زيارة إلى متحف جاير اندرسون (بيت الكرتلية)
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
نجدد العهد بالأحباب إن غابوا
ونطرق الباب إن لم يطرق
فوق جبل يشكر بين منطقتى السيدة زينب والخليفة بالقاهرة حيث جامع بن طولون يقف متلألئ يحكى جزء من التاريخ شاءت الأقدار أن يكتب جزءًا آخر للتاريخ بجواره لم يخطر على باب أصحابه أنهم كاتبوه.
بهذه الكلمات بدأت عالمة الآثار والأديبة والرّحالة الدكتورة سهير قنصوة حديثها عن متحف جاير أندرسون ففى عام 1540 قام شخص يدعى عبد الوهاب الحداد ببناء منزل له ملاصقًا للمسجد تبركًا به وبعد مائة عام واثنين يقوم آخر يدعى محمد الجزار ببناء بيت له ايضا مجاور له وكأن الاثنين كانا على موعد مع القدر الذى جمعهما ليكتب لبيتيهما البقاء حتى يأتى شخص من بلاد بعيدة ليسكن الدار بعد خرابها ويجعلها حديث الدنيا فى حينه.
هذا الشخص هو جاير اندرسون الطبيب العاشق ضابط وطبيب انجليزى كلف بالمجيئ إلى مصر للعمل فى عام 1906 كان اندرسون عاشقا للآثار المصرية الفرعونية والاسلامية وقد كان مع كارتر اثناء فتح مقبرة توت عنخ امون يحكى فى كتابه ذائع الصيت أساطير الكريتلية والذى ترجمه تامر الليثى انه كان فى زيارة لجامع ابن طولون فلمح سيدة تسكن فى الدار المجاور له فلفتت نظره للدار ففتن به ثم انصرف وذهنه مشغول به وظل يتملكه شعور غامر بأنه سيسكن هذه الدار وقد كان .
تشير الدكتورة سهير قنصوة إلى أن المنزل رقم 4 ميدان ابن طولون والموجود بحارة بير الوطاويط حمل عدة أسماء بيت الكريتلية نسبة لآخر سيدة سكنت به قبل اندرسون وهى من جزيرة كريت وسمى بيت آمنة بنت سالم آخر من سكن الدار الاخرى ..وأخيرا حمل اسم متحف جاير اندرسون بعد أن تسلمته الحكومة المصرية من اندرسون عند مغادرته له عام 1942 طبقا للاتفاق معه على ذلك وتم افتتاحه كمتحف حكومى عام 1945 والذى يتجسّد فيه سحر الشرق وثقافة الغرب.
حكايات وأساطير
تحيط الحكايات والاساطير بالبيت وسنعتبره منزلا واحدا بالقنطرة او الممر الذى ربط البيتين.
وتروى لنا الدكتورة سهير قنصوة هذه الحكايات موضحة أن اسم الشارع الذى يقسم البيتين وهو شارع بير الوطاويط نسبة للبئر الذى انشأه الوزير الاخشيدى ابو الفضل جعفر بن الفرات سنة 965 وذلك قبل اربع سنوات من سقوط الدولة الاخشيدية ( 935 -969م) كما أخبرنا المقريزى وسمى بئر الوطاويط لخرابه وسكن الوطاويط له.
كما يوجد بئر اخر خاص بالسبيل الموجود بالمنزل وله شباك بمصبعات تشاهده على يمينك وبه الاكواب الخاصة بالسقاء وهو البئر المسحور ويقال عن هذا البئر ان من ينظر اليه فى الليالى القمرية يرى انعكاس صورة من يحب.
بالمنزل ايضا دولاب مسحور فى الحائط يبدو دولاب عادى تفتح به ضلفة وله ارفف ولكنه يفتح على ممر به مشربية ومقاعد وذلك لاختباء النساء عند وقوع مكروه وتطل مشربيته على صالة الاحتفالات والاجتماعات .
هذا ليس كل شيئ ولكن نجد البلاطة المسحورة وهى اصل المثل الشعبى (الكنز تحت البلاطة) حيث كانت تخبأ الاموال تحت البلاطة التى ترفع وتعاد لمكانها وكأن شيى لم يكن وتبقى الاموال فى الامان يزخر البيت بالعديد والعديد ونكتفى بذلك هنا.
فكرة انشاء المتحف
وتنوه الدكتورة سهير قنصوة إلى فكرة إنشاء المتحف فقد كان جاير اندرسون من المولعين بالتحف والآثار وقد جمع العديد منها عن طريق الشراء والاهداء من مصر ودول عديدة زارها ..استقر بهذه المقتنيات فى مصر التى عشقها بمجرد أن وطأتها قدماه وأحبها اكثر من اى مكان حتى موطنه كما ذكر فى كتابه أساطير الكريتلية سابق الذكر .وبدأت الحكاية حين زار جامع بن طولون وشاهد البيت الذى علق فى ذاكرته ولم يفارق خياله حتى علم ان الحكومة المصرية تنوى هدمه لعمل توسعة لجامع ابن طولون فتقدم بطلب لشراؤه وترميمه وسكنه ووافقت الحكومة بعد الاتفاق على ان يسلمه للحكومة عند مغادرته او سفره او وفاته وقرر له الملك فاروق ايجار ستة قروش وذلك فى عام 1935.
وعليه فقد قام بترميم البيتين وربطهما بممر وحافظ على طرازهما العثمانى وحافظ على الحرملك والسلاملك والحجرات التسعة وعشرون الموزعة على الطوابق الثلاثة ثم جمع مقتنياته التى جمعها من دول عديدة وفرش بها المنزل وسكن به مع خادم يسمى سليمان التكريتى كان خادما لدى السيدة التكريتية وهو يونانى وسمى سليمان بعد اسلامه ..وكان اندرسون وسليمان ينامان فى حجرة واحدة لكل منهما سريره الخاص وقد توفى سليمان ودفن بجوار المنزل.
مقتنيات المتحف
وتختتم الدكتورة سهير قنصوة بمقتنيات المتحف المتنوعة من الهند وتركيا والصين والشام وبعض القطع المصرية القديمة ..نجد الحجرة الفارسية والتركية والانجليزية والدمشقية والغرفة الشتوية والمقعد الصيفى حيث الهواء العليل وحجرة تجهيز العروسة بمقتنياتها وغرفة الولادة ومستلزماتها ومكتبته فى حجرتين ومكتبه ونجد اغطية لتابوتين فرعونيين من الخشب وثالث من الورق المقوى وقطع عديدة بعضها حقيقى وبعضها مقلد ونجد الرحاية لطحن الحبوب والكلجات وهى اوانى كانت توضع تحت الزير لتلقى الماء المرشح وبه حنية لسقيا الطيور والحيوانات بالمنزل منها والعديد والعديد بما يضيق المجال هنا لحصره واترك لكم الدعوة لزيارة هذا البيت البديع الذب تستطيع من نوافذه مشاهدة جامع ابن طولون ومئذنته ومئذنة وقبة مدرسة الامير صرغتمش المملوكية.
بقى ان نقول ان البيت شكل اغراء كبير لصانعى السينما للتصوير به بداية من جيمس بوند وتصوير مشاهد من فيلم الجاسوسة التى أحبتنى وذلك بعد الدعاية لكتاب اندرسون الذى ذاع صيته باوروبا كلها حول البيت واساطيره، كما تم تصوير العديد من الافلام المصرية واغنية لسعاد حسني.
الحقيقة ان البيت به من السحر ما يأخذك ويجعلك تستمتع بكل جزء به وتتمنى لو انك كنت من ساكنية وتغادره مضطرا ولو تملك به قرارا ما غادرت ولسان حالك يقول مانسب لأكثر من شاعر :
لاتسأل الدار عمن كان يسكنها
فإنه لم يعد فى الدار أصحاب
ياطارق الباب رفقا حين تطرقه
الباب يخبر أن القوم قد رحلوا.