زهور أرجوانية
زهور أرجوانية
بقلم الكاتبة منال خليل
- إنه اليوم المحدد .. إنه الموعد العظيم
إنه الحلم المؤجل ...
دقت الساعة علي التمام .... إلا هو !!!
- ثوب العرس الأبيض معلق على شماعة من الساتان الأبيض المزينه بشريط ذهبي أعلى ضلفه الدولاب ،
ثوب طويل من الدانتيل الرقيق ذو أكمام من التل الفرنسي الشفاف ... مفتوح من الخلف حتى أسفل خصرها الدقيق ، كانت حريصة على إختيار ذلك الموديل حتى يظهر تجويف سلسلة الظهر ...
ثوب يكاد يكون بسيط ولكنه راقي كالعشق التي تكنه لهذا " السامر " الرائع والذي سكن منها القلب كله لمده اربع أعوام وهي العمر كله بالنسبه " لنينا " كما كان يحب سامر دوماً أن يطلق على " نادرة "
- كانت تنظر " نينا " لذلك الثوب المعلق في مرآة التسريحة بعد أن أنتهت من دهان كامل جسدها بكريم خاص له مذاق السكر .. ثم نقلت بصرها إلى مرآتها وهي تبتسم وتسأل نفسها :
هل سيستيغ " سامر " طعم السكر من على جسدها أم مذاق شفاها أكثر !!!
- بدأت في وضع أحمر الشفاه ذو اللون الوردي الهادئ البرئ وقليلا من بودرة ذهبيه أعلى جفنيها وصدرها
وانتقت عطر سكاندال والذي كان يدير رأس سامر دوماً
لتنثره على كل ماهو جميل وظاهر من جسد متلهف لليلة عرس سرمدية
- ثم إطمأنت على كل ما سوف ترتديه أسفل ثوب العرس من دانتيل أبيض ومخمل، يصرخ فرحاً وسعادة لإقتراب موعد ذلك المشهد الذي حفر في ذاكرة قلب كل قطعه من الثياب إنتظاراً لتلك اللحظة المنشودة عندما يقع نظر ذلك السامر وأصابعه عليها لينتشلها من حرمان أعوام ....
بدأت " نينا " في ارتداء الكولون الشفاف الذي أحضره لها سامر خصيصا من روما خصيصا لذلك اليوم وفوقه شراب قصير لا يتجاوز الكاحل من الدانتيل وسحبت الحذاء الأبيض المنخفض الكعب المزين بزهور بيضاء وكأنه لطفله، فهي كانت دائما ما تشعر أنها طفله بقربه أو كانت تحب أن تشعر بذلك معه ، فهي لم تختبر شعور الأبوة أبدا ..
- إقترب الموعد، بدء قلب نينا يرجف وروحها ترتجف لا تعلم لما تحديداً !! فنظرت بأتجاه التليفون تتمنى أن يدق ويكون هو المتصل ... لتطمئن، فكرت أن تتصل هي به .
تشعر أنها أشتاقت لصوته جدا ذلك الصوت الهادئ الحنون الذي يأخذها من مخاوفها ومن كل ما يهلك أوتار حياتها إلى شط أمان ، بينما كان صدره هو المرفأ دوماً وكل الأمان ...ثم عدلت عن الفكرة ، كانت تفضل أن يراها وتراه بحديقة العرس مرة واحدة .. ترى نفسها بعيونه، ترى شوقه وعشقه ، لهفته عليها بملامح جسده وخطوات أقدامه إليها .. وأخذت تتسائل :
هل يحبني كما أحبه !! هل يتمنى تلك اللحظه كما أتمناه أنا !! هل سيخلص لي دوماً !! هل سيكتفي بي !! هل وهل وهل !!
- نفضت نينا عن رأسها كل تلك الأسئلة والأحجية وسارت صوب ثوب العرس بهدوء وخلعت عنه الشماعة وقبّلت الثوب قبل أن ترتديه ولكنها تساءلت :
أين سحر صديقتي ... أين نونو و أين أختي وأين الجميع !!
لما لا أحد هنا ليساعدني ولما لا أسمع ضجيج أو أغنيات الفرح !!
كم أتوق لسماع صوت الفرح والزغاريد... أريد أن أزف لعشقي ... لرجلي وفرح عمري ثم تداركت:
ليس مهم وجود أحد، يكفيني هذا الحبيب والرفيق والذي سيصبح الزوج كما هو شريك الروح بعد قليل ..
- أرتدت نينا الثوب ولفت ذراعاها خلف ظهرها لتعقد فيونكة الخصر .. ثم ذهبت ثانية صوب التسريحة ونظرت بالمرآة لتطمئن على نفسها والثوب الذي يكاد يرقص فرحاً على جسدها ..
- ماذا ينقص ياترى ؟
ثم تذكرت القرط والعقد اللؤلؤي ، فتحت العلبة القطيفه الزرقاء وأخذت القرط لأذنيها ... ثم زينت جيدها بالعقد وأخذت تربت عليه فهو عقد أمها رحمها الله ...
تنهدت نينا وهي تفكر أين ذهب الجميع !!
ثم رفعت شعرها الذهبي الطويل واستدارت لترى ظهر الثوب المفتوح .. رائع .. كل شئ رائع ، ابتسمت لنفسها بسعادة ..
كم هي جميله ومتوهجة ، أخذت تبحث عن باقة الزهور التي ارسلها لها سامر وهي تضحك.، وتتخيل لحظة إلقائها على صديقاتها لترى من ستتلقفها اولا لتكون العروس التالية .. ثم نظرت نينا لورق حائط الغرفة الملئ بالزهور الأرجوانيه وشعرت أن هناك كثير من الفراشات ترقص حول هذه الزهور فرحة... حتى سقف الغرف الأبيض يحلق عنده يمامة بيضاء تنظر إليها بحنو وكأنها تخبرها :
آن لكِ بأن تسعدي يانينا فأنت تستحقي كل ماهو عزيز وجميل بالحياة وآن لكِ أن تسعدي بذلك السامر ويعوضك عن أعوام الألم والانتظار..
- شاهدت نينا تلك اليمامة تطير بأرجاء الغرفة ثم حطت عند حافة الشرفة وأخذت تطل خارج الشرفة ثم إلى نينا وترفرف بجناحيها بسرعة شديده ..
- ذهبت نينا صوب اليمامة البيضاء لترى ما تريد أن تخبرها ... رأت قضبان حديدية تفصل الشرفة عن الخارج وفجأة تحولت اليمامة إلى جسد خامد وتغير لونها للاسود .. جفلت نينا ورجعت إلى الخلف بجسدها ، لتصطدم بالفراش الأبيض
ثم طوت الغرفة كلها بنظرة واحدة وجسد مرتجف ، فوجدتها كلها بيضاء .. كلها بيضاء
لا وجود لورق الحائط ذو الزهور الأرجوانيه ... لا مرآة ، لا تسريحة
- أين ذهب الدولاب !!!
وضعت يدها بسرعه على عنقها... أذنها، صدرها، خصرها
ليس هناك قرط ... لا عقد ولا ثوب عرس من الدانتيل ...
نظرت لقدميها وجدتها بلا حذاء أبيض ...
- وجدت نفسها ترتدي بيجاما بيضاء وشراب قصير من القطن ... ربما من القطن
أو ماشابه .
- إتجهت صوب الباب الأبيض حاولت أن تفتحه وجدته بلا مقبض
وأين المقبض !!
أخذت تدق على الباب بلا صوت، فالباب رخو أملس ..
- ماذا أفعل الآن فسامر ينتظرني ... قطعاً يبحث عني
أخذت تبحث عن ذلك التليفون اللعين أين ذهب !! كان هنا فأين ذهب !!!
أتجهت نينا صوب الشرفة والقضبان وتلك اليمامة ... لا يمامة هناك لا شئ لا شئ سوى شجرة من الليمون تظهر من خلف الشرفة ... أليمون هذا !! أم حنظل كهذه اللحظة !!
- عادت نينا لتجلس على الفراش يكسوها حزن غريب ... من أين أتى ذلك الحزن أيضاً وما كل تلك الدموع التي تهطل من عيناي !!
أخذت تصرخ بكل مافيها : أنا نيناااااا أنا نيناااا انا هنا مازلت حية ..
سامر بالحديقة ينتظرني، يرتدي بدله الزفاف التي اشتريناها معا .. سامر سيعتقد أني هجرته، ثم بدء صوتها يخونها فيضعف ليرتجف جسدها رافضاً أن يضيع الوقت أو تضيع الأيام مع الأعوام مرة آخرى
- خارج تلك الغرفة بممر طويل بارد، يفصله باب آخر يطل على فناء واسع
تحت شجرة عجفاء مهجورة الأوراق ترقد أريكة خشبيه ظهرها ومسندها من الحديد كقلب ذلك " السامر " يجلس عليها وهو يدخن ... لا يرتدي بدلة زفاف، ولكن بنطلون اسود مع قميص اسود
قدمه تعانق الأخرى بملل، ينظر لحلقات الدخان التي تنعقد كمجلس عزاء فوق رأسه وهو يفكر كيف صنع بنينا ..
تلك " النادرة " كل هذا !!
- كيف تعامل معها بكل هذا السخف والحيوانيه وتلف الخيانات ولما !!!
حتى أكتشفت حقيقته يوم زفافهما من أربع أعوام مضوا ..
أصبح لا يربطه بها إلا هذه الزيارة السنوية بنفس الموعد ونفس المكان
-هناك بداخل غرفة نينا ...
ورق الحائط عاد يزينه الزهور وعاد الدولاب والتسريحه والمرآه ... تحلق اليمامة بسقف الغرفة ، وتطل شجرة الليمون من الشرفة
- نينا على فراشها منطويه على نفسها بوضع الجنين نائمة بهدوء
تحلم بذلك الموعد .. اليوم المحدد والحلم المؤجل وسامر ببدلة الزفاف تكاد تشم عطره تراه فاتحاً ذراعيه ليضمها قائلاً :
أنتِ ليِ كل الحياة وبكل النساء .