سيرة الجيش في مصر القديمة، سلسلة تنفرد بها دايلى برس مصر (5)
كتب - د.عبد الرحيم ريحان
نستكمل سلسلة مسيرة الجيش فى مصر القديمة الحلقة الخامسة والأخيرة من خلال دراسة علمية للباحث الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي عضو فريق أحفاد الحضارة المصرية.
الصراع مع العبرانيين
في العام الخامس من حكمه انتهز الملك شاشنق فرصة الشقاق في مملكة العبرانيين وتحرك الجيش المصري وعلي رأسه الملك (شاشنق) نحو فلسطين واستولي علي المدن واحدة بعد الأخري، وأحرز انتصارًا بدخول القدس، واستعادت مصر شيئًا من مجدها في آسيا، حيث أخذت الولايات تتصارع في تقديم الولاء والطاعة للملك المصري، وقد سجلت أخبار هذه الانتصارات علي جدران معبد الكرنك.
وبقدر ما كان الجيش المصري بمثابة أداة للدفاع عن مصر وممتلكاتها في الخارج، فكان أداة لتحقيق الاستقرار الذي مكن مصر من وضع قواعد لجيشها منذ القدم، وهي غاية في الابداعات لدي مصر حتي الآن، وكان الجيش أداة لتأصيل القيم والتقاليد والمبادي والمثل، وهو الأمر الذي يجسد الدور الحضاري الذي تفرد به الجيش المصري عن غيره من جيوش العالم القديم.
الدور الحضاري للجيش المصري داخل البلاد
يشير الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي إلى دور الجيش المصري منذ نشأته وطوال التاريخ المصري القديم، الدور الأول وهو الدور الرئيسي باعتباره مؤسسة عسكرية تقوم بالدفاع عن البلد وحدوده والتأمين والعقاب وقت الضرورة لمن تسول له نفسه الاعتداء على أرضها، الدور الثاني فهو دوره في الحياة المدنية والذي يتمثل في المساهمه مع المدنيين في اقامه المشروعات الضرورية لتنمية البلاد.
ويوجد بعض النصوص المصرية القديمة التي تشير إلى دور العسكريين المصريين في استصلاح الأراضي وشق الترع وإقامة السدود وتدعيم شواطىء نهر النيل وفروعه لتجنب خطر الفيضان، والتدخل في بناء المشاريع في القري والمدن وفي بناء المعابد والمنشآت الدينية والمدنية، وتشير بعض المصادر إلي دور بعض المتعلمين المشاركة في تعليم التلاميذ في مراحل التعليم، والدور الزراعي لهم والصناعات الحرفية والعمارة والتجارة داخل البلاد وخارجها وكان العسكريون يتطوعون قبل أن تستقر فكرة الجيش المنظم في وقت السلم ويعملون علي مشاركة المدنيين في كافة الأعمال.
وكان لهم دورًا في دخل البلاد لا يقل أهمية عن دورهم في تحقيق التقدم والازدهار للبلاد، وهو تأمين البلاد من الداخل مع قوات الشرطة، فكانوا حراس حدودها، ويأمّنوا بعثات المناجم والمحاجر إلي سيناء والصحراء الشرقية والغربية والواحات، ويقومون بمساعدة الشرطة في تأمين حياه الملك وأسرته وكبار رجال الدولة وتأمين الاحتفالات والأعياد الدينية والمدنية من حيث الإشراف والتنظيم والحماية وتأمين الملاحة في نهر النيل وحماية جميع مرافق الدولة.
الدور الدبلوماسى للجيش
ينوه الآثارى محمود أحمد فوزي الشبراوي أن الجيش المصري كان له دورًا دبلوماسيًا في دعم العلاقات بين مصر وجيرانها، حيث كان يخرج الجيش خارج البلاد شرقًا وغربًا وجنوبًا فى محاولات للتعرف علي أحوال الجيران وتوثيق الصداقة واستكشاف كل ما هو جديد لهم.
فمنذ الأسرة الرابعة خرجت الحملات لأغراض سلمية فالملك سنفرو أول ملوك الأسرة الرابعة أرسل أسطولًا إلي (فينيقيا) لبنان حاليًا يتكون من ٤٠ سفينة لجلب خشب الأرز التي تشتهر به جبال لبنان لصنع بوابات قصر الملك، وفي الأسرة الخامسة في عهد ساحورع خرجت بعثة مصرية إلي بلاد بونت لجلب البخور المستخدمة بكثرة في المعابد.
وفي الأسرة السادسة خرج بعض حكام أسوان متجهين إلي الجنوب عند وادي حلفا في محاولات للتعرف علي بلادهم، وفي الأسرة الثامنة عشر أرسلت حتشبسوت بعثة إلي بلاد بونت تتكون من خمس سفن يقودها قائد الأسطول الذي يصاحبه ضابط وثمانية جنود، وهى مصورة علي معبد الدير البحري للملكة حتشبسوت بالبر الغربي بالأقصر، وعادت البعثة بالبخور، ووجود تجاره مصر الخارجيه مع سوريا وفلسطين وجزر البحر المتوسط مثل كريت وقبرص.
الجيش المصري والأخلاقيات
إن تقييم الجيش المصرى لا يتم من خلال إنجازاتها العسكرية وتسليحها وخططها فقط، بل من خلال منهجها الأخلاقي الذي تتعامل به مع أعدائها أثناء الحرب، وهذا المنهج يعبر عن أصالة الإنسان المصري وتمسكه بالمبادىء والأخلاقيات والمثل حتي وهو يتعامل مع العناصر المعادية له.
والجيش المصري يقاتل دفاعًا عن العرض، وكان يتعامل بكل تحضر عندما يتعرض إلي المدنيين مدركًا أن قوته ليست في عسكريته فقط ، ولكن في سلوكه خارج الإطار العسكري، ففى الأسرة السادسة في عهد بيبي الأول خرج بحملة عسكرية إلى فلسطين بقيادة (اوني ) الذي سجلها علي مقبرته في أبيدوس حيث يستعرض الأسلوب المتحضر الذي مارسه المصري القديم في الحرب.
وكان الجيش المصري في عهد تحتمس الثالث يقوم بتسجيل الغرائب التى يراها في البلدان الذي يفتحها كالطيور والحيوانات والأشحار والنباتات والخضروات والفواكه التى لم تكن معروفة في مصر، وهي مسجلة علي القاعة التي تعرف بقاعة النباتات والحيوانات في معبد الكرنك بالأقصر.
معاملة الأسرى
من بين دلالات تحضر الجيش المصري قديمًا وحديثًا أسلوب تعامله مع الأسري في الحرب، وتشير النصوص المصرية القديمة المسجلة علي جدران المعابد وعلي العديد من الآثار إلى المبادىء الراسخة في تقاليد الجيش المصري ومنها مبدأ حسن معاملة الأسري، وعلي امتداد فترة العسكرية المصرية في الدولة الحديثة، كان المصري القديم يقوم بتسجيل جميع الأحداث علي جدران المقابر والمعابد.
الجيش المصري أداة لتحقيق السلام
حرص المصري القديم علي السلام لإدراكه أنه أداة لردع العدو وتحقيق السلام بين مصر وجيرانها، ومن أمثلتها المعارك الطاحنة التي دارت بين جيش مصر في عهد الملك رمسيس الثاني وجيش الحيثيين في عهد الملك موتلي ومن بينها معركة قادش الشهيرة وبعد وفاة الملك الحيثي موتلي تولي الملك خاتوسيلي وأقاموا المعاهدة بين الملك المصري والملك الحيثي وكان ذلك في العام ٢١من حكم الملك رمسيس الثانى في العام ١٢٨٠قبل الميلاد، وأصبح ملك الحيثيين وملك مصر في ود ورخاء، وبهذه المعاهدة نصوصًا تتعلق باللاجئين وأخري تتعلق بالدفاع المشترك، وهذه المعاهدة هى التي أنهت الحرب بين البلدين.