الملك فاروق ما له وما عليه
كتب د. عبد الرحيم ريحان
وكل ملك الى زوال .. لايعترى ذو اليقين شكه
إن لم يزل بانتقال حال..أزال ذلك الملك عنه هلكه
أسامة بن منقذ
من شجرة غريبة عن الديار جاءت بذرته لم يختار مسرى حياته ولكنها الاقدار .. أراد البساطة وكتبت عليه قيود وقلاع القصور نشأ مصريا أحب مصر وطنه وبادله المصريون حبا بحب ..طفلا جاء بسيطا فاستقبلته حياة قاسية ومشاكل عائلية وخلافات بين امراء الاسرة العلوية ...هو الولد الوحيد والأخ لخمسة بنات اكبرهن فوقية بنت الملك فؤاد من الاميرة شويكار.. تلقفته يد المربية الانجليزية الصارمة التى حرصت بلادها على ان يكون تحت السيطرة عن طريقها ثم السفر لبريطانيا لاستكمال تكوين شخصيته على أعينهم فهو ولى العهد وأمير الصعيد على غرار أمير ويلز ..ولم يتمم دراسته تلك وعاد لمصر بعد ستة اشهر لمرض الملك فؤاد ووفاته فى العام 1936 فتولى الحكم بمجلس وصاية ثم الحكم منفردا بعد اتمامه ثمانية عشر بالتقويم الهجرى الذى تحايلت به امه الملكة نازلى..وجد نفسه ملكا على مصر تنحنى أمامه الهامات ويتملقه الجميع ....وبدأت معاناته.
بهذه الكلمات تبدأ الآثارية والأديبة والرحّالة الدكتورة سهير قنصوة سردها الأدبى عن سيرة الملك فاروق بن الملك أحمد فؤاد الأول بن الخديوى اسماعيل بن ابراهيم باشا بن محمد على المسعود بن ابراهيم القوللى، ملك مصر والسودان وصاحب النوبة ودارفور وكردفان.
الذى قال فيه الشاعر على الجارم يوم ميلاده
اليوم سعدت مصر به ..كان فى طى الأمانى حلما
مولد الفاروق يوم بلغت.. راية الاسلام فى القمما
فى الحادى عشر من فبراير للعام 1920 ولد فاروق مصريا وكما كتبت المؤرخة لطيفة سالم ان الاسرة العلوية مصرية مائة بالمائة وذلك فى كتابها فاروق من الميلاد الى الرحيل .. ولد لحياة ومهام لم يختارها ولم يعرف لها بديلا
تشير الدكتورة سهير قنصوة إلى أن الملك فاروق تولى الحكم صبيا استغل البعض تربيته المنغلقة وتوددوا له ووجهوا دفة أيامه، اجتمعت عليه عوامل قلما تجتمع على شخص، وكان لسنه وضحالة فكره ونقص خبراته ماجعله كالتائه أو الغريق الذى يبحث عمن يفهمه، ودلف اليه مستشارى السوء من بين كبار السياسيين فكان الايطالى بوللى كهربائى القصر وكافاتسى مدرب الكلاب وجيوجارد حلاق الملك فؤاد والقهوجى بترو دوفاللى والسائق محمد حلمى الذى وصل لرتبة اميرلاى هم اصحاب السطوة والتأثير عليه.
ونفذ اليه كذلك طبيبه يوسف رشاد وزوجته ناهد رشاد( التى لعبت دور كبير لدرجة كتابة الكتب فى دورها فى حياة فاروق نذكر منها كتاب حنفى المحلاوى الذى حمل اسم ناهد رشاد والملك فاروق وغيره من المؤلفات ) .... والياس اندراوس ليدير امواله بالاضافة للصحفى كريم ثابت الذى ألف كتابين عن فاروق هما فاروق كما عرفته وعشر سنوات مع الملك فاروق ود.حسن حسنى سكرتيره الذى ألف كتاب سنوات مع الملك فاروق ..الى ان نصل لداهية حاشيته
أحمد حسنين باشا
وتشير الدكتورة سهير قنصوة إلى رئيس الديوان الملكى للملك فاروق أحمد حسنين باشا والذى صاحب فاروق فى رحلة لندن وصاحب اول مشكلة صدمت فاروق وهى علاقة بينه وبين أمه ثم زواجه منها بعقد عرفى وجده فاروق فى مقتنياته بعد ان توفى بحادث سيارة يقال ان فاروق مدبره
تزوج فاروق مرتين الاولى من فريدة فى العام 1938 وهى حبه الوحيد والتى وصفته بأن له قلب طفل كما جاء بكتاب لوتس عبد الكريم "الملكة فريدة وأنا" كما صرحت فريدة انها لو تعلم ماسيحدث لفاروق ماتركته وقد انجبت له ثلاث بنات ودبت الخلافات لرغبته فى ولى للعهد وتم الطلاق ثم تزوج من ناريمان فى العام 1951 وأنجب ولى العهد أحمد فؤاد والذى ذهب بمجيئه الملك الذى فقد فاروق فريدة من أجله والذى تركته ناريمان وعادت الى مصر وتم الطلاق.
حفلت حياة فاروق ببعض النجاح أخطأ وأصاب ورغب فى تقديم الخير والاصلاح وكذلك كثير من الفشل بسبب تخبطه وفساد حاشيته واكتمل سوء طالعه بما فعلته أمه بعد وفاة احمد حسنين باشا، فقد اصطحبت بناتها وسافرت الى فرنسا ثم امريكا وعاشت حياة طيش لاتليق بملكة أم ملك وبدأت بتعرفها على رياض غالى المكلف من السفارة بمرافقتهم ولكن الامور سارت ابعد من ذلك فقد أحبته هى وابنتها فتحية التى زوجته لها رغم اختلاف اديانهم، وقد وكلته فى كل امورهم وسلمته ثروتهما التى اضاعها وقتل فتحية
وأثرت هذه الاحداث بشكل بالغ السوء على فاروق الذى بدا عليه الحزن والزهد وقد تنبأ بنهاية ملكه وسلم به وكأنه كان ينتظره وقد خرج من مصر الى موناكو ثم روما وعاش حياة لاهية تدل على نفسية تعيسة مدمرة حتى توفى فى الخامسة والاربعين من عمره وان شئت الدقة فقد كانت وفاته يوم خروجه من مصر..ولسخرية القدر فقد بكى فاروق عند مغادرته مصر
توفى فاروق ودفن اولا بمدافن حوش الباشا ثم نقل جثمانه الى جامع الرفاعى كما كانت وصيته.. بعد ان اختبر بمصائب تلقفته ذات اليمين وذات الشمال حتى يئس واستسلم وكما قال الشاعر ناصيف اليازجى:
تظل المنايا بمرصد ..فمن فات يمناها تلقته اليسرى
ركن فاروق
تنوه الدكتورة سهير قنصوة إلى أحد المنشآت الكثيرة للملك فاروق وهى ركن فاروق الذى يقع على بعد 6 كيلو من مدخل مدينة حلوان حيث استراحة ركن فاروق .. وقد بدأت بكشك للشاى انشأه المهندس الايطالى ارسان جيوفانى فى العام 1926 ملحق بفندق جراند اوتيل ثم اشترى الكشك الثرى المصرى محمد بك حافظ فى العام 1932 الى ان شاهده الملك فاروق فى احدى زياراته وكلف مصطفى باشا فهمى وزير الشغال بشراءه وقد تم دفع مبلغ 2000 جنيه وهو مبلغ ضخم بوقته
هدم الكشك وصممت الاستراحة الملكية واستغرق البناء عام من 1941 الى 1942 وتم اضافة مساحة من الاراضى لها فاصبحت المساحة الكلية 11 ألف وستمائة متر شغل المبنى منها 440 م فى ثلاثة ادوار كان الارضى للخدم والاوفيس والاسانسير لتوصيل الطعام والثانى ثلاث حجرات بسيطة للنوم للملك فاروق وحجرة لناريمان وحجرة للاميرة فوزية شقيقة فاروق والتى اقامت بالركن ستة اشهر بعد طلاقها وعودتها من ايران اما الروف فكان مساحة واسعة بأجمل منظر للنيل
صمم الركن على شكل مركب له شراع حيث ركبت الستائر على اعواد حديدية لذلك .. وللركن مدرجات جميلة على النيل للاستمتاع به وبه خمس مراسى لليخوت والسفن وبه حديقة غناء بها برجولة واحواض للزرع وبعض النباتات النادرة و 33 ألف شجرة مانجو جيئ بها من البانيا خصيصا للركن.. الركن به 360 تحفة بعضها ملكا لفاروق وبعضها ورثه عن اجداده وبعضها هدايا له وللملكات احتفظ بها فاروق لعشقه وولهه بالآثار خاصة المصرية القديمة ومقتنيات توت عنخ امون ومعبد الكرنك وغيرها. الركن أثر مسجل يتبع المتاحف التاريخية بوزارة الاثار .
المكان اكثر من رائع وتشعر و كأن ساكنيه كانوا به بالأمس القريب .. رحمهم الله جميعا وسبحان الحى الذى لايموت
و كما قال الامام الشافعي :
دع الايام تفعل ما تشاء وطب نفسا اذا حكم القضاء
ولاتجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء .