أساتذة التاريخ والآثار والمتخصصين يدلون بآرائهم عن أهمية جبانة باب النصر
كتب د. عبد الرحيم ريحان
أصدر محافظ القاهرة القرار رقم 1117 لسنة 2024 بإيقاف الدفن في مدافن باب النصر خارج أسوار القاهرة الفاطمية ونقل الرفات إلى مدافن بديلة .
وأكد نائب محافظ القاهرة اللواء إبراهيم عبد الهادي، إقامة جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية وإخلاء 1171 مقبرة و49 مدفن من مقابر المنطقة يسار باب النصر في شارع البنهاوي
وبناءً عليه طرحت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان سؤالًا على أساتذة التاريخ والآثار الإسلامية والمتخصصين والمهتمين بقضية باب النصر.
ما هى الأهمية التاريخية لجبانة باب النصر رغم أنها غير مسجلة آثار أو مبانى تاريخية؟، والآثار تخضع للحماية بقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والمبانى تاريخية هى المبانى والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز أو المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًا وتخضع للحماية بالقانون رقم 144 لسنة 2006 .
وجود مقبرة المقريزى وابن خلدون
وأشار الدكتور سيد محمود أستاذ التاريخ الإسلامى ورئيس قسم التاريخ بكلية الاداب جامعة الفيوم إلى أن إهمال عدم تسجيلها لا يفقدها أهميتها حيث يوجد بهذه المقابر العديد من أعلام التاريخ المصري والعالمي مثل ابن خلدون والمقريزي
وأوضح بخصوص أحمد بن علي المقريزي المتوفي 845هـ/1441م عن ابن تغري بردي: المنهل الصافي، ج1، ص415-420 الذى ذكر (ولم يزل ضابطًا حافظًا للوقائع والتاريخ إلى أن توفى يوم الخميس سادس عشر شهر رمضام سنة خمس وأربعين وثمانمائة ودفن من الغد بمقبرة الصوفية خارج باب النصر من القاهرة .
والمقصود بمقبرة الصوفية خانقاه بيبرس الجاشنكير خارج باب النصر وقد دفن بها الكثير من الأعلام والعلماء وذكرها المقريزى فى الخطط .
وكذلك ذكر السخاوي الضوء اللامع، ج1، ص21 عن المقريزى (مات فى عصر يوم الخميس سادس عشرى رمضان سنة خمس وأربعين بالقاهرة بعد مرض طويل وذلك ما قاله شيخنا تكملة ثمانين سنة من عمره ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بحوش الصوفية البيبرسية
ويضيف الدكتور سيد محمود بخصوص مقبرة ابن خلدون نقلًا عن ابن تغري بردي في المنهل ج7، ص209 (فلم تطل مدته ومات وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة ثمان وثمانمائة ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر وله من العمر ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يومًا .
اندثار مقبرة بن خلدون و المقريزي
ويؤكد الآثارى محمد النجار بقطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار اندثار مقبرة ابن خلدون والمقريزى بجبانة باب النصر بناءً على ما ذكره شمس الدين السخاوى في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (مات قاضيًا فجأة في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة ثمان عن ستة وستين سنة ودون شهر ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر عفا الله عنه.
كما ذكر أحمد باشا تيمور في التذكرة التيمورية أن تربة الصوفية خارج باب النصر يقال لها تربة سعيد السعداء وحوش الصوفية ومقابر الصوفية وتربة الخانقاة الصلاحية .
وذكر المقريزى بكتاب الخطط عن المقابر خارج باب النصر أنه أخذ صوفية خانقاة سعيد السعداء قطعة أرض قدر فدانين وأداروا عليها سورًا من الحجر وجعلوها مقبرة لمن يموت منهم وهى باقية إلى يومنا.
وجاء في تعليق حسن قاسم ومحمود ربيع على كتاب السخاوى الحنفى (تحفة الأحباب) بتحديد موقعها (ثم تأتي شارع باب النصر المسلوك منه إلى الصحراء ونجد بأوله من جهة اليسار مقابل كشك لجنة جبانات القاهرة البقية الباقية من مقبرة الصوفية .... وقد اندرست جل هذه القبور لتخرب المقبرة وبقى منها إلى هذا العهد قبر قاضى القضاة بن زقاعة وإلى جانبه قبر شرف الدين الدمياطى وتحت رجليه قبر المقريزى وبجوار قبر المقريزى قبر بن خلدون .(مما يعنى تواجده حتى عام 1937م).
وقد علق شيخ الآثاريين عبدالرحمن عبدالتواب في مذكرة أعدها 2001 ردًا على عدم وجود قبة على ضريح بن خلدون قائلاً أن ابن خلدون وغيره من العلماء كان معظمه معانقًا للفقر وغالبيتهم من اللاجئين إلى مصر للعيش فيها، وهناك في جبانات القاهرة الكثير من العلماء مدافنهم غير معروفة .
ومن خلال الوصف الوارد بعاليه يتضح أن موقع تلك التربة وما تحويه من مدافن أخذ في الاندثار مع الوقت ولم يحدد حديثًا على الخرائط المساحية كما وصف أنه يقع أمام باب النصر مما يعنى أنها قد اندثرت مع توسعة ش جلال لفتح محور شمال الجمالية عام 2001م وهذا يتضح من خلال الخرائط المساحية.
كما ننوه بأنه قد وردت صورة لعقد نصف دائرى مثبت عليه لوحة رخامية مدون بها اسم المؤرخ العلامة عبدالرحمن بن خلدون وهذة الصورة من تونس ولا توجد بمصر.
القاهرة التاريخية
وتشير الدكتورة جليلة القاضي أستاذ التخطيط العمراني بجامعة باريس، ومديرة الأبحاث بالمعهد الفرنسي للأبحاث من أجل التنمية (IRD)، إلى أن جبانة باب النصر ثاني جبانة انشئت في القاهرة في القرن العاشر الميلادي، فى العصر الفاطمي بعد قرافة الفسطاط أي أن عمرها يربو عن الف عام، وتتميز بمدافن فريدة من نوعها من الخشب يطلق عليها مقاصير وقد قامت بتسجيل عدد كبير منها في كتابها عن الجبانات الذي صدر باللغات الفرنسية والانحليزية أعوام ٢٠٠٢ و 2007 على التوالي و سيصدر قريبًا باللغة العربية عن دار المرايا.
هذا و قد تعرضت جبانة باب النصر لعدة ازالات في العصر الحديث، كان أولها عام ١٩٣٢، عندما أزيل الجزء المتاخم لسور القاهرة الشمالي و أزيل خلالها جامع الست عائشة السطوحية ومقام و زاوية التميمي و سبيل سليمان أغا و قبر هشام الأنصاري.
و في عام ١٩٣٤ صدر مرسوم ملكي بمنع الدفن في جبانة باب النصر و تحويلها إلى حديقة عامة، و في نهاية الألفية الثانية تعرضت الجبانة لعملية إزالة كبري من أجل إنشاء محور الجمالية وهدم خلالها مدافن ابن خلدون و المقريزي و كانو ضمن حوش الصوفية لخانقاه سعيد السعداء و ضم مدافن لعلماء آخرين أمثال ابن هشام الانصاري .
و يرجح أن يكون هذا الحوش ازيل في الثلاثينيات و ليس عام ١٩٩٩ و من اهم مدافن العلماء الموجودة إلي الآن بالجبانة، مدفن الشيخ يوهان بوركهارد وهو عالم للمصريات كان عاشقًا لمصر و قد قامً بترميم مدفنه المعماري السويسري فيليب سبايدر عام ١٩٩١ .
وًمنذ بداية الألفية الثالثة ، لم تتعرض جبانة باب النصر لأية عمليات هدم، لكنها تركت لمصيرها ليستمر تدهورها و تكثيف الفراغات بين المدافن كسائر جبانات القاهرة، وقد قدمت الدكتورة جليلة مشروعها لتحويل جبانة باب النصر الي حديقة جنائزية أدرج في مخطط القاهرة الكبري عام ١٩٩٢ و منشور في كتابها الذي سيصدر قريبًا .
و جبانة باب النصر تقع في نطاق القاهرة التاريخية المسجلة علي قائمة التراث العالمي والتي تفقد طابعها التاريخي وقيمتها الاستثنائية كل يوم بالمشاريع الغير مدروسة التي يتمً تنفيذها بدون اي تدخل من الجهات المنوطة بالحفاظ على التراث.
المدفون بجبانة النصر
ونوه الدكتور أحمد زكي أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية والدكتورة رحاب عبد المنعم باظة إلى الشخصيات التى دفنت بجبانة باب النصر ومنهم الحافظ شرف الدين الدمياطي 705 هـ، الحافظ القطب الحلبي الحنفي 735 هـ، علاء الدين ابن بلبان الحنفي الفارسي صاحب الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 739 هـ، أبو حيان النحوي الأندلسي 745 هـ، الحافظ علاء الدين علي بن عثمان ابن التركماني الحنفي 750 هـ وأخوه قبله تاج الدين أحمد بن عثمان ابن التركماني 744 هـ ثم جمال الدين عبد الله بن علي بن عثمان ابن التركماني 769 هـ مع والده علي وعمه أحمد وجده عثمان، تقي الدين السبكي 756 هـ ثم ابنته المحدثة ست الخطباء سنة 773 هـ، ابن هشام النحوي 761 هـ ثم ابنه محب الدين 769 هـ، الشاعر المحدث الشهير ابن نباتة المصري 768 هـ، شهاب الدين ابن النقيب الشافعي المصري 769 هـ صاحب مختصر "عمدة السالك وعدة الناسك".
الأصولي الكبير جمال الدّين عبد الرَّحِيم الإسنوي 772 هـ وابن أخته تقي الدين عبد اللطيف 803 هـ في تربتهم الخاصة بهم، الحافظ ابن الملقن الشافعي 804 هـ ووالده نور الدين أبى الحسن على الأندلسى النحوي 724 هـ، السراج البلقيني 807 هـ (له مسجد ومقام موجود) ، ابن خلدون 808 هـ، تقي الدين المقريزي 845 هـ.
وأشار الدكتور ايهاب أحمد ابراهيم أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة إلى كتب المزارات التى ألفت خصيصًا لوصف كل الجبانات التاريخية القديمة وحددت بكل دقة المقابر الموجودة والمدفونين فيها وسيرهم هذا فضلا عن مقابر ترجع للمئة وخمسين سنة الماضية وكانت لأعلام مصر من السياسيين والمفكرين والأدباء والفنانين وثروة من المبانى المعمارية ذات طرز فريدة وزخارف وشواهد قبور كل هذا للأسف هدم وما تبقى فى سبيله للهدم كتب المزارات موجودة ارجعوا إليها وستعرفون حجم المصيبة التى حلت علينا غير مصيبة المقابر تعود إلى المئة وخمسين سنة الماضية.
ويتضح مما سبق من آراء ورؤية الأساتذة المتخصصين أهمية هذه المقابر وأهمية الشخصيات المدفونة بها وهى تدخل ضمن حدود القاهرة التاريخية المسجلة تراث عالمى استثنائى باليونسكو عام 1979 والنسيج العمرانى لها، كما تشكَل ذاكرة مكان يشهد على وجود شخصيات لها قيمتها فى مصر ودفنهم بها .
ومن هذا المنطلق تطالب حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بتشكيل لجنة ممثل بها المجلس العربى للاتحاد العام للآثاريين العرب واتحاد الآثاريين المصريين ووزارة السياحة والآثار والجهاز القومى للتنسيق الحضارى ولجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة وأساتذة التاريخ والآثار والهندسة والتخطيط العمرانى وتكون قراراتها ملزمة للجميع.