زيارة إلى مسجد السيدة نفيسة وشارع الأشرف
كتب د. عبد الرحيم ريحان
أسعدنى الحظ بزيارة مسجد وضريح السيدة نفيسة رضي الله عنها بعد التطوير كما هو مسجل فى اللوحة، وصليت المغرب هناك وأكثرت من الدعاء وكأننى فى الحرم المدنى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى حفيدة النبى، وكان لى تجربة منذ سنوات فى مشكلة ما أحسست أن الدنيا ضاقت عليا بما رحبت، فرغبت أن أتعطر بعبق حفيدة الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام، نفيسة العلم، ودعوت الله مخلصًا أن يفرج كربى، وكان الفرج بعدها وزيادة عن ما دعوت، لأننى دعوت على قدرى فاستجاب المولى عز وجل على قدره والحمد لله رب العالمين، ومنذ يومين أحسست بأننى فى حاجة للوقوف على قبرها وقراءة الفاتحة وأحسست براحة نفسية ومتعة روحية كنت فى حاجة إليها، ثم دعوت الله مخلصًا دون واسطة بما أتمناه
السيدة نفيسة
هى بنت الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الحسن ابن سيدنا علي والسيدة فاطمة، فهي سليلة بيت النبوة، حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تحب العبادة منذ صغرها ونشأت على ملازمة المسجد النبوي الشريف، وهذا سر انجذاب المصريين لضريحها وتعلقهم بها
وفي عام 193 هـ، جاءت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش، ورحّب بها أهل مصر، وسكنت فى دار بشارع شجرة الدر بالقرب من مسجدها الحالى بجوار زقاق القاسم، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، فخرجت عليهم قائلة: «كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى.» ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها: «يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه». فوهبها دارًا واسعة هو موقع مسجدها الحالى، وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت
ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ، توثقت صلته بالسيدة نفيسة واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، وكان الشافعى يعانى من داء فى بطنه، فكان كلما مرض يبعث إليها طالبًا الدعاء، وكانت تدعو له بالشفاء، وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204 هـ، وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته.
وبعد وفاة السيدة نفيسة جاء "عبيد الله بن السري" حاكم مصر، وهو الذى تولى بعد أبيه "السرى بن عبد الحكم" وبنى قبرًا لها ليكون أقرب إلى المزار، وكان ذلك أول بناء يبنى فوق منبر السيدة نفيسة، بعدها بنيت قبة فوق قبرها، وظل هذا الأمر إلى أن جاء أمير الجيوش بدر الدين الجمالى عام 482 هـ وبنى قبة كبيرة للسيدة نفيسة رضى الله عنها وأرضاها، أعيد تجديد القبة فى عهد الخليفة الفاطمى الحافظ سنة 532 هـ ثم جدد المقام سنة 117هـ فى عهد الأمير عبدالرحمن كتخدا، وهو من بنى مسجد بجوار المقام، ثم أعاد بناءه الخديو عباس حلمى الثاني
عاشت السيدة نفيسة بمصر 15 عامًا وحينما شعرت بدنو أجلها حفرت قبرها بيدها في بيتها وحينما توفيت عام 208 هـ أراد زوجها نقل جثمانها إلى المدينة المنورة فطلب أهل مصر أن تظل مدفونة بأرضهم وعرضوا عليه الأموال فرفض ولم يرضخ إلا برؤية من الرسول يقول له «رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم»، وكان أول من بنى ضريحًا للسيدة نفيسة هو عبيد الله بن الحكم والي مصر في عهد الدولة الأموية ثم أعيد بناؤه في عهد الدولة الفاطمية بعد إقامة قبة عليه، وهناك طاقة إيجابية وروحانية عالية تنعكس على زوار مقامها، حيث أن مقام السيدة نفيسة له مكانة خاصة فى نفوس المصريين، فالكثيرون يرتبطون وجدانيًا بمسجدها وضريحها، وكتب التاريخ تزخر بالقصص والروايات التى تجسد كرامات وبركات السيدة نفيسة ومكانتها الروحانية الكبيرة
يتوسط الواجهة الرئيسية مدخلًا بارزًا ومرتفعًا تغطيه طاقية على الطراز المملوكي، يؤدى إلى (دركاه) تصل إلى داخل المسجد، ويتوسط جدار القبلة محراب، وفى طرف هذا الجدار وعلى يمين المحراب باب يؤدى إلى ردهة مسقوفة تؤدى إلى الضريح، ويضم الضريح مقصورة نحاسية أقيمت فوق قبر السيدة نفيسة، ويعلو الضريح قبة.
ترميم أم تطوير
انتشرت عدة آراء عبر وسائل التواصل الاجتماعى عن ماتم من تطوير بالفعل كما سجل فى اللوحة الخاصة بذلك وليس ترميمًا علميًا كما أشار المؤرخ الكبير الدكتور محمد حمزة أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة وقد قامت إحدى شركات المقاولات بأعمال التطوير فى غياب إخصائى وخبراء ترميم باعتبار المسجد غير مسجل كأثر ويتبع وزارة الأوقاف
وأشار الخبراء من خلال مقارنات بين حالة المسجد قبل وبعد الترميم إلى اختفاء رنك الخديو عباس حلمي الثاني الذى جدد المسجد واختفاء الباب الفضي الذي كان يُفضي إلى الضريح، وطمس المحاريب الفاطمية، أى فى المجمل تغيير هوية المكان.
ملاحظات
تلاحظ لى أثناء الزيارة أن رائحة سجاجيد المسجد لم يتم تنظيفها منذ فترة وكان بالأولى تغيير فرش الجامع بالكامل أثناء التطوير
وإذا خرجنا إلى الساحة الخارجية نجد مناظر لا علاقة لها بطبيعة الموقع وقيمته الروحية والتاريخية والأثرية فأمام باب الدخول الجانبى المخصص للرجال حاليًا قهوة بلدى ورائحة الشيشة تنتشر فى ربوع المكان تستقبل الزوار فى دخولهم وخروجهم، والساحة الخارجية غير مستغلة بالمرة فى خدمات مرتبطة بطبيعة المكان من وجود بازرات لبيع السجاجيد والسبح والعطور وهدايا تناسب المكان بشكل حضارى مثل شارع المعز لدين الله الفاطمى، خلوها من الخدمات من كافتيريات نظيفة تعتمد على المشروبات الباردة والساخنة علاوة على المشروبات المصرية الشهيرة مثل العرق سوس والتمر والسوبيا وعصير القصب ومحلات للحلوى الشرقية
ثم نتجه لنسير فى شارع الأشرف نسبة إلى الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون أو شارع الأشراف أو طريق آل البيت، وقد نشر وقت الافتتاح أنه أصبح على غرار شارع المعز لدين الله الفاطمى، والحقيقة فقد تم تبليطه كممشى وهو أفضل من الأول بمراحل ولكن كل مقومات الشارع الذى يضم مسار آل البيت قهاوى بلدى ومحلات وأكشاك عادية أى لا يحمل أى طابع سياحى جذّاب مثل شارع المعز لدين الله الفاطمى
ثم نسير فى الشارع لنرى قبة فاطمة خاتون وهى مستودع للمياه السطحية ومأوى للحيونات ونمو الحشائش الضارة بالأثر بالطبع وفى خلال شهور ستتحول إلى أكبر مقلب للقمامة فى الشارع والصور توضح ذلك
ويضم المسار بشارع الأشرف قبة الأشرف خليل وقبة فاطمة خاتون ومقام ابن سيرين ومشهد السيدة رقية وقبتى الجعفرى وعاتكة وقبة شجر الدر ومسجد السيدة سكينة ومشهد محمد الأنور وبيت ساكنة باشا وضريح محمد العياشى ومسجد سيدى الباشا وبيت الكريتلية ومدرسة صرغتمش ومسجد أحمد بن طولون
ومن هذا المنطلق تطالب حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان بالتحرك العاجل لمعالجة المياه السطحية وتنظيف الموقع وإزالة الحشائش، وضع خطة بالتنسيق بين محافظة القاهرة ووزارة السياحة والآثار ووزارة الأوقاف وهيئة التنسيق الحضارى لتجميل المنطقة وتزويدها بالخدمات الراقية وإعادة فرش مسجد السيدة نفيسة بسجاد يليق بمكانته الروحية ومعالجة كل المظاهر السلبية التى ستتحول إلى الأسوأ لو تركت على هذا الوضع