الكتابة المصرية القديمة أصل لغات العالم
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
اللوحات العاجية المكتشفة بمقبرة أم الجعاب بأبيدوس فى سوهاج تؤكد أسبقية مصر فى معرفة أول كتابة في التاريخ قبل الكتابة المسمارية السومرية بالعراق بمئات السنين.
وقد قام عالمي الآثار "إدوارد نافي" و"إريك بيت" بأعمال حفائر أثرية في منطقة أم الجعاب بأبيدوس بين عامي 1912 إلى 1919، ومنذ عام 1977 يقوم المعهد الألماني للآثار بالقاهرة باستكشاف أم الجعاب وإجراء الحفريات بها، تحت إشراف "فيرنر كايزر" وبعده "جونتر دراير" بالإضافة إلى اكتشافات علماء الآثار المصريين.
ويشير الباحث الآثارى باسم سليمان أبو خرشوف إلى أن بطاقات أبيدوس العاجية اكتشفها العالم الألماني جونتر دراير في مقبرة الملك العقرب الأول UJ في أم الجعاب في ابيدوس، و تعتبر أول وأقدم حروف هجائية في العالم.
و ترجع إلى عصور ما قبل الأسرات عصر نقادة ٣ حوالى ٣٢٠٠ قبل الميلاد، وأنه طبقًا لمعتقدات المصريون القدماء فإن الإله "جحوتى – تحوت" والذي مثّل بطائر أبو منجل وأحيانًا قرد البابون هو من اخترع اللغة وأول من خط بالقلم باعتباره إلهًا للكتابة والمعرفة، وقد رأوا أن جحوتى قد خلق الأصوات التي تكون الكلمات، ومن ثم اللغة وكان أول من كتب على الإطلاق، بل أن المصريون ذهبوا لأبعد من ذلك ورأوا أن لغتهم هي أصل كل لغات العالم.
وتعد اللوحات العاجية بأبيدوس أيضًا أقدم من نقوش سيناء الصخرية بمنطقة سرابيط الخادم وما حولها والمعروفة بالأبجدية السينائية أو البروتوسينائية التى تعود إلى عام 1500 ق.م عصر الدولة الحديثة والذى كان كان لها الفضل في اختراع الأبجدية الفينيقية.
والذى اعتبرها الدكتور خالد شوقى البسيونى أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية السياحة والفنادق بالإسماعيلية جامعة قناة السويس فى دراسة له أنها تمثل مرحلة مهمة وبارعة في سلسلة التطورات والتغيرات والمراحل الخاصة بالتحول من النظام الكتابي التصويرى إلى النظام الكتابى الخطى إضافة إلى أنها كانت مرحلة فارقة على الطريق نحو ظهور الأبجديات وكل منهما يكمل الآخر في تاريخ الكتابة والانتقال من عصر النقوش والرموز والعلامات التصويرية إلى عصر الخطوط والحروف الأبجدية مما كان له الأثر الضخم والكبير على الشكل والمضمون للثقافة والهوية الحضارية إقليميًا وعالميًا.
وأرّخ عالم الآثار جاردنر النقوش السينائية بعصر الأسرة الثانية عشر الدولة الوسطى في القرن الثامن عشر قبل الميلاد العصر الذهبى لاستغلال مناجم النحاس بمنطقة سرابيط الخادم، بينما أرخها وليم أولبرايت بعد أعمال البعثة الأفريقية لجامعة كاليفورنيا إلى عام 1500 ق.م عصر الدولة الحديثة مثلما ارتأى عالم الآثار البريطانى فلندرز بترى.
وطبقًا لدراسة الدكتور خالد شوقى البسيونى فإن النقوش السينائية انتقلت إلى الكنعانيين "سكان فلسطين والساحل الفينيقى وأجزاء كبيرة من الإقليم السورى" في العصر البروزى المتأخر وهو عصر الدولة الحديثة في مصر القديمة.
ونتيجة احتياج الكنعانيين في فلسطين وفينيقيا وسوريا إلى نظم وطرق كتابية متباينة من بلاد ما بين النهرين وهو الخط المسمارى، ومن مصر وهى الكتابة التصويرية، جعل أرضهم منطقة عبور بين قارات العالم القديم وبذلك تمكنوا من اختراع نظم كتابية جديدة ومتطورة ومرنة لتسجيل وكتابة لغاتهم ووثائقهم وتلبية احتياجاتهم الإدارية والثقافية والفكرية وهى الأبجدية الفينيقية ذات الخطوط المستقيمة التي انحدرت منها الخطوط الآرامية والعربية والعبرية والأمهرية وغيرها من الخطوط الشرقية إلى جانب الخطوط الإغريقية واللاتينية وجميع الخطوط الأوروبية المأخوذة عنها.
وبذلك فقد أهدت مصر العالم الكتابة وبفضلها وأسبقيتها جاءت كل أبجديات العالم، وقد استخدم المصرى القديم فى البداية صورًا لترمز إلى أصوات أولية للكلمات، إستوحاها من بيئته في ذلك الوقت من نبات وحيوان وأعضائها ومن الإنسان وأعضائه ومن مصنوعاته وغيرها مثل الفم وينطق (را)، والعين وتنطق (يري) والعرش وينطق (ست) والبيت وينطق (بر) أو الثعبان (فاي) ويؤخذ منها الحرف الأول (ف)، والبومة (م) والحدأة (أ)، كما استعملوا رموزًا دخلت فيما بعد إلى الكتابة العربية مثل (هـ) و(و) و(ش).
كما أخذ المصريون أيضاً أسماء ذات حرفين للتعبير عن حرفين متتاليين: مثل البيت (بر)
والعرش (ست)، والأرنب (ون). كما استعملوا من بعض الكلمات ثلاثة حروف، مثل:
عنخ (ومعناها حياة)، وحتب
(ومعناها راضي أو قربان)، ونفر
(ومعناها جميل).
ونشأت الهيراطيقية والديموطيقية من الهيروغليفية، ونشأت منها الأبجدية السينائية الأولية والتي تطورت لاحقًا لتصبح الأبجدية الفينيقية من خلال الأبجديات الناشئة عن الفينيقية مثل الألفبائية اليونانية والأبجدية الأرامية وبذلك فالهيروغليفية المصرية أصل أغلبية نظم الكتابة المستخدمة في العالم حاليًا مثل الأبجدية اللاتينية والكيريلية والعربية.