضيع بين يديه العدالة فى بلد أرست قواعد العدل منذ فجر التاريخ، فى بلد وضعت مبادىء القيم والأخلاق.



وأخيرًا لا تبرر جرمًا ارتكبته هذه الفتاة وإهمال من المسئولين عن الموقع ولكن عندما نحاسبهم فيجب أن يعقبه جلدًا لأنفسنا فهم ضحايا ولكن ضحايا من؟


7- النقطة الأخيرة لو سألت أى شاب فى الجامعة من أنت وما هويتك؟ سيظل يفكّر فى السؤال إلى ما بعد تخرّجه بسنوات، وبالطبع فهو غير مسئول عن عدم الإجابة.



ومن منطلق هذا طالبت فى إحدى الندوات بالمجلس الأعلى للثقافة بوضع إطار للهوية المصرية يعتمد على تسلسل تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ إلى عصر مصر القديمة واليونانية والرومانية والمسيحية والإسلامية والعصر الحديث والمعاصر، ويعتمد على التنوع الثقافى فى البيئة المصرية ما بين النوبة وسيناء ومدن القناة ومطروح والصعيد والدلتا والتميز الخاص فى المأكل والملبس والمسكن والموسيقى والغناء وثقافة البداوة وكل المفردات التى طالبت بتسجيلها مفردات شعبية مصرية لها حقوق ملكية فكرية لتيسير إعداد ملفات لها لتسجيلها تراث مادى أو لامادى باليونسكو على أن يتم ذلك بحوار ثقافى مجتمعى تشارك فيه كل منظمات المجتمع المدنى لوضع أسس ومعايير للهوية ينطلق منها المشروع الثقافى المصرى لتعزيز الإنتماء بمشاركة المجتمعات المحلية باعتبار البشر هم الجمعية العمومية للهوية، ونجاح أى مجتمع يعتمد على ما حقققه لتنمية البشر، فإذا وجهنا اهتمامنا لبناء الإنسان أصلحنا حال كل شىء، وكلنا نتذكر قصة تعلمناها فى طفولتنا أن أحد الرجال مزّق خارطة العالم وفشل فى تجميعها وقام الإبن بتجميعها فى دقائق فكان السؤال الطبيعى كيف فعلت هذا؟ قال وجدت خلف الخارطة صورة إنسان فأصلحت الإنسان فانصلحت خارطة العالم.



وقد أشار فخامة الرئيس السيسى فى 2 يونيو 2018 في خطاب الرئاسة الثانية إلى الاهتمام بالثقافة والهوية، فهل نعمل جميعًا حكام ومحكومين فى إطار هذا؟

google-playkhamsatmostaqltradent