اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

إيران بين الهوية والتطورات السياسية

 إيران بين الهوية والتطورات السياسية

                                                            


بقلم : د . عبير فاروق عبد العزيز

دكتورة في العلوم السياسية


تعد الأيديولوجية الدينية والسياسية لإيران هي المسئولة عن تحديد مسارها الحالي، والتعبير عن طموحاتها في تعزيز دورها في المنطقة والعالم من خلال تبني مواقفها، وتعزيز تعاونها مع الدول الإسلامية والشيعية في المنطقة وخارجها. 



تُعتبر إيران من الدول ذات النظام الحكمي الإسلامي، وتتبع الأيديولوجية الدينية الشيعية الإسلامية. تأسست جمهورية إيران الإسلامية بعد ثورة عام 1979

 التي أدت إلى إسقاط النظام الشاهي وتأسيس نظام إسلامي جديد بزعامة آية الله الخميني.


 تُعتبر الإيران الحالية ذات واقعٍ ديني، وسياسي، وثقافي. يهدف النظام السياسي الإيراني إلى تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وفقًا لتفسيرات معينة للدين يتبعها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، حيث تتمحور الأيديولوجية الشيعية في إيران حول مفاهيم مثل ولاية الفقيه التي تأخذ بنظام السلطة الدينية المطلقة لزعيم ديني في المجتمع. 



إن الفكر الاستراتيجي الإيراني والسلوك السياسي لتلك الدولة تجاه الأمن العربي جاء كلٌّ منها مكملًا للآخر ومنبثقًا في الوقت نفسه على الفكر القومي الإيراني وعن العقيدة الدينية المذهبية التي ترتكز عليها القيادة الإيرانية. وإن العقيدة الدينية التى تتبناها القيادة الإيرانية الجديدة بعد سقوط الشاة قد سدت فراغًا فكريًّا للشعب الإيراني، بل أضافت بعدًا آخر للبعد القومي القائم على التوسع والهيمنة في المنطقة العربية؛ لذلك اتبعت إيران استراتيجيةً وسياسةً مبنيةً على التناقض والصراع مع دول المنطقة العربية. 



وإن مفهوم الاستراتيجية الإيرانية تجاه المنطقة العربية لا يستند على مفهوم الشراكة الجماعية الفعلية مع دول المنطقة، بل على قاعدة قومية دينية مذهبية تستند على المذهب الشيعي الذي تتبناه القيادة الإيرانية. 



وإن العرب –بالمقابل- لا يرتكزون على قاعدة دينية ولا قومية محددة ولا حتى على مفهوم استراتيجية أمنية مشتركة

 بل على أطروحاتٍ متعددةٍ لدولٍ ربما تكون أحيانًا متناقضة.



تنبع أهمية وقيمة منطقة الشرق الأوسط العالمية من موقعها الاستراتيجي وثرواتها المخزونة في باطن الأرض وموروثها الروحي والديني والحضاري؛ كونها مهبط الأديان السماوية الثلاثة وأساس الحضارات في العالم الحديث ابتداءً من الحضارة الآشورية، والفرعونية والفارسية

وأخيرًا مزيج من حضارة العرب، والإغريق

 والرومان؛ لذلك فإن شعوب الشرق الأوسط مؤهلة لتشكل مركز ثقلٍ عالمي سياسي واقتصادي لـــه الحق في التأثير على القرار الاستراتيجي العالمي، بل يشارك في صنعه ضمن النظام العالمي الجديد.



وحيث يعتبر حزب الله من أهم أدوات النفوذ التي تملكها إيران في المنطقة العربية، وقد حظى هذا الحزب باهتمامٍ واسعٍ من قِبَل الكثير من الدول في المنطقة؛ حيث ما زال ملف حزب الله يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، الذى يجري دراساتٍ عن الأسباب الحقيقية التي حولت هذا الحزب إلى قوةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ قادرة على مواجهة أحد أضخم جيوش العالم، في حين كان تعريف حزب الله في أروقة الأجهزة السياسية والعسكرية الإسرائيلية عبارة عن قواتٍ إرهابيةٍ مسلحةٍ، أصبح يسمى الآن تنظيمًا عسكريًّا يملك سلاحًا قادرًا على مواجهة جيش دولة، حيث إن هذا الحزب يتلقى الدعم من قِبَل إيران مباشرةً

 (العلاقات الإيرانية اللبنانية).



إن الاهتمام الإيراني بسوريا ولبنان يعود زمنيًا إلى ما قبل سقوط الشاه سنة 1979م، والعلاقات القوية بين إيران ولبنان تعود إلى الروابط الاجتماعية الدينية بين (جبل عامل) الموطن التاريخي للشيعة اللبنانيين في جنوب لبنان- وإيران الصفوية -السلالة الفارسية الشيعية إلى القرن السادس عشر.



 وثمة شبكة واسعة من الروابط العائلية والتجارية لا تزال تعزز الاتصال السياسي بين مختلف الطوائف والمجتمعات في المنطقة. وهنا يمكن القول بأن الروابط التاريخية والعقائدية لها الدور الاساسي في العلاقات الإيرانية اللبنانية، وذلك راجع إلى الامتداد الشيعي في المنطقة.



هاجر عددٌ من العلماء المسلمين من لبنان إلى إيران، حيث مهدت هذه الهجرة للتحول في الفقه والفكر الإسلامي، وعلى الرغم من مضي عدة قرونٍ على هذه الهجرة لا تزال تدرس كتب بعض من هؤلاء العلماء في الجامعات والحوزات العلمية والدينية في إيران، وكثيرًا منهم استوطنوا إيران، كما هاجر عددٌ كبيرٌ من العائلات الإيرانية خلال العهود التاريخية المختلفة إلى لبنان لتندمج في النسيج الاجتماعي والوطني اللبناني. ونظرًا لهذا التواصل الاجتماعي والثقافي، فقد انعكس في الفترات اللاحقة وخاصةً في القرن العشرين إلى وجود علاقات خاصة. 



أما عن سوريا وعلاقاتها مع إيران، فالأزمة السورية على وجه الخصوص جاءت في إطار سعي إيران لمد نفوذها الإقليمي في المنطقة العربية وتحقيق أهدافها في تلك المنطقة، حيث سعت إلى أن تصبح قوةً إقليميةً لها من التأثير الواضح في قضايا تلك المنطقة، وقد استغلت علاقاتها بالنظام السوري وتحالفها معه، وكذلك تحالفها مع بعض القوى في المنطقة لبسط نفوذها الاقليمي، ولا شك أن هذه السياسات أدت إلى حالةٍ من التوتر والعداء لإيران في المنطقة العربية، وأصبحت العلاقات العربية الإيرانية تسودها حالةٌ من الصراع والتوتر الدائم. 



وكذلك على المستوى الدولي، حيث استغلت إيران طبيعة التغير في النظام الدولي لتحقيق أهدافها على المستوى الاقليمي؛ مما جعل السياسة الإيرانية في حالة توترٍ وصراعٍ دائمٍ.



وبخصوص العلاقات الإيرانية السعودية فقد بدأت العلاقات الرسمية بين إيران والمملكة العربية السعودية منذ العام 1928، ولم تكن دائمًا في أحسن أحوالها بسبب اختلاف المذهب والمؤثرات الاقليمية وقضايا أمن الخليج العربي

 حيث أن كلًّا منهما تقود مذهبًا مختلفًا عن الأخرى، فقد شاب هذه العلاقات نوعٌ مـــن التوتر والصراع بالرغم من فتراتٍ أخرى سعت فيها الدولتان إلى البحث عن تسوياتٍ يمكن من خلالها مد جسور العلاقات الطبيعية بين دولتين لهما مركز إقليمي وبعض المصالح الاقتصادية التي قد تدعم اقتصادهما، وظلت المؤثرات الإقليمية والدولية هي الأكثر تأثيرًا على العلاقة بين البلدين؛ فهي تعتبر واحدةً من أكثر العلاقات الجيوسياسية توترًا في منطقة الشرق الأوسط، ويُعزى هذا التوتر إلى الصراعات السياسية، والمنافسة على النفوذ، والتدخلات الخارجية في المنطقة. 



وعلى الرغم من وجود تنافسٍ وتصدياتٍ بين البلدين، إلا أن هناك مجالات تعاون محتملة -يمكن للسعودية وإيران استكشافها- بعد عملية التقريب بينهما التي تمت من قِبَل الصين، والتي أسفر عنها 

محاولات الصين للتقريب بينهما أن أعلنت السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وهذه ليست المرة الأولى لعودة العلاقات بينهما، حيث حدثت القطيعة الأولى في أبريل 1988، والثانية في يناير 2016. وبهذا الإعلان، تجاوز الطرفان العديد من العقبات للوصول إلى هذا الاتفاق، مثل التعاون في القضايا الاقتصادية والتجارية، ومكافحة الإرهاب

وحل النزاعات الإقليمية والدولية، حيث أدرك البلدان أنه من المهم لمصلحتهما معًا أن يعملا بحكمةٍ وحوارٍ مفتوحٍ لحل الخلافات بينهما، والتعاون من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة ومن ناحيةٍ أخرى، فإن رفع العقوبات عن إيران يمكن أن يساهم في تعزيز قوتها الاقتصادية وتحقيق استقرارٍ اقتصادي، كما أنه يفتح بابًا للتعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى. 



هذه التحولات في العلاقات السياسية والاقتصادية تُعَرَّض إيران لفرصٍ وتحدياتٍ كبيرةٍ في الوقت الحالي، وتفتح آفاقًا جديدةً للتعاون والتنمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي. يجب على إيران والسعودية استغلال هذه الفرص بحكمةٍ وبناءً على مصلحة شعوبهما.



وفي الختام، ستظل هناك محاولات إيرانية للعودة الإقليمية والتي ستستمر في إثارة الجدل والتوترات، لكنها تعتبر خطوةً هامةً نحو تحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة. إن تحقيق النجاح في هذه المهمة سيتطلب التعاون الدولي والحوار المفتوح

 بالإضافة إلى الحكمة والحذر في التعامل مع التحديات المستمرة.

google-playkhamsatmostaqltradent