باحثة ترصد الروابط الحضارية بين مصر واليونان في العصر البطلمي
كتب - الدكتور عبد الرحيم ريحان
رصدت الدكتورة هبة عامر أمين متحف ورئيس القسم التعليمي بالمتحف القومي بالإسكندرية الروابط الحضارية بين مصر واليونان في محاضرة أون لاين تحت عنوان " التقارب الديني والثقافي بين المصريين واليونانيين في العصر البطلمي"
جاء ذلك في إطار برنامج التوعية الأثرية والسياحية بالتعاون بين حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان وفريق أحفاد الحضارة المصرية برئاسة الآثارى محمد حمادة
وأشارت الدكتورة هبة عامر فى عبارات رائعة عن الإسكندر الأكبر أنه " ذلك الشاب الذي تتلمذ على أيدى أعظم فلاسفة العالم القديم "أرسطو" تشبع بأفكار أستاذه، ولكنه لم ينهج نفس النهج ولم يعامل الشعوب التي حكمها كالبرابرة وهي النظرة التي عُرف بها أي فصيل من الشعوب من غير اليونانيين، كان قارئًا لأشعار هوميروس التي ذكرت رحلة مينيلاوس أثناء عودته من طروادة ـ وأنه توقف عند جزيرة البحر "إيجييتوس" وهي جزيرة فاروس التي أصبحت فيما بعد جزءًا من مدينته الإسكندرية، قرأ عن آمون قبل أن يزور معبده، تشبع بالحضارة المصرية وعليه فلم يتصادم مع المصريين، بل استُقبل استقبال الفاتحين ولقبه الكهنة "بابن آمون".
وتوضح الدكتورة هبة عامر أن العصر الهلنستي عرف بالعصر الذي تقاربت فيه الثقافات وامتزجت فيه الحضارات، فحضارة اليونان الحديثة نوعًا ما عن الحضارات الأعرق والأقدم مثل الحضارة المصرية والحضارة البابلية وغيرها من الحضارات، استطاعت أن تؤثر وتتأثر وتنتج حضارة بها مزيج ثقافي مختلف.
ولأن مصر الأكثر تأثيرًا في العالم القديم فلم يكن الأمر سهلًا، لقد عانى الملوك البطالمة من هذا الشعب العنيد الذي لم يتقبل الحكم الجديد ببساطة، فقد ثاروا وخاصة صعيد مصر، حاول الملوك البطالمة التقرب للمصريين بعدة طرق ووسائل، تقربوا لملوكهم في المظهر وتوجوا في منف على نهج قدماء المصريين، تزوجوا من أخواتهم، تركوا عبادات المصريين كما هي، بل وشيدوا المعابد للآلهة المصرية، لكنهم أدخلوا عبادات جديد وإلهًا يشبه آلهتهم، ولكنهم أقنعوا المصريين أنه إلهًا مصريًا، تحايلوا في الزي والطقوس، ولكنهم فرضوا لغتهم فرضًا
وتغير الوضع القانوني للمرأة المصرية، وبينما كانت المدن اليونانية كالإسكندرية وبطلمية مصبوغة بالطابع اليوناني في كل شيء، احتفظ الريف المصري وصعيد مصر بجزء كبير من أصالته، كانت أكثر الفئات التي استوطنت مصر البطلمية هم الجنود بسبب تشجيع البطالمة وتقديم الامتيازات المختلفة لهم للوفود إلى مصر والاستقرار.
استفاد المصريون من المميزات التي حازتها المعابد اليونانية وسعوا لمنحها للمعابد المصرية، امتزجت الثقافتان واندمج الجنود اليونانيون في القرى لدرجة أنهم طالبوا بامتيازات للمعابد المصرية، وعبدوا ايزيس وسرابيس جنبًا إلى جنب، أنها مصر التي ذاب فيها اليونانيون وتولى فيها المصريون أعلى المناصب السياسية.
التأثير والتأثر
تنوه الدكتورة هبة عامر إلى أن العلاقات بين مصر والإغريق كانت قوية من قبل دخول الإسكندر الأكبر فقد سبق وأن ساعد الإغريق المصريين القدماء في ثوراتهم ضد المستعمرين الأجانب ومن بينهم الفرس من خلال عملهم كجنود مرتزقة، وأقاموا مع تجارهم علاقات واسعة.
أمّا بالنسبة للتأثير الحضاري، فمنطقة حوض البحر المتوسط من المناطق الأولى في العالم التي اجتذبت الإنسان منذ القدم، وقامت فيها الحضارات الإنسانية الأولى في وادي النيل، وفي منطقه بلاد الشام وفي منطقه ما بين النهرين، وفي آسيا الصغرى وفي جزر بحر إيجة، وشكلت هذه الحضارات بؤرة اشعاع حضاري انتقلت إلى معظم المناطق المجاورة، ونهلت منها الحضارات المجاورة، ومن الحضارات التي قامت على أساس هذه الحضارات كلها أو بعضها الحضارة اليونانية.
وكانت هناك زيارات لليونانيين القدماء إلى مصر من أجل تحصيل العلوم والفنون وتعدى ذلك إلى تبادل الهجرات والسلع.
ادخل البطالمة امتيازًا للمعابد لم يكن للمعابد المصرية قبل عصر البطالمة، لم تعرف الحضارة المصرية اللُجوء بالمعنى الذي عرفتْه بلاد اليونان، وهو الحصانة من السُلطات المدنية، ومن القانون، المصريون كانوا صارمين للغاية في تنفيذ القوانين، حتى إنَّ الفِرعون نفْسه لم يكُن بمقدوره سَنُّ قانون للعفو عن المجرمين المُدانِين. ولكن منح البطالمة امتياز اللجوء لبعض المعابد التي خصصت للآلهة المصرية ومعابد يونانية بل ومعاد يهودية أيضا؛ وكان الغرض من منح هذه الامتيازات الدينية كسب رضاء هذه الفئات من المتعبدين في المعابد الكبرى والصغرى على حد سواء.