كل الفصول عدا الخريف
كل الفصول عدا الخريف
بقلم : الكاتبة منال خليل
- شرفة بيت صغير، يطل على بحر هادئ تحت سماء خريفية، كانت الشمس تميل للمغيب بلون برتقالي دافئ.
- النسيم يحمل عبق زهور الياسمين التي تزين شجيرات تتناثر حول البيت الذي تمتد حديقة صغيرة، بزهور ملونة، وأشجار زيتون أمامه تعكس جمال الطبيعة المتسامحة.
- الشرفة تزينها كرسي هزاز خشبي قديم، يضيف لمسة من الحنين إلى الماضي، الذي كانت تتمنى دوماً ان تنتظر عليه من لم ولن يأتي أبدا ومع ذلك، يشع الكرسي بالمستقبل.
- تجد " روح " في قلب أربعينياتها نفسها وقد ازدانت بجمال ناضج، يحمل معه سكينة ورقة تغلف قلبها المحب لكل ما هو بسيط وعميق هادئ مستقر.
- فقد كانت " روح " امرأة تحب التفاصيل الصغيرة، تلك التي تخبئ في طياتها أسرار جوهر السعادة .
جمالها كان ليس في ملامحها فحسب، بل في نظرتها التي تحمل مزيجًا من الحكمة والشوق لأيام هادئة.
في ذلك الزمان الذي يمزج بين نهاية النهار وبداية الليل، حيث تبدأ النجوم بالخروج واحدة تلو الأخرى.
- تشعر " روح " بأن العالم من حولها وكأنه يهمس لها بأسراره، الهواء يداعب شعرها الطويل الذي بدأت خصلاته تحمل بريق الفضة وكأنها علامات على كل ما عاشته بحب وقوة وتعاسات شرسة يتخللها بعض من السعادة.
- داخل البيت، كانت " روح " لا تنسى أن تضيء شموع بزاوية صغيرة، تتداخل أضواءها مع ظلال الكتب التي ملأت رفوف المكتبة الخشبية بجوارها يرقد قطها المشاغب على تلك الأريكة الصغيرة الناعمة ناظرا إليها بحب .
- " روح " ترتدي ثوب أزرق داكن وتجلس حافية القدمين على وسادة حريريه بارضيه الشرفه وفي يدها فنجان قهوتها وقد أصبح بارد قليلا، وفي الأخرى كتاب يروي حكايات منسية مع صوت موسيقى كلاسيكية ينساب بهدوء من داخل البيت
- كان المكان والزمان يتحدان ليشكلا عالمًا خاصًا بها، حيث الصمت فيه لغتها الخاصة والوحدة فيه رفيق.
- كان قلب روح يتمنى أن يكون هذا الشتاء، مختلف عن سابقيه، ان يأتي كملاذًا لها، تعيد فيه ترتيب أفكارها، تتصالح مع ذكرياتها وتلملم أشلاء ما تبقى من الزمن
كانت تريد أن تكتب فصولًا جديدة لحياتها بألوان أكثر دفئًا وأقل تشويشًا وحزناً
تخيلت نفسها تتجول في طرقات هذا المكان خاليه من عبئ ووزر ما مضى من أعوام ثقيلة ، كل زاوية من البيت والجوار تحمل لها ذكرى أو حلمًا أو أمنية
تأمل أن تتنفس الحرية في كل خطوة تلامس روحها الطبيعة الأمواج والرمال.
- همست لنفسها : هل سأعود لأشعر بالانسجام مع كل شيء حولي
في هذا الشتاء، لن يكون هناك برد داخلي بل دفء ينبع من سلام داخلي
من تلك الليالي التي سأقضيها تحت سماء مليئة بالنجوم، مع صوت أمواج تروي لي قصصًا عن الحب، الأمل، والبدايات الجديدة.
- كان هذا المكان ليس مجرد ملجأ، بل هو مرآة لروحها، يعكس كل ما كانت تبحث عنه طوال حياتها بساطة، هدوء، حب وجمال طبيعي .
في هذا الزمان، وفي هذه اللحظة تحديدًا تشعر بأنها وصلت إلى نقطة تلتقي فيها كل أحلامها، حيث لا شيء يفصلها عن السعادة سوى أمنية ورجاء يستجاب وابتسامة رضا تنهدت " روح " وهي تضع فنجان القهوة والكتاب من يديها جانب تلك الوساده البنفسجيه حيث تجلس .
- كانت نسمات الهواء الصافية تحمل لها معها رغبات بسيطة، لكنها مليئة بالعمق والتجريد من كل ماهو زائف وتعقيدات الحياة وصخبها، رفعت ذراعيها وعنقها عالياً
دعوة ارسلتها للقمر بأن يعدها بخريف مختلف يقود إلى شتاء يُشبه الصفاء الداخلي، حيث يكون البشر من حولها خفيفي الروح، حقيقيين بلا أقنعة يعظمون القيم والمبادئ، ويعيشون بسلام ينسجم مع قلبها الطيب.
في بقعة من الأرض لا حاجة للتبرير أو الجدال، ليس هناك مكان لفوضى المشاعر أو الماديات وعاديات الأشياء بل الود والعطاء المتبادل مع الطبيعة وإن قل البشر.
فإن كتابًا، وقطة عصفورًا، وبعض الزهرات،وفنجان قهوة، وضوء شمعة يكفون لإحياء الروح " لروح "
- أتجهت ببصرها صوب السماء تفتش عن أقرب نجمة، فرأت ذلك الحبيب الرائع وهو ينظر إليها من أعلى طرف تلك النجمة وهو يبتسم متمنياً لها :
أن يكون هذا المكان محاطًا بهواء جديد يمنحها حرية التخلص من أعباء حزن الفصول الماضية، وأن يكون الشتاء مطمئنًا، خاليًا من بقايا الذكريات أو رماد الأشخاص .
شاور لها ملوحاً بيده كحمامة سلام :
- أسلكي دروب جديدة أستعيدي فيها ذاتك ، طرق تتوافق فيها الروح مع كل مافيكي وكل ما وهبتني، إطمئني فأنا هنا اراقبك من أعلى السحاب وبجوار القمر أرسل لك كل ليلة لآلئ فضيه تعانق قلبك وشعرك ، تربت على وجنتك وتقبل جبينك لو تدرين !!
فلا تهجري الحياة كوني لها ولي نبض الروح .
كل ما عليكي هو أن تسمحي للشمس أن تشرق من داخل قلبك بكل الفصول.