"وبت رنبت" احتفال المصري القديم في مصر ، إشراقة جديدة للعام الزراعي
"وبت رنبت"
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
باحثه في علم المصريات والشرق الأدنى
اكتشف معنا سحر وتاريخ الاحتفالات القديمة في مصر، حيث كان المصريون القدماء يحتفلون بقدوم عام جديد بكل ابتهاج وفرح. في قلب هذه الاحتفالات الباهرة كان يكمن "وبت رنبت"، المعروف أيضًا باسم "عيد النيروز" في ثقافة الأقباط المصريين. ففي بداية موسم الدورة الزراعية، كان المصريون يعبرون عن فرحتهم وامتنانهم لنهر النيل، الذي يعتبر مصدر الحياة الأساسي في هذه الأرض المباركة.
في هذه المقالة، سنستكشف كيف كان المصريون القدماء يحتفلون بعيد النيروز ويتفاعلون مع مواسم الزراعة المتغيرة. ستتعرف على مغزى الاحتفالات ورمزيتها، وكيف تغيرت التسمية من "وبت رنبت" إلى "عيد النيروز" بتأثير من الثقافات الأخرى التي تأتي إلى مصر، مثل الفرس. سنسلط الضوء على الأهمية الزراعية والثقافية لهذا الاحتفال القديم، وكيف أصبح جزءًا من تراث مصر القديم الثمين.
فلنتغمس سويًا في أجواء "وبت رنبت" ونستكشف سر ذلك العيد الباهر الذي كان يجلب إشراقة جديدة للعام الزراعي في مصر القديمة.
كان المصريون القدماء يحتفلون بقدوم عام جديد يعرف بـ«وبت رنبت»، ومعناه «افتتاح السنة» هو عيد في مصر القديمة وكان يأتي في بداية موسم الدورة الزراعية التي تنقسم إلى ثلاثة فصول: الفيضان، والإنبات، والحصاد.
، إن هذه الفصول كانت المُلهم الأول لكل أشكال التفاعل الإنسان قبل آلاف السنين، مشيرة إلى أن المصريين القدماء كانوا يحتلفون بعيد رأس السنة المصرية القديمة في يوم 17 يوليو من كل عام، والذي كان يعرف باسم «عيد النيروز» لدى أقباط مصر.
وأضافت أن النيروز ويعني النيروس بالقبطية الأنهار والنوروز بالفارسية يعني اليوم الجديد وبالسريانية يعني العيد، هو يوافق الأول من شهر «تحوت» أو «توت» في التقويم المصري القديم أول يوم في السنة الزراعية الجديدة وهو أول شهور السنة القبطية.
«يوم الأنهار» و«النيروز»
احتفل المصريون القدماء بهذا اليوم وأطلقو عليه «'ني- يارؤ»' بمعنى «'يوم الأنهار»' الذي هو ميعاد اكتمال فيضان نهر النيل السبب الأول في الحياة.
ومع قدوم الفرس إلى مصر كانوا يحتفلون بعيد النيروز ويتشابه هذا العيد مع احتفالات المصريين ببداية الفيضان ومن هنا تغيرت تسمية «وبت رنبت» إلى عيد «النيروز» ومعنى التسمية بالفارسية «اليوم الجديد» وهو العيد الذي كان يُمثل أول يوم في السنة الزراعية الجديدة وقد اهتم المصريون بالاحتفال بعيد النيروز كتراث ثقافى مصرى قديم.
ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية في العصور الوسطى والذي كان واحدا من الاحتفالات الكبرى الذي يحتفل به المصريون جميعا مسلمون ومسيحيون كما كانت الدولة من العصر الفاطمى تحتفل على المستوي الرسمي بهذه المناسبة بتوزيع العطايا إلى جانب الاحتفالات الشعبية التي كانت تأخذ شكل كرنفال شعبي رائع يخرج فيه الناس للمتنزهات العامة.
التقويم المصري القديم
التقويم المبدئى (365 يومًا) وضعه قدماء المصريين على أساس حركة نجمة الشعري على مدار العام وليس على أساس حركة الشمس، وأنه هو أشد نجوم الكوكبة تألقا، والذي أطلق عليه القدماء المصريون إسم «إمى خت سوبدت».
ويعد التقويم الفلكي هو أول تقويم مسجل حفظته الآثار المصرية القديمة المنقوشة على جدران سلم الصعود إلى معبد دندرة وسقف مقبرة سنموت في الدير البحري ومسجله على تقويم الكرنك في الأسرة الـ18 وغيرها من الأماكن الكثيرة وبعضها يعود لأكثر من 2000 عام قبل الميلاد.
وكانت بداية السنة القمرية تعتمد على حدوث ظاهرة «الشروق الاحتراقي» لنجم «الشعرى اليمانية» وهو حدث شروق نجم «الشعرى اليمانية» قبل شروق الشمس فوق "الأفق الشرقي"، وذلك بعد أن يصبح النجم غير مرئي في السماء لمدة 70 يومًا، وكانت الظاهرة تحدث في الفترة ما بين 17- 19 من شهر يوليو بالتقويم «اليولياني» خلال تاريخ الأسرات المصرية القديمةحيث يكون اليوم الفعلي لأول رؤية لذلك النجم.
السنة المصرية القديمة
كانت السنة المصرية القديمة مقسمة إلى 12 شهرا بكل شهر 30 يوما ثم تليها خمسة أيام أو ستة لتكملة باقي السنة وشهور السنة القبطية هي توت، بابه هاتور، كيهك، طوبا، أمشير، برمهات برموده، بشنس يؤونة، أبيب، مسري، نسئ وهي لازالت مستخدمة في مصر ليس فقط على المستوي الكنسي بل على المستوي الشعبي أيضًا خاصة في الزراعة وقد وضع التقويم المصري القديم العلامة «توت» الذي اخترع الكتابة وكان عالما حكيما ولذلك احترمه المصريون القدماء ووضعوه منزل الآلهة وأسموه بالإله توت أو تحوت وبدأوا أول شهور السنة باسمه وقد تم تعديل هذا النظام حوالي 238 قبل الميلاد بإضافة يوم كل أربع سنوات للسنة المصريه القديمه بحيث يتم تثبيت بداية السنة مع الفصول.
مظاهر الاحتفالات
من أقدم التقاليد التي ظهرت مع الاحتفال بعيد رأس السنة صناعة الكعك والفطائر وانتقلت بدورها من عيد رأس السنة لتلازم مختلف الأعياد التي جعل لكل منها نوع خاص به.
واتخذ عيد رأس السنة في الدولة الحديثة طابعًا دنيويًا وخرج من بين الأعياد الدينية العديدة ليتحول إلى عيد شعبي له أفراحه ومباهجه ومعانيه.
وكانت طريقة احتفال المصريين به تبدأ بخروجهم إلى الحدائق والمتنزهات والحقول في الأيام الخمسة المنسية من العام وتستمر احتفالاتهم بالعيد خلال تلك الأيام الخمسة التي أسقطوها من التاريخ وكانوا يقضون اليوم في زيارة المقابر حاملين معهم سلال الرحمة كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم كلما انقضى عام.
كما شاهد عيد رأس السنة لأول مرةاستعراض الزهور «كرنفال الزهور» الذي ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما تصادف الاحتفال بعيد جلوسها على العرش مع عيد رأس السنة.
فرحة المصري بالعيد
وحرص المصري القديم في أكثر من مناسبة على تأكيد مفهوم البهجة في نصوصه الأدبية كهذا المقتطف الذي يطلق عليه «أناشيد الضارب على الجنك» وهو مقتطف يُظهر قدر تمسك المصري بكل ما يشع بهجة للإنسان في حياته وفي محيط أسرته .
وهو مقتطف يُظهر قدر تمسك المصري بكل ما يشع بهجة للإنسان في حياته وفي محيط أسرته نقلا عن الترجمة الفرنسية التي قدمتها العالمة«كلير لالويت» فهناك نص قديم يقول: «اقض يوما سعيدا وضع البخور والزيت الفاخر معا من أجل أنفك وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك بينما زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك فلتكن الأغاني والرقص أمامك واطرح الهموم خلفك لا تتذكر سوى الفرح».