اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

فروع النيل الضائعة : رحلة في تاريخ وجغرافيا مصر

فروع النيل الضائعة : رحلة في تاريخ وجغرافيا مصر




فروع النيل الضائعة

كتبت - دكتورة ميرنا القاضي 

باحثه في علم المصريات

كتب - الباحث عبدالعزيز مصطفي 


هل تعلم أن نهر النيل كان يمتلك سبعة فروع في الماضي ولكن خمسة منها اختفوا عن الوجود؟ هل تريد أن تعرف كيف حدث ذلك، وما هي الأسرار التي تخبئها هذه الفروع؟ إذًا انضم إلي في رحلة عبر الزمن والمكان، لنستكشف معًا فروع النيل الضائعة، وكيف شكلت وغيرت الحضارة المصرية القديمة.



أولًا  : دعني أسألك سؤالًا: هل تستطيع 

أن تسمي فروع النيل السبعة التي كانت تمر في دلتا النيل من الشرق إلى الغرب؟

 إذا كان جوابك نعم ، فأنت على حق

 إذا كان جوابك لا، فلا تقلق، فأنا هنا لأخبرك عنها. 



هذه هي أسماء الفروع : البيلوزى والتانيتى

والمنديزى والفاتيمى والسبنتينى والبولبيتى، والكانوبى. هل سمعت بهذه الأسماء من قبل؟ هل تستطيع أن تحزر

 ما هي مواقعها على خريطة مصر؟

 فروع النيل كانت شرايين حية تغذي جسد مصر بالحياة والخصوبة. كان كل فرع يحمل في طياته قصصًا وحضاراتًا عظيمة. كان بعضها يشبه سلاسل من الجواهر التي تزين عروسًا جميلة، كفرع رشيد الذي اشتهر باسم "فرع روزيت" بسبب اكتشاف حجر رشد عام 1799.





 كان بعضها يشبه سلاحًا حادًا يحمي مصر من الأعداء ، كفرع كانوبى الذي استخدمه الرومان لنقل المؤن إلى حصونهم في البحيرة. كان بعضها يشبه وردة نادرة تذبل وتموت، كفرع البيلوزى الذي اختفى وصار مجرد ذكرى.



 "بعد أن عرفت عن فروع النيل السبعة، هل تشعر بالدهشة والإعجاب؟ هل تود أن تزور هذه الفروع إذا كان بإمكانك السفر عبر الزمن؟ هل تظن أن هذه الفروع لها تأثير على شخصية وهوية مصر؟ هل تظن أن هذه الفروع كانت تستحق المزيد من الاهتمام والحفاظ؟ أنا أدعوك إلى مواصلة قراءة مقالتي، لتكتشف المزيد عن فروع النيل الضائعة، وكيف شكلت وغيرت الحضارة المصرية القديمة.



نهر الحياة

في قديم الزمان، كان الإنسان المصري الأول  يعيش في غابات مصر الخضراء وكان يقتات من ثمارها ومن مواردها الطبيعية. ولكن مع مرور الزمن، تغيرت المناخ وانحسرت المياه والأنهار، فضطر الإنسان إلى التجمع على ضفاف النيل

 الذي كان يروي أرضه بفيضاناته السنوية. 



وهكذا بدأت حضارة مصر القديمة، التي اعتمدت على الزراعة والري والتجارة والفنون والعلوم. 



وقد استمرت هذه الحضارة لأكثر من الاف السنين وخلفت للإنسانية إرثاً عظيماً من المعابد والأهرامات والآثار.



 كان المصريون القدماء يقدسون نهر النيل

وكانوا يسمونه بأسماء مختلفة مثل حعبي

وحابي، وحاب، وهاب، وهب، وهبت إنت إيترو، وكلها تعني الفيضان أو الإخصاب

 أو الغذاء. 



كان المصريون يؤمنون بأن النيل هو مصدر الحياة والخصب لمصر، وأنه يجلب الخيرات والبركات للأرض والشعب.كان المصريون القدماء يستخدمون نهر النيل أيضًا للتجارة والاتصال بالشعوب المجاورة، فكان يساعدهم على نقل بضائعهم وثقافتهم. 



كان المصريون يحتفلون بفيضان النيل كل عام في شهر أغسطس، وكانوا يقدمون له قرابين من الزهور والفواكه والخضروات والحلوى والخمور. كان المصريون يلقون في قاع النيل دومية من الخشب في حفل عظيم يتقدمه الملك وكبار رجال الدولة دليلا منهم على العرفان بالجميل لهذا النهر العظيم .





فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه

 إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر، ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل، جاعلا منه "الإله" الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم.



إذًا، يمكننا أن نقول إن نهار النيل في مصر منذ قديم الزمان كان عاملاً محوريًا في تشكيل حضارة مصرية عظيمة على ضفافه. فقد كان نهار النيل يجسد قوة المصريين وحكمتهم وإبداعهم، ويعكس علاقتهم الوثيقة بالطبيعة . ولعل هذا ما جعل المؤرخ اليوناني هيرودوت يقول: “مصر هبة النيل”



فروع النيل

نهر النيل هو أطول نهر في العالم

 وهو يمتد من جنوب إلى شمال أفريقيا ويصب في البحر المتوسط. نهر النيل هو مجموعة من الروافد التي تجتمع في منطقة السودان لتشكل نهرًا واحدًا، وأشهر هذه الروافد هي نيل أبيض ونيل أزرق. 


وفي الماضي كان النيل يتفرع إلى سبعة فروع رئيسية في منطقة الدلتا وهي المنطقة التي تشكلت من ترسبات التربة التي جلبها النهر مع فيضانه. قبل أن تجف أو تغطى بالترسبات. وفقاً لبعض المصادر

كان عدد هذه الفروع سبعة في العصور القديمة وهي :

1- البيلوزي: كان يمر بسيناء ويصل إلى بحيرة البرلس. سمي بهذا الاسم نسبة إلى بلدة بيلزيوم (أقرما) التي كانت موجودة على ضفته اختفى هذا الفرع نتيجة للتصحر والتغيرات المناخية ومجراه الآن قد يكون مطابقاً لأجزاء من ترعة الشرقاوية الباقية لكن مع تغير مسارها 

وقد عُثر على آثار لمستوطنات ومعابد وحصون تعود للعصور المصريه القديمة والرومانية والإسلامية على ضفاف هذا الفرع. 



2- التانيتي: كان يمر بالشرقية ويصب في بحيرة المنزلة. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة تانيس التي كانت عاصمة مصر في فترات مختلفة من التاريخ. اختفى هذا الفرع نتيجة للإطماء والتحويلات المائية. 



والباقي منه الآن هو المصب فقط المطابق لمصب مجرى بحر مويس مطابقة لما قد رسم بالخرائط العتيق الباقية بها رسمات لهذا الفرع .



وقد شهد هذا الفرع نشوء وانهيار مدينة تانيس، التي كانت عاصمة مصر في فترات مختلفة من التاريخ. وقد اشتهرت تانيس بآثارها  الضخمة، منها: مجموعة من المعابد والأبواب والأعمدة والتماثيل التي تحمل أسماء ملوك الأسرات الحديثة، ومجموعة من المقابر الملكية التي تضم جثث بعض الملوك والأسرات الحديثة، وبعض المقابر غير الملكية التي تحوي على كنوز ثمينة مثل مقبرة فخاري باشا التي اكتشف فيها جورج داسون 19,000 قطعة ذهبية. 



3- المنديسي: كان يمر بالدقهلية ويصب في بحيرة المنزلة. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة منديس التي كانت مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا في مصر القديمة اختفى هذا الفرع نتيجة للإطماء والإهمال. 



4- الفاتنيتي: كان يمر بدمياط ويصب في البحر المتوسط. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة فاتن (أو فاتو) التي كانت موجودة على ضفته. هذا الفرع هو أحد الفروع الموجودة حاليًا، ولكنه تضاءل بشكل كبير بسبب التحويلات المائية والإطماء. 



5- السبنتيني: كان يمر بالغربية ويصب في بحيرة إدكو. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة سبن (أو سبنو) التي كانت موجودة على ضفته. اختفى هذا الفرع نتيجة للإطماء والإهمال. 



6- البولبيتي: كان يمر بكفر الشيخ والبحيرة ورشيد ويصب في البحر المتوسط. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة بولب (أو بولو) التي كانت موجودة على ضفته. هذا الفرع هو أحد الفروع الموجودة حاليًا، ولكنه تضاءل بشكل كبير بسبب التحويلات المائية والإطماء. 



7-الكانوبي: كان يمر بالإسكندرية  ويصب في البحر المتوسط. سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة كانوبوس التي كانت موجودة على ضفته. اختفى هذا الفرع نتيجة للإطماء والإهمال. 



هذه الفروع اختفت تدريجيًا بسبب التغيرات المناخية والجغرافية والإنسانية

مثل التصحُّر والتآكل والتضخُّم والزلازل والحروب.



 حاليًا يتفرع النيل إلى فرعَيْن فقط هما

-فرع دمياط

-فرع رشيد


تلك التفاصيل السابقة عن فروع النيل تدعمها مخطوطات تمتلكها الهيئة المصرية للمساحة لأفرع النيل تعود لقرون منذ بدأ تأسيس أكاديميات التخطيط و رسم الخرائط. وتكشف المخطوطات أن نهر النيل كان يتكون من 7 فروع مختلفة في دلتا النيل من الشرق إلى الغرب والتي اختفى منها 5 أفرع حاليًا.



بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد بعض علماء المصريات المعاصرين أن فروع النيل 

و طبيعتها الجيولوجية المتغيرة كانت سببًا في وجود تجمعات سكانية قديمة اختفت باختفاء فروع أقدم من السبع فروع. 



على سبيل المثال، مدينة "ثينيس" كانت عاصمة لسلالات الأولى لمصر القديمة لقرون كاملة، واختفت من الوجود بفعل طمس مصدر بقاء المدينة و المتمثل في المياه.



على الرغم من عدم وجود دلائل ملموسة على وجود هذه المدينة، إلا أن المعلومات عنها موثقة بشكل جيد من قبل الكتاب والمؤرخين القدماء. وصفها منيتون بأنها كانت مركزًا لدولة المصرية الموحدة وأول مقر لحكم المصريين، لذلك كانت لها أهمية تشبه أهمية أبيدوس الدينية.



“فعلى الرغم من أن هذه الفروع قد اختفت، ولكن من يدرى ذاك؟ فقد تظهر لنا دلائل وأشارات لفروع أخرى كانت كالألماس في التراب، حاملة على جانبيها بشرًا كانوا في طليعة الحضارة وأول من علَّموا الإنسان في مهده التاريخ.”

google-playkhamsatmostaqltradent