العثور على تابوت بسماتيك ومسقط رأسه "صا الحجر" برك مستنقعات وموقع مهجور
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
قامت وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى والآثار، منذ يومين بنقل التابوت الحجري، الذي تم العثور عليه أثناء أعمال حفائر الإنقاذ التي تمت بموقع الأرض التي تم تخصيصها لبناء مستشفى جامعة بنها التخصصي بمحافظة القليوبية
إلى منطقة آثار القليوبية، وذلك تمهيدا للبدء في أعمال الصيانة والترميم
الشامل له.
التابوت مصنوع من حجر الكوارتزيت ويعود إلى عصر الملك بسماتيك الأول ويبلغ وزنه بالغطاء حوالي ٦٢ طن، ويخص المشرف على الكتبة في عهد ملك بسماتيك الأول من عصر الأسرة السادسة والعشرين حيث يوجد نقش بالحفر الغائر أسفل غطاء التابوت يصور خرطوش الملك بسماتيك الأول طبقًا لما جاء فى تصريح الوزارة وهو نفسه من عثر علي تمثاله الكبير بالمطرية عام 2017
وفى ضوء هذا يؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أن مدينة صا الحجر مسقط رأس هذه الملك العظيم وأول عاصمة لمصر فى غرب الدلتا بمحافظة الغربية مهملة.
وتتبع "صا الحجر" مركز بسيون بمحافظة الغربية وتبلغ مساحتها 53 فدان وهى بمثابة منجم أثرى بكر مدفون تحت الأرض يضم بقايا مدينة " سايس" التى كانت أول عاصمة لمصر فى غرب الدلتا بعكس معظم العواصم التى كان الملوك يحرصون على إقامتها جهة الشرق لفرع النيل للتواصل مع دول الجوار مثل سوريا وفلسطين، وبمرور السنين تحولت " سايس " إلى مصدر إلهام وجذب للعديد من الخبراء والباحثين وأكبر أساتذة الجامعات في العالم.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن قرية
" صا الحجر" يعود تاريخها إلى 4500 سنة قبل الميلاد فيما عرف بالعصر الحجرى الحديث، ثم أصبحت عاصمة لمصر السفلى التى خرج منها أشهر ملوك الأسرة 26 وعلى رأسهم الملك بسماتيك الأول طارد الآشوريين تحولت إلى برك ومستنقعات يرعى فيها البط والأوز والماعز وأصبحت منطقة شبه مهجورة لا تدب فيها الحياة إلا عند قدوم بعثة أثرية أجنبية للتنقيب بداخلها، ولا يوجد بها سوى كشك من الخشب يتبع منطقة تفتيش آثار الغربية تنحصر مهمة العاملين فيه على منع التعديات على التل الأثرى الكبير وتحرير المحاضر للمخالفين بجانب سرعة تشوين التحف والكنوز والآثار التى يتم استخراجها من باطن الأرض ونقلها إلى مخزن قديم بمنطقة " تل الفراعين " بمحافظة كفر الشيخ دون الاستفادة منها
ويضيف الدكتور ريحان أن منطقة صا الحجر كانت موضع اهتمام الكثير من العلماء الأجانب أبرزهم الدكتورة " بينلوبى ويلسون " أستاذة المصريات بقسم الآثار بجامعة أكسفورد التى وقعت فى غرام وعشق صا الحجر منذ أن وطئت قدميها أرض القرية عام 1977 ولها الكثير من الأبحاث التى نشرتها بالدوريات العلمية عن أبرز الاكتشافات التى قامت بها ومن أهمها العثور على أقدم طبقة أثرية فى الدلتا تعود إلى عصر ما قبل التاريخ والعديد من الأوانى الفخارية التى ترجع إلى مختلف العصور المصرية القديمة وكذلك العثور على دفنات آدمية وحيوانية.
ويستطرد الدكتور ريحان بأن الدكتورة
" بينلوبى ويلسون " قامت بطباعة قصة صا الحجر فى عدة أجزاء باللغة الانجليزية ولاقت رواجًا كبيرًا فى الدول الأوربية، وشرحت خلالها كيف أنها تطورت لتصبح مدينة مهمة خلال عصر مصر القديمة ثم المدينة الأولى لمصر فى العصر المتأخر حيث كانت تعرف قديما عند المصري باسم "ساو – ساي – ساب " ثم عرفت في العصر اليوناني باسم " سايس " وفي العهد القبطي باسم "ساو" والذي حرف إلى
" صا " وأضافوا إليه كلمة الحجر لما تحتويه المنطقة من كتل حجرية أثرية وذكرت أن المنطقة تميزت بالتنوع الطبقي حيث عاش بها الجنود والزراع الذين كانوا يقومون علي خدمة جيش الملك رمسيس وهو ما تم التوصل إليه عن طريق وسائل الدفن التي تم اكتشافها كما عثر في نفس الوقت أيضا علي مجموعة من تماثيل "الأوشابتي" مما يعد دليلًا علي وجود مقبرة ملكية في هذا الموقع الذي كان المقر الرئيسي لعبادة الإله "نيت" إله الحرب والسحر والطب.
ومن جانبه يشير الكاتب الكبير مصطفى أبو شامية إلى أنه عند دخول الإغريق مصر تعلموا الطب علي أيدي كهنة " نيت " وكان يوجد بالمنطقة ما يسمي " بيت الحياة " وهو عبارة عن قاعة ضخمة لدراسة العلوم المختلفة وتقوم بتخريج أفضل الأطباء كذلك عرفت بأنها مكان مقدس لابد أن يجتازه الموكب الملكي للملك المتوفي حيث اشتهرت مدينة "سايس" بإنتاج النسيج المقدس الذي يستخدم في أثناء تحنيط الموتي .. وعثر بها أيضا على الحمام الهيلنستى الذى لم يتبقى منه إلا أجزاء قليلة ورأس ملكية ضخمة تعود إلى عصر الرعامسة.
ويتابع أبو شامية أن العالم الفرنسي
" أوجست مارييت " أول من بدأ الحفائر بصا الحجر عام 1850 وإليه يرجع الفضل فى إعادة اكتشاف قرية صا الحجر، ثم عثر العالم الأثري "برزنتي" علي العديد من التماثيل لمعبودات وأفراد عام 1893 بينما قام الأثري المصري أحمد باشا كمال بعمل حفائر في بلدة الكوادي المجاورة لصا الحجر عام 1899 والتي كان يعتقد أنها جبانة مدينة "سايس" وعثر خلالها علي ثلاث تماثيل وجزء من تابوت وفي 16 إبريل عام 1901 وقام العالم "دراسي" بإجراء حفائر بصا الحجر وعثر علي تمثال لكبير كهنة " نيت " "واح - إيب - رع " وكان يعمل مديرا للحدود وحكام الصعيد وتمثالا آخر للمدعو " سماتاوى - تف - نخت " من عهد الملك ابريس من الأسرة السادسة والعشرون ومعروضا بالمتحف اليونانى بالإسكندرية.
لكن الأمر المحزن أن بعض التماثيل وجدت طريقها للخارج بعد نهبها فى القرن التاسع عشر ويعرض بعضها فى متاحف تورينو والفاتيكان بإيطاليا واللوفر بباريس وأشهرها التمثال الذى يمثل الكاهن والطبيب " وجا – حور – رسنت " بمتحف الفاتيكان، وكذلك بعض المسلات التى تزين ميادين العاصمة الإيطالية روما، فى الوقت الذى ترقد فيه كنوز وتماثيل صا الحجر داخل المخازن فى مصر وسط صمت وتجاهل تام من المسئولين بالمجلس الأعلى للآثار.