الصحابي الوحيد التي اجيزت له وصيته بعد وفاته فمن هو؟
تقديم : علاء الدين عبد الرحمن
الصحابي الجليل هو ثابت بن قيس الانصاري
وهو سيد من سادات الخزرج المرموقين ووجه من وجوه يثرب المعدودين وكان من صفاته انه ذكى الفؤاد حاضر البديهة رائع البيان جهير الصوت اذا نطق تفوق على القائلين واذا خطب اسر السامعين.
هو احد السابقين الى الاسلام في يثرب فعندما استمع الى آيات القرآن الكريم من (مصعب بن عمير) حتى اسر القرآن سمعه بحلاوة وقعه وملك قلبه برائع بيانه فشرح الله صدره للايمان واعلى قدره ورفع ذكره عندما دخل في دين الاسلام وعندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مهاجرا استقبله ثابت بن قيس في جماعة من فرسان قومه اكرم استقبال ورحب به وبصاحبه الصديق اجمل ترحيب وخطب بين يديه خطبة بليغة افتتحها بحمد الله عزوجل والثناء عليه والصلاة والسلام على نبيه واختتمها بقوله
(وانا نعاهدك يار سول الله على ان نمنعك مما نمنع منه انفسنا واولادنا ونساءنا فما لنا لقاء ذلك )
قال صلى الله عليه وسلم (الجنة) فما كادت كلمة الجنة تصافح اذان القوم حتى اشرقت وجوههم بالفرحة وقالوا: رضينا يا رسول الله ومنذ ذلك اليوم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس خطيبه كما كان حسان بن ثابت شاعره ولقد كان ثابت بن قيس مؤمنا عميق الايمان تقيا صادق التقوى شديد الخشية من ربه وكان عظيم الحذر من كل ما يغضب الله عزوجل.
ولقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خائفا مخزونا ترتعد فرائصه خوفا وخشية فقال :
ما بك يا ابا محمد ؟
فقال : اخشى ان اكون قد هلكت يار سول الله
قال: ولم ؟
قال: قد نهانا الله عزوجل عن ان نحب ان نحمد بما لم نفعل واجدني احب الحمد ونهانا عن التكبر واجدني احب الاعجاب بالنفس فمازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديء من روعه حتى قال:
(يا ثابت الا ترضى ان تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ فأشرق وجه ثابت بهذه البشرة
وقال: بلى يار سول الله فقال صلى الله عليه وسلم :(ان ذلك لك).
ولما نزل قول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنو لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون) تجنب ثابت بن قيس مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من شدة حبه له ولزم بيته وكان لا يبرحه الا لأداء الصلاة المكتوبة فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يأتيني بخبره ؟
فقال رجل من الانصار انا يار سول الله وذهب اليه ووجده في منزله محزونا منكسا رأسه فقال له
الانصاري ما شأنك يا ابا محمد ؟ قال : شر
قال : وما ذلك ؟
قال : انك تعرف انى رجل جهير الصوت وان صوتي كثيرا ما يعلو على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل من القرآن ما تعلم وما احسبني الا قد حبط عملي وإني من أهل النار.
فرجع الرجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبره بما رأى وما سمع فقال :
(اذهب اليه وقل له لست من اهل النار ولكنك من اهل الجنة) فكانت هذه بشارة عظمى لثابت ظل يرجو خيرها طوال حياته وقد شارك ثابت بن قيس في جميع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ما عدا غزوة (بدر) وكان يشارك في الحرب يريد الشهادة في سبيل الله تعالى الى ان وقعت حروب الردة وفي اول المعركة كان النصر لجيش مسيلمة الكذاب لكن يظهر هنا موقف الصحابى الجليل ثابت بن قيس تحنط ثابت في كفنه ووقف على رؤوس الاشهاد وقال : يا معشر المسلمين ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما عودتم اعداءكم من الجرأة عليكم وبئس ما عودتم انفسكم من الانخذال لهم ثم رفع طرفه الى السماء ودعا ربه وابلى بلاء عظيما ملأ قلوب المسلمين حمية وعزما وملأ افئدة المشركين وهنا ورعبا وما زال يجالد في كل اتجاه حتى اثخنته الجروح وخر صريعا قرير العين بما كتب الله له من الشهادة التى بشره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان لثابت بن قيس قصة عظيمة فلقد عرف عنه انه الصحابى الوحيد التي اجيزت له وصيته بعد وفاته وكان لهذا موقف نذكره هنا ـ ان شاء الله تعالى ـ حيث انه كان على ثابت بن قيس درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فنزعها عنه واخذها لنفسه.
وفي الليلة التالية لاستشهاده رآه رجل من المسلمين في منامه فقال للرجل انا ثابت بن قيس فهل عرفتني؟ قال: نعم فقال انى اوصيك بوصية فاياك ان تقول هذا حلم فتضيعها انى لما قتلت بالامس مر بى رجل من المسلمين صفته كذا وكذا فأخذ درعي ومضى بها نحو خيمته في اقصى المعسكر من الجهة الفلانية ووضعها تحت قدر له ووضع فوق القدر رحلا فأت خالد بن الوليد وقل له ان يبعث الى الرجل من يأخذ الدرع منه فهى ما تزال في مكانها واوصيك بأخرى فاياك ان تقول هذا حلم نائم فتضيعها قل لخالد: اذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فقل له : ان على ثابت بن قيس من الدين كذا وكذا وان فلانا وفلانا من عبيده عتيقان فليقض ديني وليحرر غلامي فاستيقظ الرجل فأتى خالد ابن الوليد فأخبره بما سمع ورأى فبعث خالد الى المدينة من يحضر الدرع من عند من اخذها فوجدها في مكانها وجاء بها كما هى ولما عاد خالد الى المدينة حدث
ابا بكر ـ رضى الله عنه ـ بخبر ثابت بن قيس ووصيته فأجاز الصديق وصيته وما عرف احد قبله ولا بعده اجيزت وصيته بعد موته سواه.