أطلانطس الإفريقية : كشف الغموض حول" بلاد بونت"
أطلانطس الإفريقية
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
باحثه في علم المصريات والشرق الأدنى
بلاد بونت هي أرض الأسرار والعجائب حيث تزدهر الحياة في وفرة وتنمو النباتات النادرة والثمينة. هذه الأرض التي كانت محط أنظار الملوك والمستكشفين والتي كانت مصدرا للبخور واللبان والطيوب التي تعطر المعابد والقصور.
هذه الأرض التي لم يعرف عنها الكثير
ولم يحدد عنها الموقع بدقة، فهل هي في سواحل عمان أم في شمال غرب الصومال؟ انها اطلانتس افريقيا المفقودة!
بلاد بونت كانت تشهد تبادلات ثقافية وزراعية فريدة من نوعها، مثل رحلة الملكة حتشبسوت أول تبادل موثق للنباتات الذي قامت به الملكة خلال رحلتها الاسكتشافية الشهيرة، كما كان يتم تبادل جميع أنواع البضائع بدءا من البخور والعاج وصولا إلى الأقزام. وكان قدماء المصريين على صلة تجارية بها حيث كانوا يتبادلون السلع.
فكانوا يجلبون منها الذهب والبخور للمعابد والعاج والأبنوس واللبان والنسانيس وحيوانات كثيرة كالنمور والقرود وأشجار نادرة.
بلاد بونت هي أرض الخيال والإبداع
حيث تستوحي منها القصص والأساطير.
هذه الأرض التي كان يسكنها شعب ذو بشرة حمراء داكنة وشعر طويل، يعيشون في أكواخ عائمة على الماء. هذه الأرض التي كانت تسمى "أرض الآلهة"، لأنها كانت تحظى بإعجاب وإكرام من قدماء المصريين.
إذا كنت تحب التاريخ والغموض والجمال
فإن بلاد بونت هي المكان المثالي لك.
اكتشف أسرار هذه الأرض الساحرة وتعرف على ثقافتها وحضارتها. اقرأ المزيد عن بلاد بونت في هذا المقال.
أن البعثات البحرية إلى الجنوب كانت رائجة منذ القدم، واشتهرت قصة البحار الذي غرقت به السفينة ورسى على أرض غريبة، ممثلة في قصة "سنوحي" وهي من عهد الأسرة الثانية عشر.
كانت أول معرفة إلى بلاد بونت في عهد الملك "ساحورع" من الأسرة المصرية الخامسة. كانوا لا يصلون في ذلك الوقت الى بلاد بونت وانما كانوا يعتمدون في حصولهم على البخور على الوسطاء من بلاد اليمن ، مما كان يؤدي الى رفع ثمنه كثيرا كما ذكروا ذلك في نقوشهم وحتى يحافظ الوسطاء على دورهم كانوا يصفون المخاطر التي يتعرضون لها للوصول الى أماكن اللبان، وهي أماكن وعرة يصعب الوصول اليها وتحميها أفاع مجنحة ونحن نرى أن هذا الوصف هو وصف للطريق البري الذي يصل بين بلاد اليمن وبلاد ظفار والصومال وقد لاحظنا أنه يطلق اسم "بنت " باللهجة "الجبالية " الحالية على الأشياء المخيفة أو الأماكن المرعبة ، ومن هنا ربما يكون المصريون قد أطلقوا نفس الاسم "بونت " أو "بنت " على تلك البلاد بنفس المعنى الذي وصفه لهم.
كذلك قامت بعثة إلى بونت في عهد "جد كا رع" قام بها القبطان "با ور جد". كما أرسل الملك منتوحتب الثالث بعثة إلى بونت وعلى رأسها قبطان يدعى "حنينو". كانت البعثات إلى بلاد بونت بغرض إحضار البخور واللبان ونبات المر وأخشاب وأشجار وحيوانات مثل النمور وفرائها والطاووس والنسانيس وغيرها.
المصريون كانوا يقدرون البخور واللبان لأهميتهما في الطقوس الدينية، حيث كانوا يقدمونهما للآلهة يوميًا، وكان البخور يستخدم أيضًا لطرد الأرواح الشريرة.
وكان أجود أنواع البخور يطلق عليه المصريون اسم “عنتي - عنتيو”، وكان يأتي من بلاد بونت. لذلك، كان المصريون يسعون إلى إقامة صلات تجارية مستمرة مع بلاد بونت.
لكن أشهر تلك البعثات الي بلاد بونت كانت في عهد الملكة "حتشبسوت " حيث أمرت حتشبسوت في العام التاسع من حكمها إعداد خمس سفن كبيرة للرحلة إلى بلاد "بونت" وذلك تنفيذاً لوحي الإله آمون
وجعلت حامل اختام دولتها "نحسي" قائد لهذا الرحلة، وكانت البضائع المصرية التى أستخدمت فى التبادل هى الخناجر الكثيرة لرؤساء القبائل القاطنة هناك، وتمثلت الهدايا ايضا في النبيذ واللحوم والفواكه
كما حملت أيضاً مصنوعات مصر من حلى وأدوات وأسلحة. بهدف حث الحاكم على مقايضتها بالذهب والعاج وجلود النمر والحيوانات وأشجار البخور واللبان المر
وقد صور الفنان المصري جميع تفاصيل هذه الرحلة على جدران معبد حتشبسوت بما في ذلك شكل وثقافة أهل بلاد بونت.
ويصور النقش" باريحو" حاكم بونت وهو يمسك بعصا، وأمامه المصريون بقيادة "بانحسي" يقدمون الجواهر ومعها خنجر ذهبي رائع متقن الصنع. وتقف خلف باريحو زوجته التي تدعى "آتي" وقد صورت بجسد بدين مشوه.
ومن المرجح أن الفنان المصري قد صورها على هذا النحو لأنها كانت مصابة بمرض يعرف باسم "داء الفيل" المميز بتضخم في جزء من البدن. ومن المحتمل كذلك أن يكون الفنان قد بالغ قليلا لكي يقدم نوعا من الكاريكاتير؛ أو تقليدا فكاهيا لها. وقد سجل الفنان جميع تفاصيل الحياة الأفريقية؛ لدرجة أنه صور الطوقين الذين يرتديهما حاكم بونت وزوجته والخطوط المحزوزة على وجهيهما.
عندما اكتشف العالم الأثري "ماريت " "Mariette "رسوم رحلة بلاد بونت المصورة على جدران معبد الدير البحري للملكة حتشبسوت وذلك في عام 1877 الذى أكد بأن بلاد بونت تقع في افريقيا وحدد موقعها بشمال الصومال ، واستند في رأيه على الآتي:
1 - تمثيل الزرافة في رسوم بونت ، معتمدا في ذلك على أن الزراق حيوان افريقي ولم يكن في أي وقت من الأوقات من الحيوانات الآسيوية.
2 - شكل مساكن أهالي بونت المقامة على أعمدة تشبه المساكن الافريقية .
3 - صفات زوجة زعيم بونت الجسدية هي صفات افريقية .
4 - التحلي بحلقات من المعدن والتي توجد على ساق زعيم بلاد بونت ، تشبه حلقات المعدن التي تستخدم اليوم للتحلي عند القبائل الافريقية مثل قبائل البونجو بافريقيا.
5- نمو أشجار البخور على ساحل الصومال.
وقد ناقش العالم " كتشن " "Kitchen "كل الأراء التي اختلف فيها العلماء في مسلك السفن المصرية حتى الوصول الى بلاد "بونت " والتي حددها بمنطقة ساحل الصومال ، والطريق الذي سلكه المصريون للوصول الى بلاد بونت وهو كما وصفه بدقة يبدأ من السويس الى وادي الحمامات حيث كانوا يسلكون النيل في هذه المنطقة ، ثم يسلكون بعد ذلك طريق وادي الحمامات حتى يصلوا الى ميوس هرموس. ولقد كانت هناك بعض الجماعات الآسيوية التي استقرت في وادي الحمامات وتركت آثارها حيث تم العثور على نقش عربي جنوبي على الصخور الموجودة بالقرب من قصر البنات في منطقة وادي المواخير الواقع عند منتصف وادي الحمامات وهذا يدل على دور وادي الحمامات كممر للصلات والمؤثرات الحضارية القادمة الى مصر عن طريق البحر الأحمر مما أتاح المجال للازدهار التجاري، فخرجت القوافل والأساطيل البحرية التجارية المصرية، وهي تحمل المنتجات والمصنوعات المصرية إلى البلدان الأخرى في أقصى الشمال وأقصى الجنوب، لتعود وهي محملة بمنتجات تلك البلدان.
قد اقترح بعض العلماء أن بلاد بونت كانت تشمل منطقة واسعة تضم جزءًا من شبه الجزيرة العربية وجزءًا من شرق أفريقيا.
وإلى الآن، لم يتم التوصل إلى إجابة نهائية عن موقع بلاد بونت، لكن ما يزال هناك جهود علمية مستمرة لكشف أسرار هذه المملكة الغامضة، التي كان لها تأثير كبير على تاريخ وثقافة مصر القديمة.