الزجاج المكسور
قصة قصيرة
بقلم الكاتب : محمد الدولتلي
استلقى على سريره باحثا عن بعض السويعات التي يحتاجها جسده المنهك ليستعيد طاقته النافذة من أحداث اليوم حتى يواصل دوره في الحياة التي قدر له أن يكون من مكوناتها.
أسبل جفونه المتورمة في محاولة خادعة لإصطياد النوم الذي يسبح في عتمة الليل بين الناس ويبخل عليه بنصيب منه كمثلهم عدا المظهر الخارجي، فمن تحت تلك الجفون حل ما يعترك في نفسه ضيفا ثقيلا متحركا بقسوة داخل وعيه الذي يتذلل في طلب لحظات يغيب فيها دون جدوى.
الخيالات القديمة تندفع بقوة كثيفة دون شريط زمني يمسكها فيعطيه فرصة لإلتقاط أنفاسه المتلاحقة داخل صدره الذي يزداد ضيقا معتصرا رئتيه.
خيالات الضحكات المنطقة من أعماق القلب، و الأنامل التي تتملك كل شئ عندما تتلامس، تلك الأحاديث الحميمة التي تخرج من حسابات الزمن منكرة إياه.
الدمعات، الأنين بين الأحضان التي كانت هي الملاذ.
كم كانت حسابات المنطق تغيب عن عمد عندما كان يفعل كل شئ تدفعه عواطفه إليه فيركض ركض الأطفال لأحضان أمهاتهم ليقدمه وقد رسم الشوق له ضوء البسمة التي تحلق به فوق السحاب ولمعة العين الجاعلة الدنيا تنحصر في وجهه فيتوج ملكا لا حدود لملكه، وكم من شرخ عميق دفنه في أعماق نفسه عندما يعود إليه الشوق جارا أذيال الخيبة.
لم يعد يستطيع إعطاء لمساته القديمة لذلك الجسد الحبيب الذي نبت فيه الشوك، قصرت النظرات لذلك الوجه الذي زادت حدة ملامحه مؤذية عينه، فما كان ليسمح لذلك الواقع أن يكسر القوقعة الموضوع بداخلها ذكريات محببة والمدفونة في عمق قلبه ليظل رطبا فلا يتحجر ويتوقف نبضه.
انطلق صوت جرس المنبه الكريه معلنا انتهاء فرصة وعيه في الغياب لإستعادة آدميته المسلوبة، كان قاسيا لم يرحم التضرع لإمهاله بعض الوقت.
قام جسده من بين الكسر والركام متجاهلا أنين ذراته التي تنطلق بلا جدوى، وقبل أن ينطلق لأداء دوره في الحياة التي لاتبالي به إرتدي القناع الذي يوائم الموروثات المفروضة عليه.
فالرجال لا تنفطر قلوبهم، ولا تتحرر دموعهم.