الاقتصاد الخفي
كتب - محمود فوزي
كثيرا ما يتردد مفهوم الاقتصاد الخفى
أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الأسود وغيرها من المسميات في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
غير أن الكثير منا يجهل حقيقة هذا المصطلح وكيفية تأثيره على اقتصاد مختلف الدول وبخاصة الدول النامية
فقد أوضحت بعض الدراسات أن أرباح مافيا السوق السوداء في بعض الدول أصبحت تمثل 50% من حجم الاقتصاد الوطني. وبينت تلك الدراسات أن حجم الأرباح التي تحققها المافيا من الاقتصاد الخفي بلغت في عام واحد حوالي 110مليار دولار، مما يوضح سيطرة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد الأسود على مختلف دول العالم النامية والمتقدمة على حد سواء بما يستدعي التعمق أكثر في طبيعة الاقتصاد الموازي من خلال النقاط
التالية:
و ظاهرة الاقتصاد الموازي
يقصد بها كافة الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المنشآت ولكن لا يتم إحصاؤها بشكل رسمي ولا تعرف الحكومات قيمتها الفعلية ولا تدخل في حسابات الدخل القومي ولا تخضع للنظام الضريبي ولا للرسوم ولا للنظام الإداري والتنظيمي، وينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: يشمل أنشطة اقتصاديةً مشروعة ونظيفة ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل استخدام الأفراد لممتلكاتهم مثل السيارة أو الشقة للإيجار بشكل غير رسمي.
النوع الثاني: يشمل الأنشطة الاقتصاديةً غير المشروعة وغير النظيفة والتي تتعارض مع القوانين داخل الدول ومن أمثلة ذلك تجارة المخدرات، وتجارة السلع المسروقة، وغيرها من أشكال الأنشطة غير المشروعة.
و من أسباب تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي :
تنتشر ظاهرة الاقتصاد الموازي في الدول النامية بشكل كبير عن نظيرتها في الدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب ومن أهمها ما يلي:
الأنظمة الضريبية غير العادلة:
حيث يدفع ذلك الأفراد والمنشآت إلى البحث عن الحيل والطرق التي تمكنهم من التهرب من الضرائب وتزوير الحسابات، وبالتالي يقودهم ذلك إلى الاقتصاد الموازي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ارتفاع نسبة مساهمة الأفراد في الضمان والتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد قد يدفع معظمهم إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية للتهرب من دفع تلك الأموال.
تدني مستويات الأجور والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة: حيث قد يشجع الأفراد الذين يقع عليهم الظلم على الانحراف وتدفعهم إلى التهرب من الوظائف الرسمية إلى الوظائف الخفية.
الإجراءات الإدارية والتنظيمية المعقدة وارتفاع الرسوم في أسواق العمل بما يدفع الأفراد إلى البحث عن فرص العمل المستترة الأخرى.
تداعيات ظاهرة الاقتصاد الموازي على الدول.
ينتج عن تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي عدداً من الأثار السلبية على اقتصاد الدول المختلفة، ومن أبرز تلك الأثار ما يلي:
▫انخفاض معدلات النمو الاقتصادي:
نظرا لأن اقتصاد الظل ينتج عنه تزايد معدلات التهرب الضريبي والتهرب من الرسوم والغرامات، وبالتالي تفقد الحكومة الكثير من الإيرادات والتي تؤثر على الموازنة العامة للدولة بشكل سلبي وعلى مستوى الإنفاق العام، وبالتالي التأثير بشكل سلبي على معدلات النمو الاقتصادي.
عدم معرفة الحجم الحقيقي لاقتصاد الدول:
فكلما زاد معدل الاقتصاد الموازي على حساب الاقتصاد الرسمي، زادت المعلومات والإحصائيات المضللة وغير الدقيقة عن الإمكانيات الاقتصادية الحقيقية للمجتمع، بما يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي.
▫عدم تمتع أصحاب المهن غير الرسمية بالأمان الاجتماعي والمادي؛ لعدم حصولهم على عقد أو تأمين اجتماعي يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة.
مواجهة ظاهرة الاقتصاد الموازي..
يمكن مواجهة تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي من خلال التصدي عدة نقاط، ومن أهمها ما يلي:
إجراء إصلاحات ضريبية شاملة:
وتتضمن تلك الإصلاحات منح حوافز ضريبية كبيرة وبخاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يشجع الأفراد على الإنضمام الى الاقتصاد الرسمي ودفع ضرائب بسيطة حتى لا يتعرضوا للمساءلة القانونية.
العمل على تبسيط الاجراءات الإدارية والتنظيمية المعقدة لتشجيع الأفراد على تسجيل اعمالهم مهما كان حجمها، كما أنه يشجع الأفراد للبحث عن الأعمال الموثوقة والبعد عن الأعمال المستترة.
العمل على رفع مستويات الأجور حتى تتناسب مع مستويات المعيشة، وبالتالي لا يهرب الأفراد من الرسوم والضرائب التي قد تقع على عاتقهم.
وأخيرا فإن ظاهرة الاقتصاد الموازي تعتبر من أهم مظاهر تخلف المجتمعات والتي ينتج عنها إهدار الموارد المادية و البشرية وسوء استغلالها، وبالتالي يجب التعامل والتصدي لتلك الظاهرة بشكل عاجل للإستفادة من مختلف الأنشطة الاقتصادية داخل الدول وايضا على الدول وضع خطة استراتجية طويلة المدى لمحاربة ظاهرة الاقتصاد الخفي من خلال تنمية الوعى الجماهيري بخطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع وأهمية الحاجة إلى تحجيم هذا الاقتصاد، وإدخال قوانين وإجراءات جديدة للتعامل مع الظاهرة مثل تخفيض أو على الأقل تثبيت مستويات الضرائب وتقليل اشتراكات التأمينات الاجتماعية وتغيير بعض قوانين العمل أو إلغائها ، والتشدد في تطبيق العقوبات الموجودة أو إدخال إجراءات جديدة للحيلولة دون زيادة معدلات الاقتصاد الخفي ، وكذلك زيادة أعداد المراقبين والمفتشين في هذا المجال بما يسمح بتقليل كافة أسباب انتشار هذا النوع من الاقتصاد لتفعيل أنشطة الاقتصاد الرسمي الذي يحقق التنمية والرخاء.