نفرتيتي الملكة المصرية في الأسر البرليني
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
وصلتنا بحملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم
رسالة من فيينا من الباحث الآثاري
سيد على الجوخي
الحاصل على ماجستير أثار مصرية من جامعة فيينا تتضمن معلومات هامة عن حكاية الملكة نفرتيتى وطريقة خروجها من مصر يبث من خلالها شجونه عن الملكة الأسيرة بمتحف برلين وهذا نص رسالته :
"أثار صديقى الدكتور طارق فرج باحث الأثار المصرية والقاريء الشغوف موضوع التمثال النصفي أو رأس نفرتيتي ببرلين وهو موضوع ذو شجون.
من المعروف على نطاق واسع أن التمثال النصفي للملكة نفرتيتي يتمتع بمكانة لا جدال فيها كواحد من أكثر روائع الفن شهرة وجمالاً. ومع ذلك وعلى الرغم من الاعتراف العالمي بأهميته الفنية والتاريخية، فإن موضوع ملكيته كان موضوعًا للنقاش والجدل الشديد منذ عرضه الأول في عام 1923 في برلين.
ومنذ ذلك الحين، أثارت قضية من يملك هذا التمثال (برلين، ألمانيا أم مصر) الجدل وأدت إلى خلافات مستمرة بين الأطراف المختلفة.
تتناول هذه الورقة مسألة الوضع القانوني لملكية التمثال ومسألة كونه رمزًا ثقافيًا لكل من برلين ومصر. دعونا نبدأ بقصة اكتشافه في ظل الظروف السياسية في ذلك الوقت.
الاكتشاف والاستحواذ المثير للجدل "السياق والخلفية"
لم يبدأ الاهتمام بالآثار المصرية القديمة وخروجها من البلاد على نطاق واسع إلا بعد الحملة العسكرية لنابليون بونابرت في عام 1798، فقد جذبت المنشورات العلمية للحملة الفرنسية وفك رموز الهيروغليفية المصرية بواسطة العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون في عام 1822 انتباهًا أكبر لمصرـ و منح العلماء والمغامرون وجامعو الفنون حرية كبيرة، وأدى هذا الاهتمام الجديد بالحضارة المصرية القديمة إلى نقل العديد من القطع الأثرية الصغيرة وأيضًا الأعمال الضخمة من تماثيل و توابيت وحتى المسلات إلى خارج البلاد.
وكشفت هذه الحالة عن الحاجة الملحة لإدارة مخصصة لحماية هذه الآثار القيمة منذ عهد نابليون، لعب الفرنسيون دورًا رائدًا في مجال علم المصريات الناشىء فتم تكليفهم بإنشاء إدارة للآثار، ومع ذلك مع النفقات الكبيرة التي تكبدتها مصر لافتتاح قناة السويس وتحديث القاهرة سقطت مصر في ديون كبيرة.
ونتيجة لذلك، نشأت أزمة مالية أدت إلى تدخل أنجلو- فرنسي بعد بضع سنوات ففي عام 1882 وقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني، مما أدى إلى سيطرة مزدوجة من الفرنسيين والبريطانيين
وخلال هذه الفترة، لم يكن هناك علماء مصريات مصريون، ونُفذت العديد من الحفائر خلال هذه الفترة وغادرت البلاد العديد من الآثار، لعبت المنافسة بين الجنسيات المختلفة للبعثات الأثرية أيضًا دورًا في إصدار قوانين جديدة لتنظيم وتقسيم المكتشفات الأثرية.
وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان عالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو رئيسًا لمصلحة الآثار المصرية، كان ماسبيرو معروفًا بتفسيره للقوانين المتعلقة بتقسيم المكتشفات لصالح الأجانب بحجة تشجيع البحث العلمي والحفاظ على المكتشفات الكاملة معًا وعدم تقسيمها، والسبب الحقيقى هو لكسب دعم علماء الآثار الأمريكيين والأوروبيين، حيث شعر الفرنسيون أن مكانتهم الرائدة وتأثيرهم كانا مهددين بالاحتلال البريطاني في عام 1882.
الاكتشاف
في 6 ديسمبر 1912، في الموقع القديم لتل العمارنة، اكتشف فريق من علماء الآثار الألمان من الشركة الشرقية الألمانية بقيادة لودفيج بورشاردت بتمويل من جيمس سيمون رأس نفرتيتي، ووفقًا للقوانين السائدة في ذلك الوقت، كان يجب تقسيم المكتشفات إلى نصفين متساويين بين مصر و البعثة الأثرية، أو أن تشترى مصر المكتشفات بالكامل من البعثة الأثرية وتعويضها ماليًا بما لايتجاوز نفقات البعثة
وكان يجب اتخاذ هذا القرار من قبل مصلحة الآثار، التي كان رئيسها والعديد من موظفيها فرنسيين. كان هناك شخص واحد فقط مسؤول عن هذه المهمة وهو عالم البرديات الفرنسي الشاب جوستاف لوفيفر وكان في ذلك الوقت المفتش الرئيسي لصعيد مصر.
تم اتخاذ القرار على عجل في 20 يناير 1913 ومنح تمثال الملكة نفرتيتي للبعثة الألمانية دون أن يعاين الآثار بنفسه حيث كانت الصناديق قد أغلقت سلفًا، وبعد فترة قليلة غادر الرأس مع مكتشفات أخرى البلاد، وكان بورشاردت، على وعي بأهمية الرأس الفريدة، وقد فعل ما في وسعه لعدم عرضه أو نشره بالكامل واحتُفظ بالتمثال بعيدًا عن العامة حتى عرضه الأول في عام 1923 بعد 11 عامًا من مغادرته البلاد.
تاريخ المطالبات بإعادة التمثال
عند النظر في تفرد الرأس الملون وجماله المذهل، لا يمكن لأحد أن يفهم كيف يمكن لأي شخص في مصر أن يتنازل عنه طوعًا حتى مقابل المكتشفات الأخرى من الموقع بدأ بيير لاكو، رئيس مصلحة الآثار في مصر والذي خلف ماسبيرو جهوده وطلب إعادته بعد 11 عامًا من اكتشاف.
كان من الصعب تتبع كل الظروف بدقة والتحقيق في القضية، عندما سُئل لوفيفر عن التمثال، لم يكن متأكدًا حتى من رؤيته في الصور نظرًا لأن لوفيفر كان مواطنًا لبيير لاكو، ويمكن فهم أنه لم يكن يرغب في اتهامه دون دليل، لذلك اعترف بأنه كان خطأ إهمالًا وقال إن الامتياز الممنوح للتنقيب هو "فضل، حسن نية" من الحكومة (المصرية)، ولذلك يجب أن يكون من الممكن كما هو الحال بين الأصدقاء تصحيح الخطأ.
عندما رفض الألمان طلب إعادة الرأس بحجة أنه غادر مصر قانونيًا وأن ما تم توقيعه قد تم، اتهمهم لاكو بنقص الأخلاق وحظرهم من التنقيب في مصر، كان لاكو كفرنسي معاديًا للألمان بالفعل حتى قبل قضية نفرتيتي وقد هدم منزلهم في الأقصر، وصادر منزلهم في القاهرة ومنح امتياز تل العمارنة إلى الجمعية البريطانية لاستكشاف مصر في عام 192.
وفي جهوده لاستعادة التمثال، قدم لاكو تعويضًا للجانب الألماني لإعادة التمثال بعد مفاوضات طويلة وشاقة، تم التوصل إلى توافق، وكان من المقرر إعادة الرأس بمبادلتها بقطع أخرى من بينها التمثال البديع لرع نفر ذي القوام الممشوق، ومع ذلك، نادت حملة صحفية بعدم إعادة الرأس وطالبت بتدخل أدولف هتلر الذى رفض عودته لشدة جمال الرأس، وأعرب عن نيته بناء متحف خاص لنفرتيتي عام 1933 وبذلك ذهبت جهود لاكو أدراج الرياح.
أدى تقاعد لاكو، والحرب العالمية الثانية والتغيرات السياسية في كل من مصر وألمانيا (سقوط الملكية وتأسيس الجمهورية في مصر، نهاية الاحتلال البريطاني وبالتالي تولي الإدارة المصرية لمصلحة الآثار ثم الصراع العربي الإسرائيلي وحملة إنقاذ أثار النوبة) إلى تغيير الأولويات. منذ ذلك الحين، أُثيرت مطالبات بإعادة الرأس من وقت لآخر غير أن العلاقة غير المتوازنة بين مصر وألمانيا لصالح الأخيرة أبقت الصوت المطالب بالإعادة خافتً.
قبيل عام 2011، أُثيرت المطالبات مرة أخرى من قبل رئيس المجلس الأعلى للآثار زاهي حواس، لكن أحداث 2011 التي أسفرت عن سقوط نظام مبارك وضعت حدًا لهذه الجهود مع الوضع السياسي في مصر فى ذلك الوقت.
الحجج المصرية للمطالبة بعودته
- كيف يمكن لعمل فني من المفترض أن يصبح واحدًا من أكثر الأعمال الفنية قيمة ويوصف من قبل المكتشف نفسه بالكلمات التالية "لا يمكنك وصفه بالكلمات، يجب أن تراه" أن يُغفل عن جماله وأهميته ويُمنح للمكتشف من قبل أي شخص ما لم يكن هذا الشخص غير كفء، غير مبالٍ، فاسد، أو مخدوع؟
- لم يُعلن عن الرأس على أنه رأس ملكة في وثيقة تقسيم المكتشفات ولكن كرأس أميرة وبالتالي تحت هوية زائفة.
- لم يتم وصف المادة بشكل صحيح كحجر جيري بطبقة من الجبس ولكن كجبس.
- لم يُنشر الرأس بالكامل عمدًا.
- أبقى المكتشف الرأس سرًا لمدة 9 سنوات وتم عرضه الأول بعد 11 عامًا. يُعتبر هذا الإخفاء دليلًا على نية تعمد إخفاء الظروف المحيطة بتقسيم المكتشفات ويجعل من الصعب تقديم مطالبات ضد المكتشف.
- أدى إخفاء الرأس والوقت الطويل الذي استغرقه للعرض الأول إلى تغيير ملكية التمثال النصفي من الممول جيمس سيمون إلى مؤسسة التراث الثقافي البروسي (1920).
- وجود صور كاملة الجودة للرأس لا يعني بالضرورة أنها عُرضت على مفتش مصلحة الآثار.
- مصر بصدد الانتهاء من بناء المتحف المصري الكبير الجديد تظهر للعالم التزامها بالحفاظ على تراثها الثقافي في بيئة آمنة ومشرفة وجعله متاحًا للجميع.
- عند تجاهل جميع الأسباب المذكورة أعلاه والاعتراف بأن المكتشفات تم الحصول عليها بشكل قانوني، يجب أن نناقشها من الناحية الأخلاقية. فقد تم منح رأس نفرتيتي لألمانيا وفقًا للقوانين السائدة خلال الحقبة الاستعمارية، عندما كانت مصر محتلة، وكانت مصلحة الآثار تحت الإدارة الفرنسية.
هذا النقطة مثيرة للجدل حيث أن كل طرف سيعتقد ويؤكد أن موقفه أخلاقي تمامًا من الصعب بناء المطالبة فقط على الأسس الأخلاقية حيث أن القضايا الأخلاقية قضايا جدلية.
وجهة النظر الألمانية:
- تم إجراء الحفائر وتقسيم المكتشفات وفقًا لقوانين ذلك الوقت.
- الإصرار على أن الوثائق وُقِّعت وأن الرأس خرجت من مصر بشكل قانوني.
- لم يُعرض التمثال النصفي لنفرتيتي بسبب طلب المُنقب الذي كان على علم بالمنافسة بين علماء المصريات وبين الفرنسيين والبريطانيين فقد كان يخشى أن تُلغى امتيازات التنقيب للألمان.
- نشر المُنقب صورة جانبية للتمثال بعد مغادرته مصر.
- تم التقاط سبع صور لإثبات أن الألمان لم يخفوه.
- لا توجد طلبات رسمية لاستعادة رأس نفرتيتي من الدولة المصرية، فقط تصريحات شبه رسمية حتى الآن.
- أصبحت نفرتيتي منذ فترة طويلة رمزًا ثقافيًا لبرلين.
الآفاق والحلول المستقبلية:
- ستعتمد فرصة إعادة رأس نفرتيتي بشكل كبير على وجود علاقة متوازنة بين مصر و ألمانيا و إعادة التفكير وتطوير وعي عالمي، خاصة في ألمانيا، بحقوق الثقافات الأخرى خلال الحقبة الإستعمارية.
الكاتب لا يؤمن بوجود فرصة حقيقية لاستعادة الرأس في القريب العاجل ولكنه يؤمن بحق الأجيال القادمة في مصر في عدم التفريط بشكل قانوني في ملكية مصر لهذا العمل البديع للحضارة المصرية القديمة.