آثار مصر المنهوبة بالمتاحف العالمية
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
دراسة جديدة أعدها
الدكتور محمد أبو الفتوح غنيم
أستاذ ترميم الآثار بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا وعضو اتحاد كتاب مصر
عن أجمل قطع آثار مصرية من آثارنا المنهوبة بالمتاحف العالمية وخصنا بهذه الدراسة الهامة.
وأشار الدكتور محمد أبو الفتوح غنيم
إلى أن تمتلك المتاحف العالمية تمتلك مئات الآلاف من القطع الأثرية المصرية التي خرجت من مصر بطريقة شرعية
أو غير شرعية، في غفلة من الاهتمام الوطني والوعي بآثار مصر وتراثها.
وأغلب ما خرج من آثار مصر كان في فترة يدير مصلحة الآثار فيها الفرنسيون منذ إنشائها سنة 1858م وحتى نهاية إدارتهم لها مع قيام ثورة عام 1952م
وربما وقبل إنشاء مصلحة الآثار المصرية
فقد كانت أرض مصر مسرحًاً لصراع محموم بين قناصل الدول الأجنبية وخاصة القنصل الإنجليزي "هنري سولت" والقنصل الفرنسي "دروفيتي" والعاملين لصالحهم لجمع ما تطاله أيديهم من آثار مصر والتنقيب عنها في مواقع التلال الأثرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من شمال مصر لجنوبها، ومن ثم إرسالها إلى المتاحف الأوربية أو بيعها لهم.
وحتى بعد أن صار لمصر مؤسسة حكومية مسئولة عن آثار مصر، وعن العمل الأثري فيها، ظلت الآثار تُنهب، واستمر تهريبها
كما استمر الاستيلاء عليها بطرق قانونية أو شرعية، من خلال سن بعض القوانين التي تسمح لهم بأخذ آثار مصر نظير عملهم في التنقيب عنها.
بعض هذه القطع له قيمة تاريخية كبيرة تتمثل في العمر الزمني الكبير الذي عاشته
والتاريخ الطويل الذي مرَّت به، وهي تلقي الضوء على تاريخ العصر، الذي انتجت فيه وتنتمي إليه، وتاريخ المكان الذي اكتشفت فيه، وبعضها قد يصاحب قيمته التاريخية قيمة علمية بما يضيفه إلى تاريخ العلم من معلومات ومعارف مثل العلوم الطبية أو الرياضية وغيرها، أو قيمة تقنية وفنية تتمثل فيما يلقيه من ضوء على تقنيات وآليات الصناعة، والتركيب والتكوين
وقد يكون له قيمة جمالية تتمثل في ألوانه، وزخارفه، وأسلوب نقشه، ومهارة نحته، وتناسق أجزائه، أو قيمة أدبية في صياغته، أو ما فيه من قصة وعبرة
أو غيرها من القيم التي قد تتجمع في أثر واحد، وقد لا يحوي منها سوى قيمة واحدة، وفي كل الأحوال يكفيه قيمته التاريخية.
من أمثلة هذه الآثار المصرية الرائعة، التي تحمل قيماً ودلالات تاريخية، أو علمية
أو تقنية وفينة، أو جمالية، هذه الأمثلة التي تعد علامات بارزة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، وتلقي الضوء على جوانب من جوانب الحياة في مصر التاريخية، أو الفنية، أو التقنية أو العلمية
أو الطبية، أو الأدبية ... وغيرها :
حجر رشيد
يوضح الدكتور محمد غنيم أن حجر رشيد فتح آفاق المعرفة المغلقة لحضارة كانت مجهولة وغامضة، فأماط اللثام عنها وعن أسرارها، بل وكشف عن عظمتها، ورسَّخ لعلم صار عَلَماً على مصر وخاصاً بحضارتها وتاريخها القديم، هو علم المصريات الذي فتح الباب لدراسة اللغة المصرية القديمة
ومن ثمَّ دراسة تاريخ مصر القديم وحضارتها القديمة، بما تشمله من فنون وعمارة، وآداب، ومجتمع، ومعتقدات وديانة. هذا العلم الذي صار نهراً لا يتوقف عن الجريان من البحوث، والدراسات العلمية، التي تساهم فيها علوم عديدة بشغف ونهم، ويقبل عليها الباحثون والدراسون والمتخصصون من كل أنحاء العالم.
عثر عليه المهندس الفرنسي، وأحد ضباط سلاح المهندسين بجيش الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801م)، "بيير فرانسوا بوشار"، أثناء قيامه بأعمال هندسية بالقرب من قلعة رشيد في أغسطس 1799.
وكان قد أنشأ هذه القلعة (أو الطابية) السلطان المملوكي الأشرف قايتباي في القرن الـ 15 الميلادي، ويرجَّح أن القائمين على بناء القلعة قد جلبوه من مكانه واستخدموه في البناء، كما كان معتاداً في تلك الأزمنة من استخدام مثل هذه الأحجار القديمة الصلبة سابقة التجهيز في البناء.
وهو قطعة حجرية من صخر الجرانودايوريت الأسود يبلغ طوله
أو ارتفاعه، 114سم، بينما يبلغ عرضه 75.5 سم، وسمكه27.5سم، يحمل نقوشاً تمثِّل نصًا محفور عليه بثلاث خطوط
أو كتابات، هي: الهيروغليفية (الكتابة المقدسة)، والديموطيقية (كتابة الشعب) واللاتينية (اليونانية القديمة). عُرف فيما بعد أنه مرسوم ملكي أصدره الملك بطليموس الخامس عام 196 ق.م كتبت باللغات الثلاث.
فور اكتشافه، أعلنت جريدة قوات الحملة الفرنسية في مصر نبأ الاكتشاف، وسألت عمَّا إذا كان وجود الكتابة اللاتينية، التي رجحت أن تكون ترجمة للنص المصري الهيروغليفي، يمكن أن يزودنا بمفتاح لقراءة اللغة الهيروغليفية. فكانت هذه نبوءة رائعة إذ استطاع شامبليون، بعد ذلك بثلاث وعشرين عام، أن يفك رموز الكتابة المصرية لذلك النص معتمداً على معرفته باللغة اللاتينية. وبعد هزيمة الفرنسيين في معركة أبى قير البحرية (1800م) وخروجهم من مصر، وقع هذا الحجر في يد الإنجليز ضمن ما استولى عليه الجيش البريطاني من الفرنسيين بعد هزيمتهم في موقعة أبى قير البحرية عام 1801، والتي وصلت المتحف عام 1803 حيث استقر به الحال في المتحف البريطاني بلندن.
رأس نفرتيتي
يعدُّ أيقونة الفن المصري في متحف برلين الجديد في ألمانيا، يبلغ ارتفاعه 47 سم ويزن حوالي 20 كيلوجرام، من الحجر الجيري الملوّن. يمثِّل الملكة ترتدي تاجاً أزرق اللون مع إكليل ذهبي، وعلى جبينها ثعبان كوبرا (مكسور الآن)، إضافة إلى قلادة عريضة منقوشة بالزهور. العيون مطعمة، وبؤبؤ العين اليمنى من الكوارتز الأسود، بينما خلفية العين من الحجر الجيري، ولكن العين اليسرى تفتقر إلى البطانة الموجودة في اليمنى، كما عانت الأذنان من بعض الأضرار. خرج من مصر بطريقة مخادعة، وحاولت مصر استرداها
ولكن لم تفلح محاولاتها العديدة في استردادها.
بردية أقدم خريطة جيولوجية
وينوه الدكتور محمد غنيم إلى أهمية بردية أقدم خريطة جيولوجية رسمها مهندس مصري في عهد الملك سيتي الأول (1318-1304ق.م) على ورق البردي وموقع منجم الذهب المرسوم عليها في منطقة الفواخير، في صحراء مصر الشرقية، والصخور المحيطة به بألوان مميزة.
وعندما فُتحت البردية من انطوائها
عند اكتشافها، تكسَّرت إلى سبع قطع، ولكنها كانت قطعاً سليمة وواضحة، فيما عدا بعض الأطراف الصغيرة التي تفتتت ويبلغ طول البردية 53.3 سم وعرضها 45.7 سم. مثل هذه البردية، أو هذه الخريطة، تدل على استخدام المصريين للخريطة كأداة لحفظ وتخطيط وتحديد جغرافية الأماكن، كأداة من أدوات علم الجغرافية ووسيلة من الوسائل الايضاحية المهمة في مجاله. كما تدل على معرفة المصريين القدماء بالفلزات والمعادن المختلفة، وعلى دراية بقيمتها، وخواصها الفيزيائية والكيميائية، وكيفية الاستفادة منها، وأنهم جابوا الصحراء بحثاً عن مناجمها وأماكن وجودها.
"حم إيونو"
في متحف مدينة هلدسهايم في ألمانيا
وهو قطعة نحتية أثرية فريدة، تعدُّ من روائع فن النحت المصري القديم، ولها أهميتها الخاصة ودلالاتها الفنية والتاريخية، فهي شاهدة على عصر من الفن والعمارة في مصر القديمة، عصر بناة الأهرامات
(الأسرة الرابعة - الدولة القديمة).
و "حم إيونو" أحد أمراء الأسرة الرابعة في مصر القديمة، اتخذ منصب وزير في عهد الملك خوفو ، كما حمل ألقابًا أخرى مثل «مدير كل الأعمال البنائية للملك»
و كان مسؤولاً عن بناء الهرم الأكبر في الجيزة، هرم الملك خوفو.
تمثال "كاروماما"
وتابع الدكتور محمد غنيم بأن "كاروماما" الأميرة أو الكاهنة الكبرى والزوجة الأرضية للمعبود آمون، والتي كانت تتمتع بمكانة ملكة. وأحد الآثار المصرية المميزة في متحف اللوﭬر في باريس.
يعود تاريخ التمثال إلى العصر المتأخر الأسرة الـ 22 (نحو 945-720 ق.م)
ويرى البعض أنها هي نفسها "كاروماما" ابنة الفرعون "أوسركون الأول" التي صورت في مقصورة "أوزريس" في معبد الكرنك، وتم العثور على قبرها في ديسمبر 2014 في منطقة معبد الرامسيوم في طيبة (الأقصر).
عثر على التمثال في الكرنك، وحصل عليه شامبليون خلال رحلته إلى مصر عام 1829م، وأخطأ في تسميته فقد كان يعتقده لزوجة وابنة الفرعون تاكيلوت الثاني من الأسرة الثالثة والعشرين، ولكن "كاروماما" صاحبة هذا التمثال ترجح الدراسات الحديثة أنها ابنة الفرعون "أوسركون الأول" من الأسرة الثانية والعشرين، العصر المتأخر.
والتمثال قطعة فريدة في الآثار المصرية وخاصة المعدنية منها، يعكس مدى ما وصل إليه الصانع، أو الصائغ، المصري القديم من دقة ومهارة وإلمام بعمليات التشكيل والصناعة والصياغة، بل وإجادة تامة في تقنيات الزخرفة المعدنية، ومعرفة تامة بخواص الفلزات والسبائك في مصر القديمة، وربما في العالم كله في ذلك التاريخ. والتمثال يجمع بين الجمال في الشكل والمظهر والدقة في التشريح والتشكيل، والثراء في الخامة أو المادة والمهارة والإلمام بتقنيات الصناعة والزخرفة.
تمثال الكاتب الجالس
بمتحف اللوفر في باريس. يجمع التمثال الكثير من السمات الفنية التعبيرية والتقنية النحتية، في هيئته، وفي تشكيله ونحته وفي تلوينه وزخرفته، وفي المواد التي استخدمت في صناعته. يصور التمثال كاتباً، يجلس القرفصاء، الوضع الأكثر شيوعاً للكَتَبَة في مصر القديمة، والذي يرسخ ما لهذه المهنة من استقرار وثبات ومكانة، فقد كان الكَتَبَة يحظون بتقدير كبير في مصر القديمة. وكان قد عثر "مارييت" على هذا التمثال عليه في 19 نوفمبر 1850، شمال أبي الهول في الطريق المؤدي إلى "السرابيوم". ويعود تاريخه إلى عصر الدولة القديمة، الأسرة الرابعة (حوالي 2620-2450ق.م) أو الخامسة (حوالي2450-1325 ق.م).
رأس الملكة "تيي"
وأضاف الدكتور محمد غنيم أن الملكة تى هى زوجة الملك أمنحت الثالث والمحفوظة في متحف برلين، وهي أحد أهم مقتنيات متحف برلين، يصل ارتفاعها 27.4سم ومن المرجح أنها نزعت أو أزيلت من جسد تمثال. ولقد مرَّت قديماً بمرحلتين حتى وصلت إلينا في صورتها المعروضة عليها في متحف برلين الآن، المرحلة الأولى أو الأقدم فيهما من المرجح أنها كانت في السنوات الأخيرة من حكم أمنحوتب الثالث، حوالي عام 1355 ق.م، حيث أنتج الفنان وجهًا واقعيًا يجسد شخصية الملكة تي (تاي- تيي) الذكية الحازمة الجادة وجميع الصفات التي تتجلى أيضًا من خلال المصادر التاريخية والأدبية، وكان غطاء الرأس الأصلي مصنوعاً من صحائف من الفضة مع الصل (ثعبان الكوبرا) الملكي الذهبي. بينما النسخة المعدَّلة الأحدث أو الأخيرة، التي تبدو عليها الآن، تمت صياغتها، بعد وفاة أمنحوتب الثالث في حياة "تي" حيث تمَّ إضافة تاج
"حتحور-إيزيس" ذي الريش المزدوج بشكل منفصل في فترة لاحقة من حياة ابنها الملك أمنحوتب الرابع (اخناتون). وبإضافة هذا التاج إلى التمثال، رفع أخناتون والدته
في حياتها، إلى عالم الإلهة، فعادة ما يتم ارتداء هذا النوع من التاج من قبل الآلهة أو الملكات المؤلَّهات.
بردية "إيبرس الطبية"
يعود تاريخها القرن السادس عشر قبل الميلاد (حوالي 1550ق.م)؛ وربما كانت منقولة من مخطوطات أقدم من ذلك.
وهي واحدة من أقدم البرديات الطبية التي وصلت إلينا من المصريين القدماء وأشملها، فقد احتفظت لنا بسجل شامل للتاريخ الطبي المصري، حيث تشير إلى عدد لا يُحصى من التعاويذ الطبية والعلاجات، والعمليات الجراحية والأمراض، التي أصابت قدماء المصريين.
ويبدو منها مدى ما وصل إليه المصريون من معرفة بعمل جسم الإنسان، وبنيته، وما يصيبه من أمراض، ومدى ما وصل إليه في محاولة علاجها والتقليل من آثارها وآلامها.
تنسب البردية، التي تعد من أهم مقتنيات مكتبة جامعة ليبزج Leipzig في ألمانيا إلى "جورج إيبرس" Georg Ebers، عالم المصريات والروائي الألماني، الذي اشتراها في الأقصر عام 1872م وذلك خلال رحلته العلمية إلى مصر.
بردية "ريند" الرياضية
ويوضح الدكتور محمد غنيم أن بردية "ريند" الرياضية من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن، عُثر عليها في حفريات بالقرب من معبد الرامسيوم في الأقصر عام 1850م، وتُنسب إلى الأثري الأسكتلندي
" ألكسندر هنري ريند" الذي اشتراها عام 1858م، وتعدُّ أحد أبرز نماذج الرياضيات في مصر القديمة. وقد احتفظ المتحف البريطاني بمعظم البردية منذ عام 1865م
مع لفافة من الجلد بها نصوص رياضية مصرية قديمة، كانت من ممتلكات "ريند" أيضًا.
وإضافة إلى الجزء المحفوظ في المتحف البريطاني، هناك قصاصات من البردية محفوظة في متحف بروكلين في نيويورك لكنهما معًا لا يمثلان كامل البردية فهناك جزء مفقود من منتصف البردية يمثل حوالي 18سم تقريبًا. كُتبت بردية "ريند" بالخط الهيراطيقي، ويبلغ طول الجزء الذي يحتفظ به المتحف البريطاني 33 سـم، لكن إن جُمعت أجزاؤه معًا فسيصل طول هذا الجزء من البردية إلى نحو خمسة أمتار.
ترجع تلك البردية إلى الفترة المصرية الانتقالية الثانية من تاريخ مصر القديمة ويغطي النص 84 مسألة تتعلق بالمعادلات الرياضية، وحل المشكلات العملية وحساب الأشكال الهندسية.
"حجر باليرمو"
هو أحد مصادر التاريخ المصري القديم ومن أهمها وأقدمها، بل ومن أتقنها وأكثرها دقة ومنهجية، وان اقتصر على تاريخ الدولة المصرية القديمة حتى الأسرة الخامسة وما قبلها. وهو قطعة حجرية كانت جزءاً من لوحة تذكارية قديمة، تعرف باسم "الحوليات الملكية للدولة القديمة" يعود تاريخها إلى نهاية عصر الأسرة الخامسة (حوالي 2392-2283 ق.م) تعرضت إلى للكسر إلى سبع قطع حجرية خمس منها في المتحف المصري بالقاهرة تمت حيازة أربعة منها بين عامي 1895 و1914، أما الخامسة فقد تم شراؤها عام 1963 من سوق للأشياء القديمة.
كما يوجد جزء صغير في متحف "بيتري" للآثار المصرية في كلية لندن الجامعية وكانت جزءًا من مجموعة عالم الآثار الإنجليزي "فلندرز بيتري"، حيث قام بشرائها عام 1914.
أكبر القطع السبع تلك القطعة الموجودة في متحف آثار "أنطونيو ساليناس" الإقليمي في مدينة باليرمو، الإيطالية ومنها أخذ اسمه عالمياً بــ "حجر باليرمو".
وتشكّل هذه القطعة الحجرية مصدرًا أساسيًا لتاريخ مصر في فترة الدولة القديمة وما قبلها، وأقدم محاولة تأريخية في مصر القديم وربما العالم القديم، وهي لا تشتمل على معلومات عن أسماء ملوك مصر فيما قبل التوحيد وما بعده وحتى الأسرة الخامسة من الدولة القديمة فحسب، بل تسجل ما حدث في كل عام من أعوام حُكم كل ملك تمَّ ذكره فيها ولهذا سميت بالحوليات، بل تمدنا بمعلومات أخرى متعلقة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وذكر للأحداث العسكرية والمنشآت البنائية، والاحتفالات والأعياد الرسمية.