التقاعس في تنفيذ الأحكام القضائية يؤدي إلي زيادة عدد الجرائم
بقلم المستشار القانوني : محمود الطاهر
إن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررًا جسيمًا بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في الجهاز القضائي.
أي قاعدة قانونية أو تنظيم يفقد سبب وجوده، إن لم يكن فعالًا ومنتجًا، فالقضاء دوره إنهاء المنازعات، وقد حذرت المحاكم من خطورة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية، لما في ذلك من زعزعة الثقة في الدولة كدولة قانون تخضع فيها الإدارة لمبدأ المشروعية وتلتزم بأحكام القانون، وتحترم الأحكام القضائية النهائية الصادرة وتلتزم بتنفيذها.
وتصدر محاكم الجنح والجنايات في مصر
مئات الألاف من أحكام الحبس سنويًا وتخطر أقسام الشرطة بالأحكام لتنفيذها لكن تمر أشهر وسنوات، ويبقى أكثر من نصف الأحكام بلا تنفيذ، بحسب تقرير للأمن العام وإحصاءات للمركز القومي للبحوث الجنائية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق ثبتت بأحكام القضاء بحسب محامين وأشخاص صدرت لصالحهم أحكام.
إن أغلب المحكوم عليهم غيابيًا، ولاسيما في الجنح، لا يشغلون بالهم بالطعن على الأحكام، لعلمهم بتقاعس الشرطة عن ضبطهم، منتظرين مرور سنوات قليلة لسقوط العقوبة.
ولم يحدد القانون أي مبرر يتيح لقسم الشرطة أو أي جهة حكومية عدم تنفيذ حكم قضائي، وهناك وحدة تنفيذ أحكام بكل قسم منوط بها تنفيذ الأحكام، فضلًا عن دور قطاع التفتيش والرقابة في مراقبة آليات تنفيذ الأحكام بالأقسام والتأكد من جدية مبررات عدم تنفيذها.
ونجد أيضا أن الأمور تصل إلي تطوع بعض المجني عليهم لإرشاد الشرطة إلى أماكن خصومهم المحكوم عليهم لكن دون جدوى، كما وجه بعض من صدرت لصالحهم الأحكام إنذارات رسمية عبر قلم المحضرين لأقسام شرطة لدفعها للتحرك لكن دون فائدة، وتمر السنوات، وتضيع الحقوق، وتصبح الأحكام حبرًا على ورق.
ومن تداعيات عدم تنفيذ الأحكام أنها تعوق العدالة، وهى حالة من الظلم تحيق بالطرف الذي كسب القضية ويريد حقه المتنازع عليه، ويجعل الناس تلجأ إلى الطرق غير الشرعية للحصول على حقوقها وعدم تنفيذ الأحكام يساعد على تفشى ظاهرة من أخطر الظواهر في مصر وهى ظاهرة الثأر، ولو كانت لدينا عدالة ناجزة وسرعة في تنفيذ الأحكام، لما تفشت تلك الظاهرة، رغم وجود أسباب أخرى لها، لكن عدم تنفيذ الأحكام، يعد سببًا رئيسيًا لانتشارها بمصر .
وفي عصر تتزايد فيه فرص الاستثمار ومحاولة الدولة جذب استثمارات للبلاد فإنه ينبغي أن تكون لديها قدرة فائقة على تنفيذ الأحكام فور صدورها، فالمستثمر قبل أن ينفق جنيهًا واحدًا يسأل عن المحكمة المختصة في حالة وجود نزاع، وغالبًا يشترط محاكم أجنبية حيث يوجد مقر إدارة الشركة التي يعمل من خلالها.
وفي النهاية على الدولة أن تتحمل تعويض الضحايا، عن الأحكام الصادرة لصالحهم التي سقطت بمضي المدة، لأنه نتاج إهمال وزارة الداخلية في تنفيذها، كما يجب عليها ان تجد آلية لتنفيذ الأحكام بما يضمن احقاق الحق وارساء العدالة وتطبيق النصوص وتنفيذ الأحكام ووجوب تحري العدالة بين المتقاضين.