أبيدوس عبر العصور (2)
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
نستكمل زيارتنا اليوم إلى أبيدوس الأرض المقدسة فى مصر القديمة مع ابن المنطقة الباحث الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف من قرية عرابة أبيدوس بمحافظة سوهاج.
وتاريخ أبيدوس غير معروف تحديدًا فهي ذات ماض سحيق يرجع لآلاف السنين، باعتبارها موطن و جبانة منذ عصور ما قبل التاريخ، بها أيضا مقابر الأسرتين صفرين و صفر كالملك العقرب والملك كا الملك العقرب الثاني و غيرهم، في عام ٣٦٠٠ قبل الميلاد كانت في أبيدوس أول حروف كتابية في العالم أجمع و هي (بطاقات أبيدوس العاجية) والتي اكتشفت ١٩٨٨ م علي يد العالم الألماني دراير.
بداية التوحيد
ويشير الباحث الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف إلى توحد الممالك في الجنوب هيراكونبوليس مع نقاده مع أبيدوس تحت حكم الملك نعرمر والذي استطاع توحيد مملكتي الشمال والجنوب عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد، وتعد ابيدوس هي عاصمة الإقليم الثامن من أقاليم مصر العليا وهو إقليم ثني عاصمة الصعيد الموحد فأصبحت أم القعاب الجبانة الملكية.، بعد التوحيد بني ملوك الأسرتين الأولي و الثانيه جبانتين أحدهما في أبيدوس و الأخري في سقارة.
الجبانة
"خنتي امنتيو" أول الذين في الغرب أو المقدم علي الغربيين و كان يمثل بهيئة رجل يلبس نقبة قصيرة برأس صقر اندمج مع اوزير من عصر الأسرة السادسة و معه وب وا ووت و كان له معبد صغير بأبيدوس من الدولة القديمة.
بني منصور
أقدم معبد بني للمعبود خنتي امنتيو في كوم السلطان من الأسرة الأولي و تطور حتي السادسة مع زيادة الأهمية في عصر الأسرة السادسة، وأعاد الملك بيبي الثاني بناء معبد خنتي امنتيو.في الدولة الوسطي وأصبح الإله اوزير هو الإله الرسمي للدولة، فزاد الاهتمام بأبيدوس أكثر، وأنشأ الملوك المقاصير للتعبد مثل مقصورة الملك منتوحتب الثاني.
و ينوه الباحث الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف بأنه مع بداية الدولة الوسطي ظهرت فكرة إقامة قبر رمزي لأوزير كمثال القبر الرمزي الذي بناه الملك سنوسرت الثالث تحت الجبل الغربي كأوزريون، و أيضا الملك امنمحات الثالث.، وأكثر من اهتم بأبيدوس من ملوك الدولة الوسطي هما الملكان امنمحات الثالث
و سنوسرت الثالث، وبداية من الأسرة السادسة بدأ الناس يأتون بتماثيل و لوحات أو مومياء المتوفي إلي أبيدوس.
كل إنسان حي أو ميت لابد أن يزور و يحج بأبيدوس و إذا كان لا يقدر علي الحج يقوم بنحت لوحة تخلده هو وأسرته وهو يقدم القرابين و يرسلها مع أحد الحجاج إلي أبيدوس.
طريق الحج في ابيدوس
وأشار باسم سليمان إلى منع إنشاء أى مبني علي جانبي طريق الحج بأبيدوس، وكان هنا آلاف اللوحات مثبتة علي جانبي الطريق، وفي فترات الضعف والتقلبات التي تلت الدولة الوسطي ظلت أبيدوس لها مكانة دينية كبيرة، و كان يدفن فيها الملوك المحليين والأبطال المحاربين والشهداء في حروب تحرير مصر من الهكسوس مثل الملك سنب كاي أول شهيد ضد الهكسوس.
الدولة الحديثة
أنشأ أحمس الأول هرمًا في أبيدوس تخليدًا لذكري والدته تتي شيري و بني قبر رمزي لأوزوريس و بحيرة صناعية و حديقة واسع حولها، وفى الأسرة ١٨ زاد الاهتمام أكثر و أكثر، حيث أقام الملك تحتمس الثالث سور ضخم حول المنطقة المقدسة في كوم السلطان في أبيدوس.، وفى الأسرة ١٩ أقام الملك رمسيس الأول معبدًا صغيرًا في أبيدوس بجوار معبد ابنه الملك سيتي الأول، حيث قام الملك سيتي الأول ببناء معبدًا من أجمل و أعظم معابد مصرمن الحجر الجيري المجلوب من طره.، وأقام الملك سيتي الأول قبر الأوزريون الرمزي لأوزير وأقام بحيرة صناعية كبري أمام المعبد و شق ترعة تصلها بنهر النيل، وقد استغرق إنشاء المعبد ١١ عام حتي توفي سيتي الأول وأكمله ابنه رمسيس الثاني، وأقام الملك رمسيس الثاني أكثر من معبد في أبيدوس، منها معبده الذي بدأ في إنشائه بعد توليه العرش مباشرة واستخدم الحجر الرملي وأكمل معبد والده به وأيضا استخدم حجر الكوارتيز الأحمر.
وقد نحت أبناء و خلفاء رمسيس الثاني أسماءهم علي قواعد وأسفل جدران الحصن الذي كان أمام معبد الملك سيتي الأول حيث اهتم كل منهم بأبيدوس
و استمروا في تقديم القرابين وإقامة الطقوس الدينية في أبيدوس مثل الملك مرنبتاح والملك رمسيس الثالث و الملك رمسيس الرابع.، واستمر التعبد فيه حتى نهاية الأسرة ٢٥.
نظرية رحيل أوزوريس
ومع بداية الأسرة ٢٦ في عصر الملك أحمس أمازيس أراد تأمين حدود مصر الجنوبية فاخترع الكهنة نظرية تقول أن أوزوريس الساكن في أبيدوس ضج و مل من الضوضاء الشديدة بها وأراد الرحيل عنها، فرحلت روحه علي هيئه طائر وخرج معه جسده على ظهر تمساح و بحثوا عن مكان آخر في الجنوب حتي استقرت الروح في جزيرة بجة بجوار فيلة و الجسد في وسط الجزيرة، ثم رحلت ايزيس خلف زوجها إلي فيلة بجوار زوجها في الجزيرة المقابلة، و رحل الناس بعد ذلك إلي الجنوب واعتنق أهل النوبة ديانة أوزير.
ويتابع الباحث الآثارى باسم سليمان بأنه في ذلك الوقت قلت الكثافة السكانية في أبيدوس و أصاب المعبد الإهمال و الضرر، وازداد الإهمال في العصر المتأخر وأغلق تمامًا في بداية العصر البطلمي، وآخر من اهتم بأبيدوس من ملوك مصر القديمة هو الملك نختنبو الثاني من الأسرة ٣٠ حيث أقام معبد في كوم السلطان و أقام عدة مقاصير للتعبد.
حدثت ثورة في عهد بطليموس الرابع في الصعيد
و طرد البطالمة من الصعيد
حتي جاء بطليموس الخامس واستطاع السيطرة مرة أخري علي الصعيد كان ذلك النص مكتوبًا في المعبد وللأسف تدمر و اختفي مع الزمن و كتب بالخط القبطي قبل دخول المسيحية لمصر ب ٢٠٠ سنة، أي أن الخط القبطي عرف واستخدم في مصر قبل ذلك بكثير، وزار هيرودت ابيدوس و دخل المعبد، وزارها المؤرخ بيليني و ذكر أنه من أعظم معابد مصر.
وفي عهد الإمبراطور الروماني جستنيان الأول (483 – 565م) أمر بقتل الكهنة الموجودين في أبيدوس، وأعلن أن هذه المنطقة خالية من العبادة الوثنية و هنا انتهي ذكر أبيدوس تمامًا من التاريخ، فيما بعد تأسس دير القديسة دميانة في جنوب أبيدوس و كان ديرًا كبيرًا لسكن عددًا من الرهبان في قدس الاقداس
و المذبح و بنوا صوامع خلف المعبد، ثم طمرته الرمال بعد ذلك، وفي عام ١٧٩8م زمن الحملة الفرنسية وصفوا آثار أبيدوس في الجزء ٢٣ من مجموعة وصف مصر، ثم جاء العالم مارييت ١٨٥1م ليقوم بعمل حفائر علمية في المعبد، وتم بعده اكتشاف المعبد.