اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الولادة المقدسة في مصر القديمة

 الولادة المقدسة في مصر القديمة





كتب د. عبد الرحيم ريحان


نرصد دراسة أثرية للدكتورة عبير المعانى

توضح أن مولد الملك المقدس ظهر لأول مرة كنص مسجل في متون الأهرام منذ عصر الدولة القديمة كما تحدثت بردية وستكار التي ترجع إلى نهاية الدولة الوسطى .





وعصر الإنتقال الثاني و التي ردت محتوى الأحداث إلى عصر الدولة القديمة، عن ولادات مقدسة لثلاثة أطفال ملكيين منحدرين من صلب رع وأم دنيوية، بالرغم من تسجيل تلك القصة الأخيرة على بردية، إلا أن المناظر المصورة لمثل هذه الأحداث الأسطورية لم تظهر لأول مرة، فيما نعلم حتى الآن ، إلا في عصر الدولة الحديثة سجلتها الملكة حتشبسوت في معبدها ثم أمنحتب الثالث في معبده علاوة على بقايا مناظر أخرى لملوك آخرين على جدران بعض المعابد الأخرى.


وتطرح الدكتورة عبير المعانى سؤالا

وهو السؤال الذي يطرح نفسه: 

لماذا لم تصور هذه المناظر على جدران معابد الملوك في عصر الدولة القديمة؟ 

هناك مجموعة من الحقائق الهامة التي ينبغي توضيحها في هذا الموضوع :

١ - مثل هذه المناظر لا تعبر عن قصة فردية لصاحبها ( الملك أو الملكة ) فقط 

وذلك لأنها نقشت بنفس المفاهيم في عدة معابد مختلفة وفي عصور مختلفة فيما عدا بعض التفاصيل التي تميز منظر عن آخر بين ملك و آخر علاوة على اختلاف اسم البطل في هذه المشاهد سواءً كان ملكًا أو ملكة و يمكن القول بأن هذه المناظر تنتمي لنفس تصنيف مشاهد احتفالات السد الملكية التي كان أحد أهم أهدافها ولادة الملك الحاكم بعد تجديد قواه الفيزيقية من جديد كما اتضح فى ألواح الملك زوسر الجنائزية و ما ذكر عليها صراحة فيما يخص ولادة الملك زوسر بعد إجراء جرية الحب سد .





٢ - إن توصيف أم الملك أمنحتب الثالث وأم الملكة حتشبسوت بتعبير " أم دنيوية أو بشرية " توصيف غير دقيق حيث تظهر الأم الملكية في تلك المناظر في سمات تعزز من قداستها القصوى، على سبيل المثال: أم الملك أمنحتب الثالث تسمى

 " موت إن ويا " 

بمعنى الربة موت الأم في قارب رع، كما تظهر بغطاء رأس مميز للربة نخبت مما يضفي عليها سمات أسطورية كبرى 

ومميزة ترفع من مقامها و تسمح لها بالإتصال المقدس المباشر بآمون، لفظ موت فيما ورد في بعض فقرات متون الأهرام لا يكشف على الإطلاق عن مفهوم أم دنيوية أو بشرية .



٣ - آمون يتقمص شخصية الملك تحتمس الرابع و يقابل الملكة  "الزوجة التي هي في ذات الوقت الأم الملكية" و عيد ميلاد نفسه في صورة الإبن الملكي " آمون حوتب " أي أنه يؤدي في هذه المناظر دور فحل أمه دون أن يظهر صراحة في صورة المعبود مين المعهودة، آمون هو الأب والزوج والإبن، والملكة هي الأم و الزوجة وهي علاقة لا تظهر إلا في مشاهد المولد المقدس للملك من أجل التأكيد على فكرة إنتقال دائم لا ينقطع للملكية من جيل الأب إلى جيل الإبن عبر حلقة الوصل الأساسية و هو " آمون " .



٤ - لا تظهر للملك أمًا واحدة فقط ، بل تظهر له أمهات أخريات في تلك المشاهد الأم الأولى وهي الملكية التي تغيرت طبيعتها من أم عادية إلى أم مقدسة في اللحظة التي اقترنت فيها بالملك الذي تقمصه آمون، ثم تتجلى له حتحور كأم أخرى حيث تأخذه و تقدمه لآمون رع كإبن حقيقي لها وله ثم يقوم بلمس الوليد الملكي الرضيع ثم نراه يحمل ويقوم بتقبيل الطفل،  لاحظ مدى التشابه في هذه المناظر وما يقوم به آمون وحتحور مع الطفل الملكي وكائه الطفولية وبين ما قام به إخناتون وزوجته نفرتيتي مع بناتهما، ثم تتجلى له أم أخرى وهي الربة موت بتاجها المزدوج على رأسها خلف حتحور وهي تحمل فروع النخيل التي تمثل سنوات لانهائية وعلامات الحب سد حتى تقدمها للطفل الملكي الوليد، كل أم تظهر بصفة

 أو وظيفة أو دور مختلف عن الأخرى وفي واقع الأمر يمكن ترجيح احتمالية أنهن تجليات أسطورية رمزية لأم واحدة؟ يختلف شكلها باختلاف وظيفتها .



٥ - آمون في هذه المشاهد يقوم بعمل " بعح - bch " بمعنى الفيضان تجاه الزوجة - الأم الملكية التي تعبر رمزيًا عن أرض مصر، الفيضان الذي يخصب أرض مصر فيحييها من جديد، المولد المقدس للملك جزء لا يتجزأ من الدورة الطبيعية التي تشهدها البلاد سنويًا بما يعني انتظام دورة الكون والطبيعة  (إنتظام الماعت) .



٦ - هناك ربط واضح بين مشاهد رحلة بلاد بونت في الدير البحري وبين مناظر الولادة الإلهية للملكة حتشبسوت التي صورت على القطاع الشمالي من المسطح الثاني، آخر مشهد في رحلة بونت: تقدم الملكة بخور تلك البلاد لآمون ثم يمتليء آمون برائحة تلك البخور ويظهر في أول مشهد من مشاهد الولادة وهو يدخل على الملكة الأم في القصر (كما يوضح النص) وهو مفعم بروائح بخور بونت التي تتسبب في إيقاظها ( مدى الدور الذي لعبته البخور في الزواج المقدس و الميلاد المقدس ) 

ثم تتوالى المشاهد و تولد الملكة وتصبح ملك مصر العليا والسفلى ثم ترسل حملة مرة أخرى لبلاد بونت وتقوم بإحضار البخور وتقدمه لآمون و بمعنى آخر: 

الحدث الأسطوري ( حدث الولادة ) لم يحدث مرة واحدة ثم انتهى هو حدث متكرر على الدوام ومولد الملك متكرر إلى ما لا نهاية.



٧ - تظهر كاوات رع (عددها ١٤) في هذه المشاهد في هيئات أرباب النيل الذكرية والأنثوية كي توهب للطفل الملكي الوليد وهي التي تنتقل من ملك إلى آخر عبر الأجيال حتى يمتلك كل القدرات والقوى الماورائية السحرية الخارقة التي تعينه على حكم البلاد بنجاح كما تظهر كجزء منهن ربات الرضاعة في صورة بقرية حتحورية وهي ترضع الملك وتمده بالطعام والشراب اللازمين فيصير مفعم بالحيوية والوفرة والقوة الأسطورية والشرعية مما يضمن له النجاح في حكم البلاد كاوات رع و انتقالها للملك الحاكم مع مولده هو أمر معروف في متون الأهرام منذ عصر الدولة القديمة والملك الوحيد الذي قام بتجسيد هذه الكاوات في صورة أرباب النيل 

(حعبي - حموسات) هو إخناتون.





٨ - جميع المصطلحات الدالة على الحمل والرضاعة والولادة والرعاية والحضانة ورد ذكرها في متون الأهرام منذ عصر الدولة القديمة وتطورت في عصر الحديثة وظهرت في مناظر مصورة مع إضافة بعض التفاصيل عليها لإبراز أهميتها وقيمتها مع الوضع في الاعتبار أنها لم تكن مشاعًا للرؤية بل وضعت في أماكن سرية (و لاسيما في معبد الأقصر) حيث أنها تمثل مشاهد شعائرية تستهدف تجديد الطبيعة و إحياء الكون من جديد عبر تكرار المولد الملكي للأبد .



٩ - زواج رع أو آتوم بحتحور وولادة الملك من صلبهما هو أمر مثبت في متون الأهرام حيث يظهر الملك في صورة رع أو آتوم الأسطورية و تظهر الزوجة والأم الملكية في الصورة الأسطورية لحتحور وينتج عن إتحادهما ولادة الملك نفسه . 



لاحظ وجود آمون بدلًا من رع في أحد مشاهد المولد المقدس للملك وأمامه الربة حتحور، الحدث ينتقل من إطار الأسطورة إلى إطار القصر الملكي و العكس صحيح.



١٠ - الحدث الديني في الحضارة المصرية القديمة لا يظهر في صياغة نمطية فنية واحدة ولا يعرف شكلًا فنيًا ثابتًا على الدوام، الفكرة تظهر في أكثر من صيغة وأكثر من شكل و ليس لها طريقة واحدة للتعبير بل يمكن أن تظهر في صورة مختصرة و تؤدي نفس الغرض عن طريق رمز واحد في مشهد واحد وليس من الضروري على الإطلاق أن نتعرف على مضمونها بنفس الطريقة التي صورت بها في مشاهد سابقة التعبير عن الأفكار لم يكن نمطيًا في الحضارة المصرية القديمة الولادة الإلهية للملك تظهر في مشاهد الأعياد الدينية الخاصة بكبار المعبودات وتؤكدها النصوص المرافقة لها كما يمكن أن تظهر في مشهد واحد مختصر بالغ الدلالة (على سبيل المثال كرسي العرش للملك توت عنخ آمون حيث تظهر الملكة مع الملك، اسم الملك توت عنخ آتون بمعنى الصورة الحية لآتون، تقمص آتون للملك الذي سيصبح لاحقًا توت عنخ آمون في إطار مفهوم الزواج بشكل مختلف، وتضع على جسده عطرًا كشعيرة مقدسة في إطار الزواج المقدس والذي يمهد لميلاد الملك نفسه في أحراش الدلتا التي صورت وراء كرسي العرش وتستحضر صورة حورس الطفل الملكي الوليد في تلك المنطقة.

google-playkhamsatmostaqltradent