عيد الغطاس عبر التاريخ
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
يحتفلون المسيحيون يوم 19 يناير من كل عام بعيد الغطاس
( أبيفانيا Epiphany) وهو أحد الأعياد السيدية الكبرى، ويتلو في الأهمية القيامة والميلاد وعيد الغطاس أو عيد العماد وهو عيد يحتفل به المسيحيون لإحياء ذكرى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن، على يد يوحنا المعمدان ويحتفل مسيحيو مصر بعيد الغطاس يوم 19 يناير من كل عام.
وتختلف مظاهر الاحتفال بعيد الغطاس بين كل دول العالم، فلكل شعب تقاليده لكن في مصر كانت مظاهر الاحتفال لها خصوصية، إذ ارتبطت بالاحتفالات الشعبية، باعتباره عيدًا شعبيًا لكل المصريين، مسيحيين كانوا أو مسلمين، وتاريخ الاحتفال بهذا العيد ضارب في عمق التاريخ، ترتبط بكل طوائف الشعب المصري.
ونطوف مع الدكتورة أمنية صلاح المتخصصة فى الآثار والفنون القبطية لنرصد ماذا قال المؤرخون المسلمون عن هذا العيد.
العيد والمؤرخون المسلمون
وصف المؤرخون المسلمون احتفالات ليلة الغطاس في مصر، حيث كان يحتفل المسلمون إلى جانب الأقباط على ضفاف النيل، فذُكر مثلًا أنه في عصر الإخشيديين أُسرج من جانب الفسطاط ألف مسرج بأمر من الحاكم غير ما تولى المصريون إنارته من مصابيح.
وأشار المؤرخ المقريزي إلى الاحتفالات في كتابه
(المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار) مما يُعرف بالخطط المقريزية، حيث ذكر أنه كان للاحتفالات طابع رسمي وشعبي، وكان حاكم مصر نفسه ورجال حكومته يشتركون في الاحتفالات، ويأمرون بإقامة الزينة وإضاءة المشاعل وتعميم الأفراح الشعبية في كل مكان، وتوزيع المأكولات على الأهالي، وكان الناس يغطسون في النيل تبركًا بهذه المناسبة السعيدة.
وذكر المقريزي: "وكانت الخيام تُنصب على الشواطئ ويأتى الخليفة ومعه أسرته من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة، وتوقد المشاعل فى البر والبحر، وتظهر أشعتها وقد اخترقت كبد السماء لكى تزينها بالأنوار البهية". كما قال: "كان القبط يخرجون من الكنيسة في مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد، وفي ليلتي الغطاس والميلاد كانوا يسهرون حتى الفجر، وكان شاطئا النيل يسطعان بآلاف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة
وفي هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب وسمك البوري".
كما وصف المؤرخ المسعودي ليلة الغطاس في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) بكونها أحسن ليالي مصر، وقال: "ولليلة الغطاس في مصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها". وقال: " يحضر النيل في تلك الليلة مئة ألف من الناس من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل
ومنهم على الشطوط، لا يتناكدون الحضور، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس، وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف"
عادات شعبية
وتشير الدكتورة أمنية صلاح إلى ارتباط الغطاس بعادات شعبية منها تناول المأكولات الشعبية ذات الدلالات الدينية والروحية، مثل القلقاس والقصب؛ فعند غسل القلقاس تخرج منه مادة هلامية سامة تسبب ضررًا في الحنجرة، لكن اختلاطها (تغطيسها) بالماء تتحول إلى مادة نافعة، وفي ذلك رمزية للمؤمن الذي يتطهر من كل الخطايا في المعمودية.
وأيضًا جرت العادة الشعبية على تناول القصب في ذلك الاحتفال، فهو نبات مستقيم ذو قامة مرتفعة، يرمز لحياة الاستقامة الروحية والعلو للمؤمن، كما أنه ينقسم إلى عقلات وكل عقلة هى فضيلة اكتسبها فى كل مرحلة عمرية للوصول إلى العلو، كما أن القصب قلبه أبيض يفرز حلاوة كما يُستحب بالمؤمن أن يكون.
كما جرت العادة بصنع مصابيح مبهجة "فوانيس الغطاس" التي تتزين بها المنازل وهي عادة متوارثة، عبارة عن قناديل مصنوعة من البرتقال، وذلك بتفريغ الثمرات وزخرفتها بأشكال الصليب ووضع شمعة مشتعلة داخلها، لتتحول إلى مصابيح مبهجة (البلامبيصا).
العيد فى العالم
أن أبرز مظاهر العيد في الدول ذات الطابع الأرثوذكسي مثل روسيا وبلغاريا واليونان أن يُلقى صليب في البحر ويقوم شاب بالغوص لاسترجاعه والغطس في بِرك المياه المتجمدة وقد شهدت بنفسى احتفالات هذا العيد باليونان، ومن مظاهر الاحتفالات في إسبانيا وأمريكا اللاتينية خاصًة في كل من المكسيك والأرجنتين تقديم الهدايا من قبل المجوس الثلاثة ويرافق تقديم المجوس الثلاثة الهدايا مواكب واحتفالات ضخمة ترافقه موسيقى عيد الميلاد والزينة والأضواء والمفرقعات.
وتقوم لا بيفانا وهي مماثلة لأسطورة سانتا كلوز أو بابا نويل، في الثقافة الإيطالية بتقديم الهدايا للأطفال وفي مصر يبدأ الاحتفال بإقامة القداس الإلهي وترتيل بعض آيات الإنجيل ورفع البخور، ومن ثم مباركة المياه التي يتم الاحتفاظ بها كرمز لمياه نهر الأردن، ثم يبدأ الكهنة القداس بصلاة تعرف باسم "اللقان".
مسيحيو مصر
وينوه الدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة إلى أن هناك منطقة تسمى قصر الشمع بمنطقة مصر القديمة بجوار الكنائس الأثرية، حيث كان الأقباط يصنعون الفوانيس والشموع وكان عيد الغطاس عيدًا قوميًا تحتفل به مصر احتفالًا رسميًا وشعبيًا بلغ حده أن حاكم مصر نفسه ورجال حكومته وأُسرته ومعاونيه كانوا يشتركون فيه ويأمرون بإقامة الزينة وإيقاد النيران وإضاءة المشاعل وتعميم الأفراح الشعبية في كل مكان، وتوزيع المأكولات على الأهالي مع الصدقات على الفقراء وكان الناس يغطسون في النيل تبركًا بهذه المناسبة السعيدة.
وكان نهر النيل يمتلئ بالمراكب والزوارق ويجتمع فيها السواد الأعظم من المسلمين والمسيحيين فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل وتُشعل فيها الشموع وكذلك على جانب الشواطئ يُشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس وينزل رؤساء المسيحيين فى المراكب ولا يُغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل سويًا ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة واستمرت الاحتفالات بعيد الغطاس أجيالًا وقد سُجلت فى كتب التاريخ بأيدى مؤرخين مسلمين ومسيحيين كمظهر من المظاهر القومية فى مصر.
التعميد
أطلق اليونانيون على المعمدانية "فوتوستيريون" من الإسم فوتيسما وتعنى تنوير
والمقصود به المكان الذى يثقّف فيه الشخص أو ينّور والمعمدانية تبنى كحمام فيه يولد الشخص مرة أخرى بالماء والروح كما تسمى باليونانية كوليمفثرا وتعنى حوض أو جرن المعمودية.
وأن كلمة عمّد تعنى غسل بماء المعمودية، والمعمودية هى المبنى الذى تجرى فيه عملية التعميد، وطقس العماد هو الطقس الذى سبق اليهـود فيه المسيحيين والتعميد هو إشارة للحياة المتجددة وهى من سمات الكنيسة منذ نشئتها، حيث أن السيد المسيح تم تعميده واقفًا فى نهر الأردن، ويتم التعميد فى مياه جارية وإذ لم توجد ففى أى مياه أخرى، وحين البرودة فى مياه دافئة .
مدة التعميد أربعين يومًا حددت كآخر حدود السن المقرر لتعميد الأطفال الذكور وثمانين يومًا للإناث والتعميد هو أحد الطقوس المسيحية الغرض منه كما يعتقد هو تعميد أو تنصير الأطفال بعد ولادتهم وذلك بتغطيسهم فى الماء الموضوع فى جرن المعمودية ويقوم الكاهن بوشم الطفل وتدشينه ثلاث مرات الأولى حتى منتصف جسمه باسم الأب والثانية حتى منبت رقبته باسم الإبن والثالثة يغطس فيها الطفل كاملًا حتى آخر أطراف شعره باسم الروح القدس ويردد الكاهن أثناء عملية العماد تراتيل كنيسة معينة حينئذ سوف يقفز من الماء التى تهب له الحياة كطفلا جديدًا من رحم أمه الجديدة أى الكنيسة.