"الرسومات الجدارية لمنازل واحتي الداخلة والخارجة خلال العصر الروماني" ماجستير بجامعة عين شمس
كتب: د.عبد الرحيم ريحان
تناقش رسالة ماجستير مقدمة من الباحثة السورية غرام نبيل الشحاده، تحت عنوان "الرسومات الجدارية لمنازل واحتي الداخلة والخارجة خلال العصر الروماني
وتتكون لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور إبراهيم سعد إبراهيم صالح أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة طنطا (رئيسًا ومناقشًا)، الدكتور خالد غريب علي أحمد أستاذ ورئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية بكلية الآثار جامعة القاهرة (مناقشًا)، الدكتورة نجوى عبد النبي عبد الرحمن إبراهيم أستاذ الآثار اليونانية والرومانية المساعد بكلية الآثار جامعة عين شمس (مشرفًا ورئيسًا)، الدكتورة شيماء عبد المنعم عبد الباري أحمد أستاذ الآثار اليونانية والرومانية المساعد بكلية الآثار جامعة عين شمس (مشرفًا مشاركًا)
وذلك فى تمام الواحدة ظهر الإثنين الموافق 5 فبراير الجارى بقاعة المؤتمرات بكلية الآداب جامعة عين شمس
مضمون الرسالة
تتناول الرسالة نوع من الفنون كَشفت عنه التنقيبات الأثرية وهو التصوير الجداري الذي زيَّن جدران المنازل الرومانية في واحتي الداخلة والخارجة في مصر، حيث سعت الدراسة للاهتمام بهذا الفن سريع الاندثار للتأكيد على وجود مدن مشابهة لمدينة بومبي إلا أن الظروف السيئة عملت على اندثارها
كما هدفت الدراسة للتوثيق المنظَّم والدقيق لهذه الرسوم وشرح تفاصيلها ومصادر ألوانها ورمزياتها، فاحتوت الدراسة على تمهيد يتضمن تقنيات التصوير الجداري، وذكر لأساليب بومبي لنتمكن من تصنيف التصاوير تبعًا لها، وفي الفصل الأول ذُكِر سرد لتاريخ الواحات والتركيز على واحتي الداخلة والخارجة وجغرافيتهما، كما احتوت على تفصيل عمارة المنازل الرومانية في مدينة الأمهِدة وقرية اسمنت الخراب ودوش ومنازل في مناطق رومانية أخرى
وفي الفصل الثاني تمَّ شرح التصاوير الجدارية في الأمهدة واسمنت الخراب ودوش بالتفصيل الدقيق، أمّا الفصل الثالث فاحتوى على مقارنة لهذه التصاوير مع تصاوير من مناطق أخرى أو من فنون أخرى كالفسيفساء والنحت وغيرهما، وتحديد التقنية التي اتبعها الفنانون لتصاوير جدران المنازل المدروسة، كما تم التركيز على الألوان المستخدمة في التصاوير المتناولة من ناحية مصدرها ورمزية هذه الألوان وانتشارها، ثُمَّ تمَّ تصنيف هذه التصاوير حسب أساليب بومبي الأربعة تبعًا لطريقة التنفيذ والموضوعات والألوان المستخدمة.
أهمية الرسالة
وتكشف الدراسة عن أكثر الأساليب شيوعًا في منازل واحتي الداخلة والخارجة ونوع التقنية المستخدمة وسببها، كما بيَّنت المناطق السباقة بنوع زخرفة معين أو تصوير ما، وأشارت لأصل الفنانون الذين قاموا برسم هذه الزخارف
وكذلك تسليط الضوء على منازل واحتي الداخلة والخارجة لاحتوائها على فن جميل وهام وقليل الوجود والصمود بسبب صعوبة الحفاظ عليه بالطريقة المثلى، حيث يعد الفريسك من الفنون المميزة التي تكشف عن الكثير من طبائع المجتمع وخاصة عندما يُعثر عليه في البيوت فهو يشير إلى نظام الحياة السائد في تلك الفترة، واهتمامات المجتمع حتى تمَّ التصوير على جدران منازلهم ومعرفة ما هو الشيء الذي كان يتم التركيز على اتقانه من خلال الرسوم السائدة سواءً -هندسية أو نباتية أو آدمية وغيرها-، كما كشفت عن الدور الذي لعبته المنازل، ودور واحتي الخارجة والداخلة في الفترة الرومانية.
وكذلك درجة التأثر والتأثير في المناطق الرومانية الأخرى، وبالحضارات السابقة، ومن جانب آخر مقارنة التصاوير بتصاوير مدينة بومبي ومناطق مختلفة من الامبراطورية، ومعرفة مصادر الألوان التي اُستخدمت واستنباط رمزيات هذه الألوان.
كما أن وجود تصاوير مدينة بومبي الرومانية يثير التساؤل للبحث عن تصاوير في منازل تعود لنفس الفترة في مصر، وعندما تمَّ العثور على هذه التصاوير لابدَّ من أن تتم دراستها بطريقة منظمة فعالة.
مصر أم الدنيا
وأعربت الباحثة السورية غرام نبيل الشحاده عن سعادتها بالدراسة فى مصر أم الدنيا وأم العلوم لتطبيقها فى سوريا في مجال علم الآثار
وقد واجهت الباحثة صعوبات بكون أغلب المنازل الموجودة في الواحات مندثرة وتحت الأنقاض وهذا أدى لصعوبة في دراستها والتعرُّف على موقعها بشكل دقيق، فاقتصرت دراسة بعض الصور من خلال تقارير الحفائر التي قدمتها بعثات التنقيب التي عملت في الموقع بعملية إعادة الرسم.
كما أن الكثير من التصاوير الجدارية مهشمة وليست في حالة جيدة في أجزاء كبيرة منها، وهذا أدى أيضًا لصعوبة في دراستها والعمل في بعض الأحيان لتخيل إكمال الصورة المفقودة من خلال تصاوير مشابهة لها، وندرة الكتب التي تتناول رسومات المنازل الرومانية باستثناء منازل بومبي، وخاصة منازل الصحراء الغربية لمصر، واقتصار أغلب المعلومات عنها على تقارير ونتائج الحفائر ومراجع ضئيلة.
بالإضافة إلى الصعوبات التي تعرضت لها في سفرها إلى واحتي الداخلة والخارجة لتتمكن من معاينة المواقع عن قرب بإجراء التصاريح والموافقات الأمنية للدخول للمناطق الأثرية.
نتائج الدراسة
نوهت الباحثة غرام نبيل الشحاده إلى بعض النتائج الهامة التى توصلت إليها فى دراستها وهى أن التصاوير الجدارية ظهرت في منازل السكان ذو الطبقات الغنية والمرموقة في المنطقة، ولم يتم تزيين جميع غرف المنزل بالتصاوير بل اقتصرت هذه التصاوير على غرف بعينها، واستخدمت التصاوير الجدارية لعدة أغراض: كالغرض الديني فظهرت الآلهة بمخصصاتها.
ولا يمكننا أن نجزم بعدم وجود التصاوير في منازل السكان العاديين، فحتى الآن لم يُكشف إلا عن جزء بسيط من المدينة، ومن الدراسة والآثار الظاهرة في اسمنت الخراب حاليًا يبدو أنه تمَّ تزيين منازل الكثير من السكان، لكن مع اختلاف التقنيات والمواضيع المصورة، فربما كانت تقتصر على تلوين للجدران فقط بالنسبة للطبقات الفقيرة.
كما اعتمدت التصاوير الرومانية على التفريق بين لون بشرة الذكور عن الإناث، حيث أُعطي الذكر لون بشرة داكنة وتختلف بشكل واضح عن لون بشرة الأنثى الفاتحة، ويندرج هذا التمييز تحت التأثيرات المصرية، كما تشير الحدود الواضحة للرسم في واحتي الداخلة والخارجة على تدخل أكثر من فنان في التصوير الواحد، أي أن أحدهم يحدد الخطوط الأساسية للتصوير ويرسم ويقوم آخر بإضفاء اللون على هذا التصوير.
ولم تأخذ ورشة التصوير الجداري في الواحات المواضيع المصوَّرة كما هي، بل عدّلت عليها وأضافت الكثير، يوجد الكثير من تصاوير مشاهد الحب والغرام في قاعات المآدب في مختلف المنازل الرومانية وأكدَّ على ذلك منزل سيرينوس بتصويره مشهد أفروديتي وآريس، وبيرسيوس وأندروميدا، والساتير والمايناد، والكيوبيد وغيرهم من التصاوير المحببة في المآدب، ويُفسِر تجوال بعض الفنانون في أرجاء الامبراطورية انتقال المواضيع المصورة والألوان والتقنيات من مكان لآخر.
كما توصلت الدراسة إلى أن تصاوير الغرفة المطلية في دوش يعود على الأغلب لآلهة تمت عبادتها في تلك الفترة أو أباطرة عاصروا فترات السكن فيها، وتم الاستفادة من هذا المنزل بأن يكون حامية عسكرية ومركزاً للمراقبة، وتشير غزارة الزخارف التي تسعى لمنع الحسد وطرد الشر مثل الميدوزا والزخارف الهندسية المختلفة في منازل واحتي الدخلة والخارجة لانتشار مبدأ الحسد في تلك المناطق ويعود مرد ذلك للفقر وضنك العيش الذي كان يشعر به السكان.
كما تمَّ تطبيق تصاوير منازل واحتي الداخلة والخارجة بطريقة الفريسك، إلا أنه في أماكن أخرى طُبِقَّت نفس المواضيع بالفسيفساء، ويعود مرد ذلك للحالة الاقتصادية البسيطة التي كان يعيشها سكان الواحات حيث أن تقنية الفريسك أقل في التكلفة من تقنيات أخرى، كما أخذ اللون الأحمر والأرجواني النسبة الأعلى في تصاوير المنازل المدروسة، فكثرة استخدامه في هذه الفترة يعود لمحاولة إظهار الرفاهية والترف، وهذا واضحًا في منزل سيرينوس ودوش واسمنت الخراب، يليه الأبيض حيث نجد جدران كاملة في المنازل المدروسة لُونت بالأبيض ويعود ذلك لزيادة الإنارة في غرف المنزلالناجمة عن انعكاس الضوء داخل المنزل، ثُمَّ الأخضر يليه الأزرق الذي لم يظهر كثيراً، ثُّمَّ الأصفر الذي ظهر بشكل طبيعي ومرموق، ويشابهه ظهور الأسود.
لم تكن واحتي الداخلة والخارجة بعيدتان عما كان يحصل في أرجاء الامبراطورية بالرغم من توغلهما في قلب الصحراء وبُعد الطريق لهما، إلا أن العلاقات التجارية وأهميتهما جعلتهما تواكبان التطورات في العالم آنذاك، فتمت زخرفة جدران منازلهما بما كان سائداً في تلك الفترات من تصاوير وإن كانتا متأخرتان قليلاً عن غيرهما من المناطق مثل بومبي، كما أضافتا على التصاوير ماهو محلي مبتكر منهما وجديد عن باقي المناطق.
كان السبب الرئيسي بغزارة المواضيع المصوَّرة في الغرفة -1- في منزل سيرينوس هو استخدامها للاجتماعات وكقاعة مآدب كون سيرينوس عضو مهم في المدينة وزائروه كُثُر، بالإضافة لرغبته في التفاخر بثقافته اليونانية وعلمه وسط مجتمع أقل منه ثقافة فصوَّر مواضيع مختلفة متنوعة بشكل كبير في غرفة واحدة، بينما في بومبي فالفرد لا يحتاج للإكثار من تنوع المواضيع كونهم سواسية في الثقافة.