هل يوجد لمدينة البندقية الإيطالية شبيه في مصر؟ تعرف على حكاية الخليج المصري
كتب د. عبد الرحيم ريحان
شارع بورسعيد (الخليج المصرى أو خليج أمير المؤمنين سابقًا) يعتبر من أهم و أطول شوارع القاهرة المحروسة، فهو يبدأ من ميدان فم الخليج إلى مدينة الخصوص مارًا بالسيدة زينب – درب الجماميز – الحلمية - برك الفيل – عابدين - باب الخلق ومديرية أمن القاهرة – فمتحف الفن الإسلامى – الموسكى – فباب الشعرية – الظاهر والسكاكينى - وغمرة ومهمشة ثم الزاوية الحمراء.
وعن حكايات هذا الشارع يروى لنا المهندس فاروق شرف استشارى وخبير الترميم والمنشآت التاريخية أن هذا الشارع لم يكن شارع تجوبه السيارات والدواب ويتجول فيه المارة سيرًا على الأقدام كما نفعل اليوم بل كانت تشقه مراكب وقوارب التنزه الصغيرة وتعبره المارة من خلال قناطر وجسور بنيت فوقه على مسافات متقاربة إلى حد ما
والخليج المصري هو أحد المجاري المائية الصناعية التي شقها المصريون لتساعدهم على ري الأراضي الزراعية البعيدة عن مجرى نهر النيل ولم يكن للخليج المصرى ضفاف وكورنيش للتنزه فقد كانت البيوت تطل عليه مباشرة غاطسة في الماء كما نرى في مدينة البندقية الإيطالية كما يسميها العرب أو مدينة فينسيا والمسماة بالمدينة العائمة، أو مدينة أمستردام العاصمة الهولندية.
بدايات الشارع
ويشير المهندس فاروق شرف إلى أن الخليج حمل أسماء كثيرة وعرِف بها وفاءً لكل يد ساهمت فيه وطورته، إلا أنه يبقى في النهاية ليحمل اسم الخليج المصري حيث ترجع بداياته إلي عصر مصر القديمة خلال حكم الملك نخاو بن أبسماتيك وهو من ملوك الأسرة السادسة والعشرين عندما بدأ في أعمال الحفر لهذا الخليج ولكن لم يتم العمل في عهده وحاول من جاءوا بعده إستكماله حتي اكتمل في عهد بطليموس الثاني في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد فكان أن أطلق عليه خليج بطليموس ومن بعده كان الحكام يعيدون الحفر ويطهرون قاعه من الرواسب وأحيانَا يغيرون مكان فم الخليج أى المكان الذى يبدأ عنده الخليج من نهر النيل، ومن أشهر من أعاد الحفر كان الإمبراطور الروماني تراجان ولذلك أطلق عليه بعدها خليج تراجان.
الخليج والفتح الإسلامى
ولما جاء الفتح الإسلامي لمصر في القرن الأول الهجرى الموافق منتصف القرن السابع الميلادى عام 21 هـ الموافق عام 642م علي يد القائد العسكرى والصحابي الجليل عمرو بن العاص خلال خلافة أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين تمت تسميته خليج أمير المؤمنين.
وبعد إنشاء القاهرة في العصر الفاطمي سمي الخليج باسم خليج القاهرة ثم سمي بعد ذلك الخليج الحاكمي نسبة إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ولما تطورت المدينة وضم عمرانها مدينتي العسكر التي بناها العباسيون والقطائع التي بناها أحمد بن طولون ثم امتدت لتشمل مدينة الفسطاط العاصمة الأولي لمصر الإسلامية والتي بناها الصحابي الجليل عمرو بن العاص وصارت مدينة واحدة عرفت باسم القاهرة في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي أصبح اسمه الخليج المصري.
مواقع الشارع
ينوه المهندس فاروق شرف إلى أن الشارع كان يخرج من النيل جنوب شارع قصر العيني الحالي وعرف هذا الجزء باسم فُم الخليج وهو اسم منطقة سكنية حاليًا ويتجه مجرى الخليج نحو الشمال الشرقي ثم يأخذ في الانحناء حتى يصل إلى ميدان السيدة زينب الآن ثم درب الجماميز أمام المدرسة الخديوية ليصل إلى باب الخلق ثم إلي باب الشعرية ثم إلي الحسينية بالقرب من جامع الظاهر بيبرس بحي الظاهر ثم يجري بين المزارع خارج القاهرة إلى الزاوية الحمراء والأميرية والتى أصبحت بعد ذلك مساكن .. ثم يتجه مجرى الخليج إلى خارج القاهرة ليمر بمدينة الخصوص بمحافظة القليوبية حاليًا ثم يمر جزء من مجراه بموقع مجرى ترعة الإسماعيلية الحالية التي تمد الآن منطقة قناة السويس بالمياه العذبة ثم يمتد المجرى ليمر بالقرب من مدن بلبيس والعباسة والتل الكبير وسرابيوم ثم يصب في بحيرة التمساح والبحيرات المرة التي كانت متصلة بخليج السويس والبحر الأحمر في الأزمنة القديمة وذلك قبل إنحسار خليج السويس إلي موقعه الحالي وبذلك كان للخليج المصرى دور كبير في الملاحة التجارية بين وادى النيل والبحر الأحمر.
كان يطلق عليه أيضًا اسم الخليج الكبير تمييزًا له عن خليج آخر أصغر منه هو الخليج الناصرى الذى تم حفره في زمن الدولة المملوكية خلال عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 725 هـ الموافق عام 1325م والذى كان يستخدم في تزويد البرك والحدائق المتواجدة بكثرة حينذاك في القاهرة بماء النيل اللازمة لريها خاصة في وقت الفيضان ومن أشهر تلك البرك بركة الأزبكية .