قرار محكمة العدل الدولية من منظور سياسي وقانوني
بقلم : المستشار شعبان حسن الجرجير
عضو اتحاد المحامين العرب
عضو الاتحاد الدولي لحقوق الطفل
أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة بناءا على الطلب المتفرع عن الدعوى الاصليه المقدمه من الفريق القانوني التابع لجنوب أفريقيا والتي تتهم فيها السلطة القائمة بالاحتلال الاسرائيلي بارتكاب جرائم ابادة جماعية بحق المدنيين في قطاع غزه خلال عدوانها المستمر حتى هذه اللحظه على قطاع غزه وقد طالب الفريق القانوني لجنوب أفريقيا في الطلب المتفرع المذكور بوقف اعمال إطلاق النار بالإضافة إلى تسعة تدابير وقتية أخرى .
لكن المحكمة لم تقرر وقف إطلاق النار واكتفت بإصدار بعض التدابير المؤقته أمرت بموجبها سلطات الاحتلال ما يلي
1_ رفض طلب اسرائيل رد الدعوى الاصليه
2 - قررت حق الفلسطينيين في الحماية من أعمال الإبادة
3- أمرت اسرائيل تجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان قطاع غزة
4- توفير الاحتياجات الإنسانية والمستلزمات الحياتية لسكان قطاع غزه
بالاضافه الى طلبها من سلطات الاحتلال رفع تقرير خلال شهر بشأن تلك التدابير سالفة الذكر.
وهذه الأوامر وفقا للبعض تعد انتصار حاسم لسيادة القانون الدولي ومنعطف مهم في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني وبأنه توجد دولة فوق القانون والعدل يسري على الجميع وهذا القرار يعني انتهاء حصانة اسرائيل وإعادة الاعتبار لمكانة القانون الدولي ووضع اسرائيل في قفص الاتهام تمهيدا للحكم النهائي بادانتها بارتكاب جرائم ابادة بحق الشعب الفلسطيني.
ومن الجدير ذكره بأن قرارات هذه المحكمة ملزمة للدول وفقا لنص الماده 94 من ميثاق الأمم المتحدة لذلك يجب على سلطات الاحتلال الاسرائيلي تنفيذ ما أمرت به المحكمة وفي حال رفضها ذلك يجب فرض عقوبات عليها واستصدار قرار من مجلس الأمن بالتزامها بذلك والبدء ومحاسبتها في المحاكم الوطنية الأوروبية والأمريكية استنادا لقرار محكمة العدل الدولية الذي يعتبر ان جريمة الإبادة والمعاملة عليها ذات اختصاص عالمي .
وفي هذا السياق يتعين على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بالبدء في فتح تحقيق حول ارتكاب جرائم ابادة جماعية في قطاع غزه فلم يعد له حجه قانونية بعد الآن من حيث الاختصاص خصوصا وأن جريمة الإبادة الجماعية تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وهذا القرار يمهد ويشجع دول اخرى للانضمام لجنوب أفريقيا في الدعوى المقامه حاليا أو رفع دعاوى جديده ما من شأنه زيادة الضغط على سلطات الاحتلال لوقف عدوانها .
ونقرأ من خلال قرار المحكمة بأن قبولها الدعوى واصدارها أوامر في الطلب المتفرع يعني إقرارا ضمنيا بأن سلطات الاحتلال قامت بأعمال تعطي المحكمة الحق في الاستجابة لدعوة جنوب افريقيا ويضبط العمليات العسكرية
بالاضافه الى إلزامه سلطات الاحتلال الاسرائيلي برفع الحصار عن المواد الاساسيه كالدواء والغذاء والماء وهو الأمر المهم جدا للفلسطينيين الذين يموتون جوعا في قطاع غزة.
بالاضافه الى الوانها بوقف القتل ووقف التحريض على الإبادة ومنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بوقوع جرائم ابادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني
ولكن ما حصل من إجراءات وقتية لا تمس اصل النزاع أو موضوع النزاع وهو ارتكاب جرائم ابادة ولا يشكل إدانة صريحة لاسرائيل بذلك .
وتوصف التدابير المؤقتة بأنها أوامر تصدرها المحكمة قبل حكمها في الدعوى الأصلية وهي جريمة الإبادة بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن اصلاحها وبموجبها تلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينه حتى تصدر المحكمة قرارها في موضوع النزاع.
ونحن نرى أن تلك الأوامر والتدابير المؤقتة ستؤدي حتما والضرورة بعد فترة ليست بالبليدة إلى وقف إطلاق النار .
نأمل حال رفع الأمر لمجلس الأمن الدولي الا يستخدم حق الفيتو واستبعد استخدام هذا الحق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في الظرف الحالي لأن تلك التدابير صادرة عن الجهاز القضائي للأمم المتحدة ومن أكبر محكمة عالمية وهي المكون السادس من مكونات الأمم المتحدة .
لذلك يجب على سلطات الاحتلال التنفيذ الفوري لكافة التدابير التي وردت في قرار المحكمة والتي تمثل بداية المسار لإنقاذ قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بشأن توفير حماية الشعب الفلسطيني.
وهذه التدابير التي فرضتها المحكمة تؤكد صحة تورط سلطات الاحتلال بارتكاب انتهاكات وممارسات وجرائم تشكل خرقا واضحا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية للعام 1948م وهذه التدابير تضع إسرائيل في مأزق دولي ويزيد الضغوط عليها حتى من حلفائها وسوف يتغير المشهد في القريب العاجل .
بكل الاحوال يمكن القول بأن هذه القرارات قد تمت صياغتها بتوازن وهي تشكل انتصار للعدل والقيم الإنسانية ومبادئ القانون الدولي وإنجاز قانوني لا يكتمل إلا بتنفيذه.
وهذه التدابير لا تشكل حكما فاصلا في الدعوى الاصليه فما زال أمام فريق جنوب افريقيا فرصة لتقديم المزيد من الأدلة التي تؤكد قوة موقفها وتورط اسرائيل بارتكاب جرائم ابادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
ختاما
يجب وقف كافة أشكال العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني بما في ذلك اعمال القتل والتشريد والتهجير والإبادة والتجويع والحصار بحق الشعب الفلسطيني
وعلى المجتمع الدولي تحمل مسئولياته القانونية لإنقاذ وحماية الشعب الفلسطيني والضغط على سلطات الاحتلال لوقف عدوانها وإدخال المساعدات الإنسانية وفتح ممرات امنه لخروج المصابين للعلاج وعودة النازحين لمدنهم وقراهم.