رحلة البحث عن الذات في عوالم خفية
الدكتور حسام أبو العلا يتألق في جاليرى نوت بالزمالك
الدكتور حسام أبو العلا يتألق في جاليرى نوت بالزمالك
كتبت - منى منصور السيد
"هناك أشياء عندما تحدث في الظلام لا قيمة لأي شئ بعدها"
عبارة للكاتب المسرحي تينيسى وليامز كانت هي الإلهام والفكرة التي فجرت ينابيع الإبداع لدى الفنان حسام أبو العلا حيث أدرك أن الإنسان طوال الوقت يخفى بعض الأحداث والأشياء فى منطقة خفية لا يصرح بها لأحد فكانت رحلته للبحث فى أغوار نفسه ليخرج لنا تلك العوالم الخفية في رحلة البحث عن الذات.
والدكتور حسام ابو العلا من مواليد القاهرة 1962وظهرت الميول الفنية لدية فى فترة الثانوية العامة ولم يحالفه الحظ وإلتحق بكلية التجارة ولكن حبه للفن جعله يحاول الإلتحاق بأكاديمية الفنون لسبع مرات متتالية وحالفه الحظ فى النهاية وقبل بالأكاديمية وتغلب حبه للمسرح والتمثيل وهو بالجامعة فدرس فن المسرح لما له من دور عظيم فى نشر الثقافة فى المجتمع وكانت دراسته فى مجال النقد المدرسى واستمر فى الدراسة فحصل على الدبلومة العليا والماجستير والدكتوراة فى مجال الفن والإبداع .
وعين بالمسرح القومي كناقد فنى وفى مرحلة الدكتوراة مارس التدريس في معهد السينما لمادة الدراما .
وكان طوال حياته في رحلة البحث عن ذاته ومعرفة مركز كفاءته على حد تعبيره بداية بالتمثيل ثم النقد ثم في مجال التنمية البشرية وتوسع به وحاضر به آلاف المحاضرات.
وفي سن الخمسين بدء إكتشاف ذاته مرة أخرى في رحلة لإثبات إن الإنسان ممكن أن يغير حياته بعد خبرة السنوات الطوال ليعيش خبرات أخرى ويكتشف كفاءات أخرى لدية فكانت دراسته لفن النحت وأختار النحت لأنه من أصعب الفنون التشكيلية وإختار خامات صعبة جدا بالحجارة والجرانيت لصعوبة تلك الخامة وصعوبة تكنيك العمل بها.
وتطور بعد ذلك فإتجه لمرحلة البرونز إيضا لتعدد مراحل عملية النحت بها وبهذا كانت رسالة جديدة وجهها الدكتور حسام أبو العلا للشباب مؤكدا أن التجارب المستمرة بحياة الإنسان تجعله يكتشف مواطن تميزه وإمكانياته الدفينة حتى يكتشف الإنسان ذاته في أي فترة عمرية سواء الشباب
أو منتصف العمر أو سن الخمسين كما حدث مع الدكتور حسام أبو العلا.
بدأ الدكتور حسام بعد ذلك مرحلة جديدة وهي مرحلة التصوير الزيتي والتي شعر إنها خير إداة لإخراج المخزون والخبرة الحياتية التي مرت بحياته و قام بالمشاركة فى العديد من المعارض الجماعية والفردية .
ويعتبر معرض عوالم خفية بمعرض نوت بالزمالك وهو ثاني معرض رسم ونحت فردي للفنان الدكتور حسام أبو العلا .
وقد صرح الدكتور حسام أن معرض عوالم خفية استلهم فكرته من مقولة للكاتب تينيسى ولياميز بمسرحتيه عربة أسمها الرغبة يقول فيها :
"هناك أشياء عندما تحدث في الظلام لا قيمة لأي شئ بعدها"
وحين حاورته عن وجهة نظرة في تلك المقولة أدلى بعبارته التي أبهرتنى حيث قال ((أن هناك تفاصيل كثيرة بحياتنا تحدث بالخفاء دون أن يشعر بها أحد ودون أن نصرح بها لأحد فأخذت أسجل لحظات قيمة فى الخصوصية برشيتى وبأذميلى وبخامات متعددة ))
وعن آراء النقاد في معرض عوالم خفية قال الدكتور مجدى سدو .
حين يطابق عنوان العمل محتواه فذلك توفيق وتوثيق من الفنان الذى وظف رسالته الابداعية فجعلت لها مسماها الفنان حسام ابو العلا هو صدى وجدانه وما دام الوجدان محمل ومثقل بعناء الواقع والظلم السائد فمن هنا يأتي سعي الفنان للتخفيف من ثقل احماله فيلقيها متناثره على سطوح لوحاته فتتخذ مفرداته التشكيلية واللونية صور دهاليز متشعبة لا تدري من اين بدأت والى اين تنتهي
ان ذلك هو المعادل الفلسفي لرؤية الفنان للحياة والواقع وعند ذلك لا يحتاج الفنان لاسترضاء النداء البصرى Visual appeal ولا اتباع سبيل المحاكاة.فحين تتخذ تكويناته هذه الاشكال الحلزونية فهي الدوار وهي الحصار وحين تتخذ الاشكال الاشعاعية فهي الارتباك وعدم الاستقرار ولا يسعى الفنان الى اعادة ترتيب اشكاله والوانه بل يتركها هائمة مبعثرة لا نهائية المبتدى والمنتهى عن عمد مقصود خارجه عن احكام الجمال Aesthetial judgment .
ولا يخطط الفنان حسام مسبقا لاعماله ولا يضع رسوما تحضيريه فما بين حاضر غائب وقادم غامض يترك الفنان فرشاته تمضى بضرباتها حيث تشاء باستيعاب تام لخياله اما لوحات الفنان التي يغشاها تكوينات اللا شكل والالوان القاتمة فهي تبدو وكأنها آتية من اكوان بعيدة وتنطق بلغات مستغربة ولكنها محاطة دوما بفراغات بيضاء ولعل الفنان يقصد بذلك ان يغمر الضياء الكاشف هذا الغمام الداكن ويقرض اطرافه شيئا فشيئا حتى ينبلج صباه اكثر اشراقا فالرؤية عندئذ حدسية التأثير Intuition effect .توظف الخيال ولا تتجمل لارضاء عيون المشاهد بقدر ما تبعث من الامل.
وحين تطالعك اعمال الفنان حسام ابو العلا التحتية تجدها تنطق بلغة ابداعية مستجدة وباخراج حاذق لبعض اتجاهات فنون النحت الحديثة التي تعرف
popular art و found opjects
بمعنى اعادة صياغة موجودات الطبيعة الغفل من احجار ومعادن ومواد اخرى مختلفة من تكوينها العشوائى بما يضفى عليها لمسات الفكرة والمضمون لتصبح عملا ابداعيا تعبيريا مميزا والفنان حسام من بين هؤلاء الذين تحكي اعمالهم ذلك الحوار الشيق العتيد والصراع الدائم بين خامات الطبيعة بخشونتها وصلابتها وبين حرفية الفنان ورؤاه الحسية والحدسية فكل منهما يلعب ويناظر بادواته فالاحجار والمعادن تتشبث بكينونتها واصولها الجيولوجية والفنان يقوم باستنطاق مرير وصعب لغرس الفكرة واثبات وجهة نظر خياله واغراء الخامة بجمال وخلود النهايات حتى تتخلى عن قدر من جمودها واصولها ومن نتائج هذا الحوار يحتفظ كلا الطرفين بقدر من كينونته فتأتي الاعمال وكأنها طواطم من اساطير بعيدة او كأنها خبيئة مصرية موغلة تخرج من ركام الارض والزمان ويزاوج الفنان ما بين الحجر والمعدن في حبكة فنية فلا يشعرك باي غرابة او نفور حتى وان ظلت خاماته على خشونة ملامسها فكل طرف يلين استيعابا وافساحا للاخر في مشهد تكاملي خلاب وهو ما يطلقون عليه وحدة الوجود .
لست ادرى ما الذى دار بخلد وخيال الفنان عند قيامه بهذا الاداء العميق الممتع ولكني قرأت اعماله تصويرا ونحتا يساورني احساس قوي بالدلالات والاشارات الفلسفيه الت تضمنتها اعماله وحتى لو خالفته فيما ارى فان اختلاف الرؤى ووجهات النظر وتباينها تعبر عن علو مقام هذه الاعمال وسمو تعبيرها.
ويقول دكتور حسن كامل استاذ قسم النحت بكلية التربيه الفنية
عن أعمال دكتور حسام أبو العلا التحتية قائلا:
إن الفنان حسام ابو العلا طاقة ابداعية تبحث عن منطقة بعيدة متفردة تعكس رؤية مغايرة وتصوب وتصوب نحو الشحنة التعبيرية المركزة دون الالتفات لمهارات حبكة التكوين والقيم التشكيلية بصوراها وصياغها المعتادة الغزارة الانتاجية الطرح من اهم مقومات منحوتات ابو العيله تشعر وانها تعرض من تحت يد الفنان فور انهائها الحضور والطاقه المتدفقه والرساله المباشرة التي لا تحتاج الى شرح ولا تفسير رساله شعورية عاطفية تتدفق الافكار في معرض الدكتور حسام ابو ليلى الحالي لتقدم المشاهد مجموعه من الغمضات التشكيليه التي تحمل مسارات في اللا وعي لرؤيه التشكيليه تتعمد مراوغه الواقع والافلات منه الى عالم ذو تراكيب تعبث بالثبات والتقليد فتدفع المتذوق المتذوق لتوفيق مقاييس خاصة لكل عمل حتى يستطيع ان يتحاور معه تشكيليا وتعبيريا.
وبعد مشاهدتى لأعمال دكتور حسام أبو العلا التى ادخلتنى فى أغوار النفس لأكتشاف ذاتى إكتشافا أخر على يد ذلك الفيلسوف الفنان .