الاستثمار السياحى لتعامد الشمس على كنيسة الملاك ميخائيل
كتب د. عبد الرحيم ريحان
ما زالت أصداء عرض فيلم الفيلم التسجيلى "بين التلين" سيناريو وإخراج مارمينا شلبي الذى عرض لأول مرة بقاعة المؤتمرات الكبرى بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بالكاتدرائية المرقصية بالعباسية 13 يونيو الجارى تتردد محليًا وعالميًا عن استثمار هذا الحدث سياحيًا
الفيلم من إنتاج قناة "مى سات" تحت إشراف نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي ويسرد الفيلم تفاصيل كنيسة ودير الملاك ميخائيل بكفر الدير بمنيا القمح، التاريخ والعمارة والفنون والدور الحضاري وظاهرة تعامد الشمس التي تحظى بزيارة المصريين مسلمين ومسيحيين، أول مايو على مذبح القديس مار جرجس فى عيد استشهاده، و19 يونيو على مذبح الملاك ميخائيل فى عيده، و22 أغسطس على مذبح السيدة العذراء في عيدها، ولكن حجبت أشعة الشمس عنه نتيجة إضافة مبنى خرسانى للخدمات الكنسية على واجهة الكنيسة عام 1984
شارك فى المادة العلمية للفيلم القس ويصا حفظى سعيد كاهن كنيسة ودير الملاك ميخائيل مع كوكبة من العلماء فى عدة تخصصات ففي مجال الترميم وصيانة الآثار خبير الترميم الدولي المهندس مجدى غبريال وفي العمارة شيخ المعماريين بمصر الدكتور عصام صفي الدين مؤسس بيت المعمار المصري، وفي الآثار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان وفي السياحة الدكتور إيفان إدوارد بولس أستاذ الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم وفي الفلك الدكتور أشرف تادرس رئيس قسم الفلك الأسبق بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والدكتور عمر فكرى مدير القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية والمهندسة ليزا مجدي غبريال
وتشير الدكتورة نعيمة محمد إبراهيم مدرس بمعهد الفراعنة العالى للسياحة والفنادق إلى أنها فكرت فى دراسة فكرة ظاهرة تعامد الشمس على كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير واستثمارها سياحيًا منذ عامين وزاد من إصرارها على مواصلة البحث في هذا الموضوع ما وجدته من اهتمام كبير بهذه الظاهرة في معبد أبوسمبل عند حضورها في شهر فبراير الماضي حيث كان الاهتمام بها رسميًا وحضر التعامد وفود من كل انحاء العالم في حين لا يحدث أي التفات للظاهرة نفسها في الكنائس المصرية وكنيسة الملاك ميخائيل خاصة
وتنوه الدكتورة نعيمة محمد إبراهيم إلى تقسيمها الدراسة إلى قسمين؛ قسمًا نظريًا تحدثت فيه عن مشكلة البحث وضعف الخطط التسويقية لبعض المناطق الأثرية والتاريخية التى تحمل العديد من مقومات الجذب السياحي التى تؤهلها لتكون مقصدًا سياحيًا مهمًا مثل كنيسة الملاك ميخائيل الأثرية التى تتعامد الشمس بها ثلاث مرات في العام ؛ تلك الظاهرة التى تعود بجذورها إلى العصور المصرية القديمة وتدل على تقدم القدماء المصرين في علم الفلك وربطه بالعمارة ومثال ذلك معبد الكرنك والدير البحرى ومعبد دندرة وقصر قارون بالفيوم
وقد ورث المصري في العهد المسيحي (البيزنطي) تقدم أجداده في علم الفلك وطبق ذلك في الكنائس وربط شروق الشمس وأشعتها بأعياد القديسين مثلما يحدث في كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير، ومن ثم تحدثت عن أماكن وأوقات التعامد بالكنيسة وتناولت خطوات التحقق من هذه الظاهرة التى قام بها علماء معهد الفلك عام 2015م، ونظرًا لأهمية هذه الظاهرة الأصيلة في الحضارة المصرية كان لابد من الحديث عن توظيفها سياحيًا خاصة وأن هذه الكنيسة كنزًا أثريًا هامًا بما تحتويه من مقتنيات متنوعة وأيقونات ومخطوطات يرجع أقدمها إلى القرن السادس والتاسع عشر الميلاديين، وتحف معدنية وخشبية متميزة.
وتتابع الدكتورة نعيمة محمد إبراهيم بشكل قصصى أن القسم الثاني من الدراسة جاء للحديث عن كيفية استثمار ظاهرة تعامد الشمس بالكنيسة سياحيًا، وبالتالي كان لابد من دراسة الوضع الراهن للمنطقة حول الكنيسة التى قمت بزياراتها عدة مرات وتوصلت إلى معرفة عدة نقاط للقوة التى يمكن توظيفها للاستثمار السياحي للمنطقة بالإضافة إلى عدد من نقاط الضعف والمعوقات التي تحول دون استثمار الكنيسة سياحيًا، واعتمدت في هذا الجزء على استمارات استبيانية قمت بتوزيعها على مجتمع البحث وتضمنت أسئلة عن: الدعاية للظاهرة ومستوى الخدمات المقدمة للسياح والبنية التحتية ودور الجهات المسؤولة في الاهتمام بالمنطقة ومقترحاتهم للتنشيط السياحي وتحويل المنطقة إلى مزار سياحي
وفي النهاية توصلت إلى مجموعة نتائج وخرجت بعدة توصيات إلى الجهات الحكومية وهيئات تنشيط السياحة وكذلك توصيات موجهة إلى وزارة السياحة والآثار للاهتمام بالمنطقة وإلى شركات السياحة وكذلك للجهات التعليمية والأكاديمية الخاصة بالسياحة.
ثم جاء الوضع التطبيقى على أرض الواقع لهذه الدراسة فقمت بزيارة الكنيسة أولًا أثناء التعامد في عيد القديس مار جرجس أول مايو ثم دعوت المجتمعين لمشاهدة الظاهرة أثناء عرض فيلم "بين التلين" وقمت بتنظيم رحلة إلى هناك لحضور التعامد على مذبح الملاك ميخائيل في عيده الموافق 19 يونيو وبالفعل بدأت فى حشد الأعداد للذهاب إلى هناك
وفي اليوم المحدد تجمعنا وتحرك الباص في السابعة والنصف صباحًا، وأثناء سيرنا عرضت مقدمة عن قرية كفر الدير وموقعها وتسميتها، وعن الدير وأصوله التاريخية والأثرية والرهبنة فيه وتصميم الكنيسة وأماكن التعامد بها "المذبح" ومواقيت التعامد الثلاث ومقتنيات الكنيسة الأثرية.
وبالرغم من صعوبة الطريق للوصول وصلنا إلى هناك أثناء القداس واستمتع الجميع بلحظات التعامد والذين كانوا في قمة الانبهار من حدوثها وقاموا بتصوير هذه الظاهرة الفريدة وتسجيلها، وبعد انتهاء الصلاة تم الترحيب بنا من قبل الأب (ويصا) كاهن الكنيسة هناك الذى تركنى أقوم بشرح الظاهرة والكنيسة التى قمنا بالتجول فيها ورؤية محتوياتها من أجنحة وهياكل ومذابح ومعمودية ولقان ...الخ. وبعدها دعانا الأب ويصا إلى تناول وجبة الأغابى (المحبة) من منتجات القرية سعد الجميع بها، وسعدوا من هذه التجربة الفريدة وطالبوا بتكرار هذه الزيارة وضرورة التفات الدولة لظاهرة التعامد والدعوة لها سياحيًا ورعايتها، وقدموا الشكر للأب ويصا على كرمه والشكر لي على الشرح المبسط وعدم ترك أى صغيرة أو كبيرة إلا وقمت بشرحها وتوضيحها، وعندما طلبوا أن يروا الفتحات التي صممها المهندس في القباب لنفاذ أشعة الشمس وتعامدها صعدت معهم أعلى سقف الكنيسة وصعدنا فوق القبوات حتى يروا هذه الفتحات ويتأكدوا من مصدر الضوء.
وتركنا الكنيسة وسط فرحة عارمة من قبلهم لما شاهدوه من جمال الكنيسة وروعة الظاهرة، ومن قبل أهل الكنيسة الذين رحبوا بالزائرين.