الكاهن (يوحنا الشفتشي) البطل الحقيقي في قصة اكتشاف رموز حجر رشيد
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
يوحنا الشفتشى كاهن قبطى مصري، عائلته تعمل في صياغة الذهب؛ ومنها جاءت كلمة الشفتشي التي يستخدمها صائغ الذهب للدلالة على خيوطه الدقيقة المنقوشة في حيز مفرغ من اللبة ولا يراها الناظر إلا فى شفافية الضوء؛ وصياغة الذهب كانت حرفة متوارثة بين الأقباط منذ أقدم العصور.
عثر العالم المصري الراحل الدكتور أنور لوقا
(1927- 2004) فى مخطوطات المكتبة الوطنية بباريس علي إشارة مقتضبة وردت فى خطاب من وزير الداخلية الفرنسي إلى أحد العلماء بالمدرسة المركزية يسأله رأيه فى الاستعانة بكاهن قبطي اسمه يوحنا يقال أنه واسع العلم باللغات الشرقية؛ كما عثر علي توصية من عميد مدرسة اللغات الشرقية يشيد فيها بفضل هذا الكاهن القبطي ويدعو الي الافادة من علمه.
وعثر أخيرًا علي تزكية مؤرخة بتاريخ 6 أبريل 1816م تحمل توقيعات سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين فى القرن التاسع عشر يثنون فيها علي ثقافة يوحنا الشفتشي الواسعة مع الاشارة الي زهده وتواضعه.
عمل الشفتشي كاهنًا مقيمًا بشارع سان روك بباريس لما قصده الطالب شامبليون ليأخذ منه دروسًا فى نطق اللغة القبطية. وظل راعيًا للأقباط المهاجرين لفرنسا؛ حتي قرر أن يرحل فى سنة 1825 إلي مرسيليا التماسًا للدفء وأنسب لحالته الصحية وتوفي فى نفس السنة كما تذكر بعض المراجع .
وتشير الآثارية دعاء خالد زكريا المتخصصة فى الآثار المصرية القديمة إلى أن نجاح العالم الفرنسي فرانسوا شامبيلون فى فك رموز اللغة الهيروغليفية فى عام 1822م لم يأت من فراغ أو بجهده وحده
بل استعان بكاهن قبطي يدعي يوحنا الشفتشي في مساعدته علي فك رموز اللغة الهيروغليفية وذلك عن طريق ربطها بقواعد اللغة القبطية؛ فلقد آمن شامبيلون بأهمية اللغة القبطية وأنها التطور الطبيعي للغة الهيروغلفية ؛لذا أفترض أن معرفته للغة القبطية سوف تساعده كثيرا فى فك رموز اللغة الهيروغليفية.
ولقد سجل هذه الحقيقة فى مذكراته اذ كتب يقول: "سلمت نفسي بالكامل الي اللغة القبطية؛ لقد أصبحت قبطيًا إلي درجة أن تسليتي الوحيدة الآن هي ترجمة كل ما يخطر علي بالي إلي اللغة القبطية؛ ثم اني أتحدث الي نفسي بالقبطية وقد تمكنت من هذه اللغة الي درجة أنني قادر أن أعلم قواعدها لأي شخص خلال يوم واحد، ثم يضيف: "لقد تتبعت تمامًا تسلسل الروابط التركيبية لهذه اللغة والعلامات اللى لا يمكن ملاحظتها؛ ثم حللت كل شيء تحليلًا كاملًا؛ وهو ما سيعطيني دون أدني شك المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام العلامات الهيروغليفية؛ وهو المفتاح اللى حتما سأعثر عليه".
ولقد ذكر شامبليون فضل الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي صراحة فى مذكراته اذ أرسل خطابًا الي أخيه يقول له فيه: "انني ذاهب إلي كاهن قبطي يسكن فى سانت روش فى شارع سانت هونوري وهذا الكاهن يعلمني الأسماء القبطية وكيفية نطق الحروف وانني أكرس الآن نفسي كلية لتعلم اللغة القبطية اذ أريد أن أتقن هذه اللغة مثلما أتقن الفرنسية
وأن نجاحي فى دراسة البرديات المصرية سيعتمد علي اتقاني لهذه االلغة القبطية .وهو أمر ذو أبعاد كبيرة".
كما ورد ذكر يوحنا الشفتشي ضمن مجموعة العلماء الذين ساعدوا فى إعداد كتاب وصف مصر، ولقد ذكر هذه الحقيقة وزير داخلية فرنسا فى خطاب مؤرخ عام 1802 اذ قال فيه: "جاءتني تزكية عن الكاهن القبطي المدعو يوحنا بأنه يتمتع بسمعة طيبة كعالم متمكن من اللغات الشرقية؛ وقد علمت أنه يمكن الاستفادة من كفاءته فى العمل العظيم الذى ينكب عليه الآن العلماء العائدين من مصر".