قبل إجتماع اليونسكو بالرياض غدًا : من المستبعد خروج القاهرة من التراث العالمي
كتب د. عبد الرحيم ريحان
تعالت الأصوات عبر وسائل التواصل الاجتماعى عن خروج القاهرة التاريخية من التراث العالمي خاصة مع إقتراب موعد إجتماع لجنة التراث العالمي الدوري في الفترة من 10 إلى 25 سبتمبر الجارى في الرياض.
وفى ضوء ذلك نوضح أن الحديث عن خروج القاهرة التاريخية من قائمة التراث العالمي أو خروج أى أثر أمر فى غاية الصعوبة ويحتاج إلى عدة سنوات
ولا يتحقق إلا إذا عجزت الدولة تمامًا بعد إمهالها عدة سنوات عن الوفاء بمتطلبات اليونسكو ولكن هناك تهديد بإدراج القاهرة فى قائمة التراث المهدد بالخطر لو إفتقدت أحد معايير الترشيح وحتى هذا الأمر يحتاج إلى معاينات عديدة وتقديم إرشادات أولًا وترك فرص لتعديل الأخطاء.
وقد سبق إدراج دير مارمينا عام 2010 على هذه القائمة بسبب المياه الجوفية وأنفقت الدولة نحو 50 مليون جنيه في إطار خطة متكاملة لإنقاذ دير مارمينا بالإسكندرية حتى تم رفعه من القائمة بعد 12 عامًا من إدراجه.
رشحت القاهرة التاريخية تراث عالمي استثنائي باليونسكو لأربعة معايير الأول والثالث والرابع والسادس، فهى تعبر عن روائع العمارة الإسلامية حيث تتكامل فيها وظائف متعددة بتفرد شديد، كما تعتبر القاهرة نموذجًا لمدينة سكنية متكاملة بكافة وظائفها مثلت تفاعل المسلم مع بيئته فأنتجت تراث متميز يعبر عن طبقات زمنية متلاحقة فى تناغم شديد، واقترنت القاهرة بأحداث عدة وفترات حكم مختلفة كونت تراثها المعمارى وما زالت حتى الآن
حيث أنها من أقدم مدن التراث الحب المستعمل نسبيًا حتى الآن وكذلك اقترنت بالعديد من المصنفات الأدبية التى سجلت مع ملف الترشيح كما فى ثلاثية نجيب محفوظ
(قصر الشوق- بين القصرين- السكرية).
حدود القاهرة التاريخية طبقًا للقانون
119 لسنة 2008 لتشمل الآثار الإسلامية والقبطية فى ثلاثة نطاقات، منطقة القلعة وابن طولون، شارع المعز لدين الله الفاطمى والجمالية وخان الخليلى ومنطقة الحسين، منطقة الفسطاط والمقابر والمنطقة القبطية والمعبد اليهودي.
ومن هذا المنطلق يتعين على الجهات المعنية بالآثار والتراث والمحليات فى مصر المحافظة عليها طبقًا لاتفاقية التراث العالمي عام 1972 «اتفاقية متعلقة بحماية مواقع التراث العالمي الثقافية والطبيعية» والتى ضعت لتحديد وإدارة مواقع التراث العالمي، وطبقًا للمادة 5 (د) من الاتفاقية "على الدولة اتخاذ التدابير القانونية والعلمية والتقنية والإدارية والمالية المناسبة لتعيين هذا التراث وحمايته والمحافظة عليه وعرضه وإحيائه"
وبالتالى فإن عدم تسجيل المقابر التاريخية سواءً فى عداد الآثار لتخضع للحماية بالقانون 117 لسنة 1983 أو تسجيلها فى عداد المبانى التاريخية "وهى المبانى والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز
أو المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية
أو التي تعتبر مزارًا سياحيًا" بالتنسيق الحضارى وتسجيل 87 مقبرة فقط بنسبة 20% فقط من المقابر لإضفاء الحماية القانونية لها بالقانون رقم 144 لسنة 2006 لإخلاء المسئولية هو تقصير من وزارة السياحة والآثار ومن محافظة القاهرة التى تشكًل لجان تسجيل المبانى التاريخية حيث تركت هذه المقابر دون حماية تاريخية رغم وقوعها ضمن النسيج العمرانى للقاهرة التاريخية المسجلة تراث عالمى منذ عام 1979
تخل أعمال الهدم بمعايير تسجيلها تراث عالمى وتفقدها صفة التواصل الحضارى وتجتز جزءًا لا يتجزأ من تاريخها والأحداث التاريخية المرتبطة بها التى تشكّل ذاكرتها الوطنية باعتبارها أقدم مدن التراث الحى، كما أنه يخالف ميثاق فينسيا للترميم 1964 وقد جاء فى الفقرة 7 "الأثر ملازم للتاريخ، فهو شاهد عليه وكذلك النسيج العمراني الذي هو جزء منه وغير مسموح إطلاقًا بتحريك الأثر أو أي جزء منه إلّا إذا اقتضت وقاية الأثر ذلك ويتم البت في هذا في حالة وجود مصلحة عالمية أو محلية على أعلى قدر من الأهمية"
هذه المقابر ذات أهمية كبرى من الناحية المعمارية والتراثية والفنية وقيمة الشخصيات المدفونة بها وقد عثر بها على شاهد قبر بالخط الكوفى تاريخه 229هـ، 843م، والحفاظ عليها فى موقعها بعد معالجة المياه السطحية وترميمها وإعادة تأهيلها هو مكسب كبير له مردود ثقافي وسياحى يتماشى مع سياسة الدولة في إحياء السياحة الروحية المتجسّدة في عدة مشروعات قومية مثل مشروع التجلى الأعظم ومشروع إحياء وتنمية 25 محطة فى مسار العائلة المقدسة وإحياء مسار
آل البيت، وتعظيم كل مقومات السياحة فى مصر للوصول بها مرحليًا إلى 30 مليون سائح قابلة للزيادة.
كما يمكن تأهيل هذه المقابر كمراكز إشعاع ثقافى لعرض مفردات التراث المصرى الشعبى بتنويعاتها المتعددة ومراسم لفنانيين تشكيليين ومنتيدات ثقافية للشعر، خاصة مع ارتباط المنطقة بمحيط ثقافى سياحى يساهم ليس فى زيادة عدد السياح فقط بل زيادة الليالى السياحية بتفاعل الزوار مع الفنون الشعبية الذى يعشقها الغرب والشرق ولها حضور قوي.
كما أن تغيير مسار الكوبري المقترح من أجل الحفاظ على التراث الإنساني سيضيف لنا زخمًا دوليًا من التقدير والاحترام خاصة لدى المنظمات المهتمة بالتراث مثل اليونسكو والإيسيسكو والإليكسو يساهم فى تسجيل آثارنا ضمن الممتلكات الاستثنائية بالتراث العالمى ولدينا الكثير، ويدعم مرشح مصر باليونسكو ويساهم فى تعاطف هذه المنظمات مع قضايانا الثقافية خاصة قضية استرداد الآثار المنهوبة.