أنشودة الزمن الغابر
حكاية "شا إمن إم سو"
أنشودة الزمن الغابر : حكاية "شا إمن إم سو"
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
باحثه في علم المصريات والشرق الادني
في أعماق التاريخ، حيث تتلاشى الأسماء وتتوارى الوجوه خلف ستار النسيان، تبرز قصص تستحق أن تُروى. هذه ليست مجرد حكاية عابرة، بل هي رحلة عبر الزمان تحكي عن 'شا إمن إم سو'، المرنمة الأسطورية التي أثرت بصوتها العذب في قلوب القدماء المصريين لكن ما يُعطي قصتها وقعًا خاصًا ليس فقط ماضيها العريق، بل مصيرها الذي تشابك مع خيوط الحاضر في رقصة مؤلمة مع القدر. هيا بنا نستعيد ذكرى 'شا إمن إم سو'، لنُعيد لها الحياة من جديد، ولو بكلمات تُخلد في الذاكرة.
'شا إمن إم سو'، أو كما يُخطئ البعض في نطق اسمها 'شا إمن إن سو'، كانت مرنمة ضمن المرنمين المسموح لهم بالغناء أمام حجرة الإله آمون شخصيًا في الكرنك. ليس كل شخص يمكنه أن يحمل لقب 'حسيت غنو'، مغنية البيت، أو بدقة أكثر، مغنية الداخل.
في القرن الثامن قبل الميلاد، وأثناء الأسرة الثانية والعشرين، كان صوتها يتردد في 'إبت سوت' (الاسم الحقيقي للكرنك).
لكن حوالي عام 750 قبل الميلاد، تحقق المكتوب. توفيت 'شا إمن إم سو' وخضعت للتحنيط لمدة 70 يومًا، ونزلت للدوات في أمان في مكان ما من مقبرة طيبة . وبعد 2600 سنة، في عام 1876، وجدت نفسها فجأة تُسحب من قبرها مرة أخرى وتُرسل كهدية، كما لو كانت كيس بطاطس، من حاكم يُدعى الخديو إسماعيل إلى حاكم أجنبي .
الإمبراطور دوم بيدرو الثاني في مكان بعيد جدًا عن تصورها، في بلد يُدعى البرازيل.
وُضعت هي وآخرون في متحف على ساحل البحر ، وهو مكان لم تره قط في حياتها حتى وهي تعيش في مصر. ومن بينهم من وُلد بعد وفاتها، وانتهى بهم المطاف جميعًا في مكان يُدعى ريو دي جانيرو، كجزء من ممتلكات الدولة في البرازيل. ويا لسخرية القدر، 'شا إمن إم سو' التي عاشت حياتها حرة، لم تكن مملوكة لأحد، وبعد موتها بألفين سنة وأكثر، أصبحت مملوكة.
ظلت هناك تعاني من ملوحة البحر والرطوبة والجو الذي لم تعتد عليه أبدًا لمدة 142 سنة في المتحف الوطني البرازيلي. وفي الساعة السابعة والنصف مساءً في الثاني من سبتمبر عام 2018 استيقظ المتحف على أصوات جرس الإنذار والدخان والنار. المتحف يحترق. لم يتمكن أحد من إنقاذها، لا هي ولا غيرها وعندما أشرق الصباح، تحول كل شيء إلى رماد.
وهكذا انتهت 'شا إمن إم سو' من الوجود رماد في دولة غريبة بعيدًا عن أرضها ومقبرتها .
ولم يتبق منها إلا الصور التي التُقطت لها والأكثر حزنًا هو أن معظم المصريين لم يسمعوا ولم يقرأوا اسم 'شا إمن إم سو'
أو كما قيل لنا 'شا إمن إن سو' إلا في ذلك اليوم. تُنسى، ولا نتذكرها إلا عندما فعليًا ماتت"
وفي النهاية، تتلاشى 'شا إمن إم سو' كأنها حلم عابر في ليلة صيفية، تاركةً وراءها أثرًا لا يُمحى.و شاهدة على أن تراث مصر العظيم ليس مجرد مقتنيات تُنقل من مكان لآخر، بل هو إرث حضاري يستحق أن يُعاش ويُشاهد في أرضه الأصلية.
إنه دعوة للعالم أجمع ليأتي ويتأمل عظمة التاريخ المصري، ليس كمالكين لهذا الإرث بل كشهود على روعته وجماله. وأن يكون العالم زائرًا يقدر ويحترم هذا الكنز الثقافي الذي لا يُقدر بثمن. 'شا إمن إم سو'، كجزء من هذا التراث، قد تلاشت في الأثير، لكن ذكراها ستظل خالدة، تُلهمنا لحماية وصون تاريخنا الغني لأجيال المستقبل.