لماذا نكتب؟
بقلم : ندا محمود حماد
تجيب أناييس «نكتب لنرقى بإحساسنا بالحياة، ونكتب لنجذب الآخرين ونأسرهم ونواسيهم، ونكتب لنتغنى بأحبتنا ولنتذوق الحياة مرتين لحظة عيشها وعند استعادة هذه اللحظات فيما بعد.
ومثل بروست، نكتب لنجعل كل ما في الحياة أبديًا ونقنع أنفسنا بأنه كذلك. نكتب لنكون قادرين على تجاوز حيواتنا لنصل إلى ما هو أبعد، ولنعلِّم أنفسنا أن نتحدث مع الآخرين وأن ندون رحلتنا في المتاهة. نكتب لنوسع عالمنا حين نشعر بالكبت أو التقييد أو الوحدة.
بتعدُّد الكُتّاب تتعدد إجاباتهم عن سؤال الكتابة، ومن خلال هذه الإجابة نتعرف نحن كقراء إليهم.
فى البداية أعرفكم من هى أناييس ؟
أناييس نن (بالفرنسية: Anaïs Nin) ولدت في 21 فبراير 1903 – 14 يناير1977 مؤلفة أمريكية من أصل إسباني-كوبي وفرنسي بحيث تربت هناك. وقد قضت بعضًا من عمرها في إسبانيا وكوبا ولكنها عاشت معظم حياتها في الولايات المتحدة حيث أصبحت هناك مؤلفة معترف بها. ولقد ألفت يوميات استمرت لاكثر من ستين عامًا، بدءً من أن كان عمرها أحد عشر عامًا، وانتهاءً بمرحلة ما قبل مماتها بفترة وجيزة. وقد نشرت أيضا روايات و دراسات نقدية ومقالات وقصص قصيرة، وأيضا نُشر الكثير من أعمالها بعد مماتها ومن ضمنها: مثلث الزهرة وطيور صغيرة.
في التاسعة من عمرها شُخِّصت أناييس خطأً بداءٍ عضال تنبأ الأطباء بأنه سيعوقها عن المشي طيلة عمرها، فكان أول رد فعلٍ لأناييس وقتها أن طلبت ورقةً وقلمًا لتكتب القصائد. وفي سن الحادية عشرة انتقلت أسرة أناييس إلى أمريكا دون والدها، فبدأت كتابة يومياتها أملًا في أن يغريه ما تصف من هذه الأرض الجديدة فيأتي إليهم.
لم تكن الكتابة لها يأسًا أو وسيلة للتعايش، بل رفضًا تشهره في وجه ذلك اليأس.
في مقالتها «حكاية مطبعتي» تشهر أناييس رفضها ذا؛ حيث تحكي عن تجربتها في النشر. رفض الناشرون طباعة كتبها في الأربعينيات، فاشترت طابعة مستعملة تعمل بالضغط على القدم كآلات الخياطة القديمة، مضمخة بالحبر والعرق. مستعينةً ببقايا الورق التي ابتاعتها من هنا وهناك طبعت أناييس كتبها بنفسها، وعوضًا من التشكي من صعوبة ذلك تقول بحيويتها المعتادة إن الجهد الذي تطلبته طباعة كل كلمة أعانها على تعلُّم الإيجاز في الكتابة والتخلص من الحشو.
يتضح دائما من المقالات قدرة أناييس على الارتباط بكل جانب من جوانب الفن، ومع كل موطنٍ ما دام مرحبًا بها. لم تسقط أناييس نظرةً «غربية» على تجاربها، ولعل ذلك يعود إلى كونها ترى العالم موطنًا لا حدود له. أصل والديها الكوبي وطفولتها في فرنسا ونضجها في أمريكا ورحلاتها العدة إلى المغرب، كل ذلك زوَّدها بالقدرة على رؤية الآخر وفهمه دون نبذٍ له.
ومن المواقف التى توضح ذلك موقفها عندما دعتها أسرة مغربية إلى منزلها لتناول طبق الكسكس المغربي. لم تكن والدة ربة المنزل تأكل معهم، فسألت أناييس عن ذلك وأجابوها بأنها لم تكن تجيد الأكل بالشوكة والملعقة. ردَّت أناييس: «نحن الخُرق لا نعرف كيف نأكل بأيدينا». لتصف بعدها أكل السيدة بيدها ببراعة، دون أن تورد عبارات تهكمية أو دهشة زائفة.
ومن الأقوال والتعريفات القبمة جدا التى كانت تؤمن بها وتطبقها هو تعريف الكاتب والمترجم الأمريكى ( والاس فولي ) الذي يعرِّف الكاتب بأنه «الشخص القادر على الحفاظ على رؤية الطفل الغضة متقدةً داخل الإنسان الناضج». وكان هذا الجانب يظهر بوضوح فى أسلوب أناييس وفى وصفها وكتاباتها عن مراجعات لبعض الكتب والأفلام التي أعجبت بها، ومقالات وصفية لرحلاتها.
ومن النقاط الهامة جدا التى ناقشتها مقالات أناييس التتطرق إلى إشكاليات ونقاط مهمة من شأن الالتفات إليها أن يعين على فهم المرأة الحديثة لنفسها وفهم الآخر لها، مثل غياب نموذج المرأة المعاصرة، وضرورة أن يكون الخطاب النسوي بنّاءً غير عدائي.
وفي عددًا من مقالات نجد أناييس تناقش القضايا المتعلقة بهوية المرأة وشكل العلاقة بين الجنسين. كثير من النساء، اللاتي حاولن منح المرأة حريتها المستحقة، وقعن في فخ التجريم المطلق للجنس الآخر، أو محاولة استنساخه. في إحدى المقابلات الواردة في الكتاب تفصِّل أناييس منهجها في ذلك، حيث تقول إنها لم تقلِّد الرجال يومًا ولكنها تتعلم منهم؛ لأن الرجل بطبيعة الحال كان هو الطبيب والعالم والمفكر، فيما لم تتوافر نماذج نسائية لهذه الأدوار آن ذاك: «النساء كنّ قدوتي للعيش، والرجال للتفكير». مقالات أناييس لا تأتي مُنظِّرةً من برج عاجي لامرأة حظيت بمزايا حياة الجنسين، وإنما امرأة تشعر وتدرك قيمة الشعور في فهم أي تواصل بين الجنسين.
وقد كانت كاتبتنا محبة للحياة مناضلة من أجل مت تتمنى ، ففي مقالات كتابها «تقديرًا للرجل الرهيف» تظهِر أناييس أنها في الخيار بين الحياة وأي شيء آخر ستختار الحياة في كل مرة، وجعلت من الكتابة إصبعها التي تشير بها إليها، ولسانها الذي يعلن اختيارها.
والآن خبرنى لماذا تكتب؟