سيرة الجيش في مصر القديمة، سلسلة تنفرد بها دايلى برس مصر (4)
كتب - د.عبد الرحيم ريحان
نستكمل سلسلة مسيرة الجيش فى مصر القديمة الحلقة الرابعة من خلال دراسة علمية للباحث الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي عضو فريق أحفاد الحضارة المصرية.
وتتضمن هذه الحلقة أعظم انتصارات الجيش المصرى على الهكسوس، الذى نجح المصرى القديم بجيشه البري وبأسطوله البحرى في دخول عاصمة الهكسوس أواريس (حاليًا هى تل الضبعة مركز فاقوس محافظة الشرقية) حيث اجتاح الجيش المصري المدينة ففر الهكسوس من أمامه ثم تحصنوا في حصن( شاروهين) جنوب غزة، وظل الجيش المصري يحاصرهم لسنوات ثلاث حتي سقط الحصن
وقضي الجيش المصري علي الهكسوس تمامً،ا ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك، وهكذا كتب الخلود للملك أحمس الأول الذي أنقذ مصر من هذه المحنة.
دروس مستفادة
ويشير الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي إلى الدروس المستفادة من حرب الهكسوس وهى أن حرب الهكسوس فرضت على المصريين أن يتحولوا من دعة سلام فقط إلى جنود أشداء يفرضون اسم مصر علي جيرانهم.
وأدراك الحكام والقادة العسكريون أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع، فبنوا سياستهم علي أساس الخروج لتأمين الحدود وتوسيعها علي حساب الآخرين إذا تطلب الأمر ذلك ، واستوعب المصريون السلام الجديد الذي اتي به الهكسوس إلي مصر وهو العجلة الحربية، فقد تعلم المصريون كيف يصنعون هذا السلاح ويستخدمونه، وبنفس السلاح الذي هزموا به أعدائهم انطلقت الجيوش المصرية نحو حدودها شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا فكونوا واحدة من أضخم الإمبراطوريات فى العالم القديم.
الجيش في الدولة الحديثة
بدأت مصر فترة تاريخية جديدة هي الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية وأصبحت طيبة العاصمة وانطلقت منها الجيوش وأقيمت الحاميات والمعسكرات في شرق البلاد وغربها وجنوبها، وتم تنظيم الفرق والألوية والسرايا، وازدهرت صناعة السلاح والمعدات الحربية، وازداد الجندي المصري خبرة ومهارة وهكذا بدأت مصر أعظم فترة عسكرية في تاريخها، بعد أن أصبح لها جيش موحد، وتزخرف جدران المعابد واللوحات أخبار انتصارات الجيش المصري وفتوحاته هنا وهناك، وتقديم الأوسمة والنياشين من قبل ملوك مصر للقادة العسكريين ووضع الخطط للجيوش في المعارك حسب طبيعة العدو وظروفه وعدد أفراد جيشه وطبيعة أرضه وموقع المعركة.
وينوه الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي إلى أن الدولة الحديثة علي نقيض سائر العصور الأخري من التاريخ المصري القديم، اذ كانت ذات طابع حربي فقد تدرب الجيش المصري اثناء حرب التحرير ضد الهكسوس، واهتدي في طردهم وملاحقه فلولهم إلي ذلك الواجب العظيم، واجب الدفاع عن تراب الوطن والذي ظل يؤديه باقتدار.
تكوين الجيش وخططه
أصبحت مصر امبراطورية مترامية الأطراف وأصبحت ملامح الجيش المصري واضحة، فالسرايا والفرق محددة العدد والعدة، ويحمل كل منها اسم واحد من الآلهة أو الملوك، فهناك فرقة الرماه وفرقة المركبات وفرقة الأقواس التسعة وسرية آمون وسرية بهاء قرص الشمس وهناك أيضًا
(حملة الأعلام)
وكان الجيش يتكون من مقدمة وقلب وميمنة وميسرة، بالإضافة إلي العناصر المساعدة في المقدمة والمؤخرة، ولقد اتبع الجيش المصري الكثير من الخطط العسكرية التي كان من بينها الحرب المفاجئة، والتي قصد منها مهاجمة العدو من حيث لا يدري، ثم هناك التراجع التكتيكي لإعاده تنظيم الصفوف والتمويه والخداع وفرق الاستطلاع الحربي.
وفي ظل هذه الروح للجندي المصري والجيوش المدربة والأسلحة المتقدمة تحقق للجيش المصري العديد من الانتصارات، ولقد سجل لنا التاريخ في الدولة الحديثة الكثير من المعارك التي خاضها الجيش المصري وحقق فيها انتصارات باهرة، أشهرها معركة مجدو التي جرت أحداثها في عهد الملك تحتمس الثالث أشهر القادة العسكريين في مصر القديمة والتى تزخرف جدران معبد الكرنك فيما يسمي بصالة الحوليات، وبها أخبار حملات الملك تحتمس الثالث وتفاصيل المعارك التي خاضها من خلال 17 حملة عسكرية علي البلاد الخاضعة للامبراطورية المصرية كبلاد سوريا وفلسطين والنوبة
تحتمس الثالث أعظم قائد فى التاريخ
ويتابع الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي أن تحتمس الثالث تولى عرش البلاد بعد موت الملكة حتشبسوت التي كانت قد نحته جانبًا وانفردت دونه بالحكم ولما حانت له الفرصة لم ينطلق من عقاله دفعة واحدة، وتعد أعمال تحتمس الثالث العسكرية مفخرة يعتز بها التاريخ الحربي في العالم القديم، فهو أول من نظم الجيوش وقسمها إلي قلب وجناحين وأول من درس ساحة القتال قبل أن يخوض المعركة وأول من نفذ الحرب المفاجئة.
وقارنه بعض المؤرخين بالقائدين التاريخيين الاسكندر الأكبر ونابليون بونابرت ويعتبر تحتمس الثالث أول منشىء للامبراطورية المصرية، فهو الذي أخضع الشعوب الأجنبية لسلطان مصر، وكان ملك الآسيويين يدفع الضرائب والجزية ويرسل الهدايا إلي مصر.
وفي إطار علاقة مصر بسوريا كان هناك أمير قادش التى تقع في الشمال من دمشق يحرّض أعداء مصر عليها، وكانت هناك مملكة (ميتاني) التي أصبحت قوة يحسب لها الحساب، ومع بداية حكم تحتمس الثالث أخذت بعض الشعوب الخاضعة لمصر تتمرد علي الحكم المصري، مما اضطره إلي أن يخرج علي رأس جيش في العام الأول من حكمه عن طريق حورس الحربي وهو الطريق الذي يبدأ من حصن (ثارو)عند القنطره شرق وينتهي عند (رفح ) ليصل إلي غزة بعد تسعة أيام، قطع خلالها ما يزيد عن ٢٠٠كم، وقطع المنطقة الثانية إلي منطقه (يحم) الواقعة علي بعد ١٣٠كم في عشرة أيام إلي أن وصل إلى جبل الكرمل وأقام معسكرًا هناك.
وجمع تحتمس الثالث أعضاء مجلس الحرب ليستشيرهم في أفضل الطرق وأكثرها أمنًا للوصول إلي مجدو في أقصر وقت دون أن يتكبد الجيش المصري خسائر كبيرة أو يتعرض لمفاجآت ، وخيّر تحتمس الثالث أعضاء مجلس الحرب بين طريقين الأول يمر عبر جبل لن يسمح بمرور جنود الجيش ومركباتهم إلا في صف واحد، والثاني يدور حول الشمال الغربي عبر إحدي المدن هناك وينتهي في السهل الشمالي من مجدو أو يتجه جنوبًا إلي ناحية الشرق نحو مدينة أخري ثم يعود فينحرف إلي الشمال الغربي حيث يمر الطريق بحافة الجبل ليدخل من الجنوب الشرقي نحو مدينة أخري.
ورأي المستشارون أن الطريق الأول خطرًا عليهم وفضلوا اجتياز الطريق الثاني الأسهل والأكثر أمنًا فعمل تحتمس الثالث علي اجتياز الطريق الأول الأصعب والأخطر، بسبب خبرته العسكرية المتميزة كما أن العدو لا يتوقع اجتيازه لهذا الطريق ويستبعده تمامًا، وكان تحتمس الثالث محق فما قاله فبالفعل تمركزت قوات العدو علي الطريق الثاني معتقدين أن الجيش المصري سوف يسلكه باعتباره الأسهل.