سراديب الموتى والألغاز الغامضة (4)
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
نقدم اليوم تجربة عملية ملموسة لترميم السرابيوم بسقارة من خلال عمل المهندس فاروق شرف إستشاري الترميم بمشروع ترميم السرابيوم بسقارة ضمن التجارب الفريدة لعلماء الترميم المصريين التى تؤكد وصولهم إلى العالمية وتفوقهم على الأجانب فى هذا المضمار، حيث كانت السرابيوم والهرم المدرج وبعض المقابر مغلقة من عام 1976م لأعمال درء الخطورة والدراسات الهندسية و الترميمية.
ويقدم المهندس فاروق شرف هذه الخبرة موثقة لزملائه الحاليين بالمجلس الأعلى للآثار ولتلاميذه الذين لم يعاصروا هذه الأعمال فى سلسلة حلقات.
أصول الترميم
يوضح المهندس فاروق شرف والذى شارك فى أعمال الترميم أن الترميم له أصول حيث أن
- الترميم : يعني إعادة الأثر بقدر الإمكان لحالته الأصلية من خلال عملية علاج تتضمن التخلص من مظاهر التلف التي تسببها عوامل التلف.
- الترميم عملية متخصصة تعتمد على إحترام المواد الأصلية للأثر وأي إضافة أن تكون مميزة بشكل واضح وتحمل طابع المعاصرة.
- عملية الترميم تهدف للمحافظة على القيم الجمالية والتاريخية للمعلم الأثري وإبرازه.
- الترميم هو زيادة قدرة الأثر أو البقايا الأثرية على مقاومة مصادر التدهور بإستخدام الأساليب والتقنيات الملائمة لكل حالة.
أعمال الترميم
ويشير المهندس فاروق شرف إلى أن أعمال الترميم اعتمدت على الدراسات والتــوثيــق على ثلاث مراحل
الرفــع
ويقصد به جميع الأعمال التى تشمل تحديد الأبعاد والحدود الخارجية للموقع وإتجاهاته وامتداداته وعلاقته بالمنطقة المحيطة وكذلك تحديد المناسيب إما بالنسبة لسطح البحر أو بالنسبة لمنسوب افتراضى.
التسجيل
يشمل كل أعمال الرفع مع التحديد الدقيق للعلاقات بين الخطوط والأعمدة فى المستويات المختلفة وعلاقة كل مستوى بالآخر من حيث الأرتفاعات والإتجاهات .
التوثيق
يشمل فى قاعدته العرضية جميع أعمال الرفع والتسجيل مضافًا إليها أعمال الرفع الدقيق للتفاصيل الزخرفية وتحديد عناصرها وتفاصيل العناصر البنائية من أحجار ومداميك ....ألخ.
أساليب التوثيق
تتحدد تلك الأساليب طبقًا للهدف المطلوب ويمكن بيانها كالتالى:-
1- توثيــق مساحى: Surveying Doc.
2- توثيــق معمارى: Architectural Doc.
3- التوثيق الفوتوغـرافـــــى: Photographic Doc.
4- التوثيق الفوتوجرامترى. Photogrammetric Doc.
5- قـاعدة بيانات: Data Base
ودائمًا ما يكون التركيز على أساليب التوثيق المساحى والفوتوغرافى وكيفية توظيف كافة المعلومات فى إعداد قاعدة بيانات تساهم فى دعم واتخاذ القرار فى تحديد أولويات خطة الترميم.
3- الأعمـــال المساحية
تعد أعمال الرفع المساحى من الأساسيات الأولية لأى عمل هندسى أو أثرى فإنه عند الإعداد لمشروع متكامل للترميم يتحتم البدء بأعمال الرفع المساحى كمرحلة تجهيز وإعداد لأعمال الرفع المعمارى وما يتبع ذلك من إنتاج خرائط التوثيق المساحى والمعمارى وهى ضرورة حتمية تستلزمها الدراسات الهندسية التى تلى تلك الأعمال بهدف الوصول إلى مشروع ترميم هندسى متكامل.
فعلى سبيل المثال تتطلب أعمال الدراسات الجيوتقنية خريطة مساحية لتحديد أماكن الجسات وربط إحداثياتها ومناسيبها حتى يمكن توصيف القطاع الجيولوجى وتحديد أماكن عدم الإتصال
( Discontinuities ) مثل الشقوق والفواصل وكثافتها وكذلك تحديد منسوب المياه تحت السطحية.
كذلك عند تحديد مظاهر التدهور المختلفة بالأثر وبيان مساحتها فإن الأمر يستلزم وضع خريطة شاملة تبين أماكن ونوعيات مظاهر التدهور.. كما تستدعى الدراسات الإنشائية وأعمال الصرف الصحى والمياه وأعمال الكهرباء وجود خرائط مساحية ومعمارية.
الأسس الهندسية
وفقًا للقواعد المتعارف عليها فى جميع الأعمال المساحية يتم:-
1- وضع نقاط أو ثوابت مساحية بالموقع ( نقط مرجعيه ) يمكن الرجوع إليها فى أى مرحلة من أعمال الرفع أو الدراسات أو التنفيذ.
2- يتم رصد تلك النقط ( الزوايا والمسافات ) وحساب احداثياتها ( X,Y ).
3- يتم تصحيح الأشكال أو الترافرسات وحساب خطأ القفل وتوزيعه.
4- بناء على ما سبق تتم عملية حساب الإحداثيات المصححة.
5- عند حساب منسوب النقط ( Z ) يتم ذلك إما بربطها بمتوسط منسوب سطح البحر أو عن طريق روبير معلوم أو بما يطلق عليه الصفر المخصوص أو المنسوب الأفتراضى.
6- تتم أعمال الميزانية لحساب مناسيب النقط الثابتة ( Z ) وتحصحيحها طبقا لحدود الأخطاء المسوح بها.
7- يتم تحديد منسوب أفقى ثابت داخل المبنى الأثرى ومجموعة من المحاور الرئيسية طبقا لإحتياجات الرفع المعمارى.
الأجهزة المستخدمة
1- موازين ( Automatic levelling device ) قامات خشبية والمونيوم تليسكوبية.
2- تيودوليت ( Thieodolite ) .
3- محطة أرصاد متكاملة ( Total Station ) بالعواكس الثلاثية والفردية.
4- موازين تعمل بأشعة الليزر.
5- أشرطة قياس
6- برامج مساحية ( Softwares ) وأجهزة حاسبات آلية ( Computers )
الدراسات التكميلية
1- دراسة حركة الهواء داخل ممرات المقبرة وغرف الدفن على مدار 24 ساعة ولفترات زمنية وفصلية متغيرة .
2- إجراء قياسات لدرجة الحرارة والرطوبة على بعض قطاعات المقبرة وبعض غرف الدفن وكذلك على طول المقبرة .
3- تصميم أعمال الحماية الأرضية وحوائط المقبرة.
4- تصميم إضاءة المقبرة مع الأخذ فى الإعتبار المحازير الأثرية وما يمثله الأثر كمقبرة مقدسة.
5- تصميم أعمال شبكة الكهرباء بإسلوب يتماشى مع نظام الإضاءة وأعمال الحماية والتى لا تفرز أي مساس أو إضرار بمفردات الأثر.
6- القيام بمعالجات سطحية أو عن طريق الحقن لبعض مواد التقويه والتى تم تجربتها تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار وتم إعتمادها وذلك للأجزاء الطفلية المنهارة أو المتدهورة من حوائط الممر الرئيسى و حوائط غرف الدفن .
وجدير بالذكر أن الترميم الدقيق لمقبرة السيرابيوم يشكل بعدًا هامًا ومكملًا لأعمال إنقاذ وتدعيم المقبرة حيث يهدف هذا العمل الى الوصول إلى تثبيت وتقوية طبقات الطفلة المتدهورة الموجودة بحوائط غرف الدفن والممر الرئيسى .. ولا شك أن تدهور هذه الطبقة يتصل إتصالًا وثيقًا بأى تغيرات بيئية داخل وخارج المقبرة نظرًا لحساسيتها الشديده للرطوبة وتغير درجة الحرارة .
وقد تمت المرحلة الأولى لهذه الدراسة والتى تضمنت أعمال التجريب المعملى على عينات من الطفلة وبإستخدام عدد من مواد المعالجة تم إختيارها طبقا لمعاييرأثرية وتقنية بهدف تحقيق تثبيت طبقة الطفلة على أوضاعها ومنع تأثرها بالتغيرات البيئية التى قد تنشأ من السماح بزيارة المقبرة .
وتم استخدام المواد التالية :
1- ترايفيجراند Tri Figrund
2- سيليكات برايمر Silicate Primer
3- اكريل 33 Acrill 33
4- فاكر 100 Vaker OH (100)
5- سانوفيكس Sanofix
وقد تم توثيق النتائج المعملية وتحليلها وكانت النتائج جيدة تماما مع هذا الأثر العملاق فمثلاً على سبيل المثال:
- تراى فيجراند Tie_ figrund
العينة فى حالة جيدة بعد المعالجة من حيث تماسك عينة الطفلة .
العينة المعالجة فى حالة جيدة بعد التشبع بالماء من حيث درجة الانتفاش .
عدم حدوث أى تغير فى لون الطفلة .
عدم ظهور أى نسبة من الأملاح على السطح الخارجى
- سيليكات برايمرSilicate Primer
العينة فى حالة متوسطة من حيث تماسك عينة الطفلة .
حدوث زياده فى نسبة الحجم بعد تشبع العينه المعالجه بالماء نتيجة الإنتفاش.
عدم حدوث تغير فى لون الطفلة .
ظهور نسبة ضئيلة من الأملاح على الطفلة .
- اكريل 33 (بريمال) Acril 33
العينة فى حالة جيدة بعد المعالجة من حيث تماسك المسحوق
حدوث ثبات نسبى للعينة المعالجة بالكحول بعد التشبع بالماء
عدم حدوث تغير فى لون الطفلة .
عدم ظهور أى نسبة من الأملاح على السطح .
- فاكر Waker OH (100)
العينة فى حالة ضعيفة من حيث زيادة التماسك لمسحوق الطفلة .
حدوث إنتفاش للطفلة بعد تشبع العينة بالماء .
تغيير فى لون العينة بعد وضع مادة المعالجة .
ظهور نسبة واضحة من الأملاح على السطح بعد جفاف مادة المعالجة .
مشروع الترميم
وينوه المهندس فاروق شرف إلى أن مشروع الترميم دراسات مكتب الدكتور حسن فهمى إمام ومعاونوه
( رحمة الله عليه ) والشركة المنفذة : شركة المقاولين العرب .. ومدير المشروع من قبل إستشاري المجلس الأعلى للآثار ( د.م. حسن فهمى ) المهندس العملاق الإنشائى أنور صالح بارك الله فى عمره والذى كان يعمل من قبل بشركة المقاولين العرب فهو الخبرة الكبيرة وصاحب الإنجاز الكبير فى المشاريع العملاقة.
كان من أهم الأعمال بالمقبرة والتى قتلت بحثًا ومناقشة حول أعمال التدعيم للحوائط سواءً للمقابر أو الممر الطويل فقد تجمعت الآراء حول معالجة الحوائط بقطع حجرية تنتهى بقباب لحماية الأسقف من الإنهيارات الجزئية ولكن هذا المقترح سيضعف القيمة الأثرية بتغطية الصخر الأم .. وظلت الآراء متداولة حتى تم الوصول إلى حل هندسى وأثرى جيد وهو عمل هياكل كريتال بمقاسات مدروسة تتميز بطول فترة البقاء وبالحماية للأثر وللزائر والحفاظ على الرؤية الأثرية .. وأيضا تغطية الأرضية بألواح خشبية على علفة تتخللها فتحات مغطاة بزجاج مقاوم للكسر والحرارة حتى يرى الزائر أرضية المقبرة ومكوناتها.
وأيضا العلفة الخشبية تكتنف لخراطيم مشروع التهوية بمنافذ على الجانبين وأسلاك كهربية لزوم مشروع الإضاءة التى يمكن التحكم فيها للحصول على إضاءة تتناسب مع الأثر وما يحتويه .. أما جميع الشروخ والتنميلات فقد تم حقنها بالإيبوكسيات المناسبة.
كما عمل بالمشروع أساتذة عمالقة من بدايته وهم المهندس صاحب الخبرة الكبيرة ومدير الأعمال الهندسية بسقارة وقطاع المشروعات المهندس كامل لويس مدير المشروع و صاحب الأراء الهندسية الأثرية المستنيرة والشهير بالجرأة فى الأعمال العملاقة .. وأيضا جهبز الترميم مصطفى عبد القادر
( رحمة الله عليه )
وذلك مع كل التحية والتقدير للجنود المجهولين من مفتشى آثار سقارة والقائمين على الإشراف وتنظيم الأعمال وهم الآثارى كمال وحيد ( رحمة الله عليه) والآثارى أسامة الشيمي والآثاريون صبرى فرج
ومحمد يوسف
بالتعاون مع إدارة ترميم آثار سقارة وكل العاملين بها بقيادة الدكتور مصطفى أحمد .. علاوة على إخصائى الترميم والمنتدبين من آثار الفيوم الدكتور محمد شحاته والدكتور محمد كمال وهم أصحاب الفكر المتطور فى تربية الأجيال الوطنية والمحافظة على التراث ونتاج الأجداد بكل الحب والعمل الجاد .. وكذلك الأستاذ عمر المشرف الهندسى الموجه للأعمال وصاحب اليدين الذهبيتين فى أعمال الترميم
والتدعيم .
كما ساهم علماء المصريات بكلية الآثار جامعة القاهرة بدور كبير بالمشاركة وإبداء الآراء الأثرية المستنيرة
ومازال الترميم بحالة جيدة رغم مرور أكثر من عشر سنوات على تسليمه.