الدفاع عن الحضارة تشيد بمبادرة بداية لتعزيز الهوية والانتماء
أشادت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان بالمبادرة الذى أطلقها رئيس الجمهورية للتنمية البشرية "بداية جديدة لبناء الإنسان" والتى تستهدف إتاحة طريق للمواطن المصري نحو التنمية الذاتية والصحية، والتعليمية، والرياضية والثقافية، والسلوكية؛ من أجل تقديم مواطن صحيح متعلم، متمكن، قادر، واع ومثقف للمجتمع.
ولخّص الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس الحملة العائد من هذه المبادرة فى قصة تعلمها منذ الطفولة حين مزق رجل خارطة فى ساعة غضب ثم ندم وحاول تجميعها وفشل، وجاء ابنه ليلملم بقايا الخارطة فى دقائق، فقال له الأب كيف فعلت ذلك؟
قال الإبن وجدت خلف الخارطة صورة إنسان فبنيت الإنسان فانصلحت خارطة العالم.
ومن هذا المنطلق تأتى إشادة الحملة بهذه المبادرة الذى كنا ننتظرها من سنين، فمهما كانت قوة وضخامة المشروعات فلن يتضح تأثيرها الإيجابى إلا ببناء إنسان حقيقى عقليًا وجسمانيًا وفكريًا قادر على استيعاب وفهم كل مجريات الأمور من حوله، متفاعلًا معها كعنصر رئيسى في مجتمعه.
ويشير الدكتور عبد الرحيم ريحان إلى أن الهوية والانتماء جزء أصيل لا يتجزأ في منظومة بناء الإنسان المصرى صاحب أعظم حضارة يعترف العالم بأسره بأفضالها على الإنسانية حيث مثلت فجر الضمير ومنبع كل القيم الإنسانية
والهوية بضم الهاء "هو" أى من أنت على المستوى الشخصى ثم الجمعى فى البيئة المحيطة وصولًا إلى الوطن بشخصيته وموروثاته الحضارية، وحين خاطب المولى عز وجل نبى الله موسى كليم الله سأله عن العصى التى بيمينه وهو العالم بكل شىء، ولكن أراد المولى عز وجل أن يقدم موسى نفسه "هو" أى هويته حتى يستأنس للحديث مع المولى عز وجل ويزيل رهبة اللقاء.
ويوضح الدكتور ريحان أن الهوية مفردات بيئية بسيطة حفرت فى الذاكرة وشكّلت مكنونات الشخصية، فحين يحفر شاب شكل قلب وسهم على شجرة فقد سجلت لديه ذاكرة مكان وزمان وقصة حب حتى لو انتهت فبقاء الشجرة ذاكرة مكان وزمان
ثم نأتي لشجرة أخرى بالوادي المقدس بسيناء وهى شجرة العليقة المقدسة حين ناجى نبى الله موسى ربه وبارك المولى عز وجل من فى النار وهو نبى الله موسى ومن حولها وهى كل أرض سيناء بل انعكست على كل أرض مصر، فارتبطت هذه الشجرة بذاكرة روحية وتاريخية خص بها المولى عز وجل مصر ببركة الإنسان والمكان.
ونأتى لشجرة المطرية التى جسّدت قيمة دينية من مباركة العائلة المقدسة لأرض مصر وشرحت خط سير الرحلة فلولا هذه الرحلة لقضى على المسيحية فى مهدها فمصر هى حامية المسيحية، بل وانتشرت الرهبنة منها إلى شتى ربوع العالم.
وينتقل الدكتور ريحان إلى شجر دوم طابا الذى سجل فى ذاكرة مصر كفاح قواتنا المسلحة فانتصرت فى أكتوبر المجيد وانتصرت فى معركة الدبلوماسية والتاريخ والوثائق فانتصرت حتى عودة آخر شبر في سيناء.
ويتابع الدكتور ريحان أن مظاهر الاحتفال بموكب الحجيج قديمًا ووداع واستقبال الحجاج حديثًا ورسومات الجمل والمركب والطائرة على الجدران والمباركة للحاج وكذلك الاحتفاليات الخاصة بدخول العائلة المقدسة إلى مصر التى سجلت تراث لامادى باليونسكو واحتفالات حد الزعف تجسيدًا لدخول السيد المسيح أورشليم هى جزء أصيل فى مفردات الهوية المصرية.
وكذلك احتفالات شم النسيم ومنها حرق دمية اللنبى فى بورسعيد والإسماعلية تذكيرًا بحكاية اللورد اللنبى التى أوفدته بريطانيا عقب ثورة 1919 مندوبًا ساميًا وأذاق المصريين الأمّرين، وكيف يغنوا له أغنية مشهورة متجولين بدميته "ياللنبي يابن حلمبوحة، مين قالك تتجوز توحة ياللمبي يابن الخواجاية، مين قال لك تعملى حكاية، أمك مليانة ملوحة، راسك عالحيط مدبوحة، إخية عليه، اللمبي بيه" ثم يحرقوا الدمية ويتناولون الفسيخ والبيض ويخرجون للحدائق.
ويتابع الدكتور ريحان بطرح سؤالًا لماذا تحب أمك؟ ليس لأنها أعظم وأجمل إنسانة فى العالم، ولكن لأنها كذلك فى نظرك وهكذا تكون الأم الكبرى أم الدنيا مصر شربت من نيلها، وشخبطت حيطانها ذكريات الطفولة، وأكلت من خيرها، تحمل همومك وآلامك، تسعد لفرحك، وتحفظ جسدك فى أرضها الطاهرة.
وقد سميت مصر أم الدنيا حين قال سيدنا نوح لأحد أبنائه أنه يعيش في مصر ووصف مصر بأنها أم البلاد، وقيل مصطلح أم البلاد أو أم الدنيا يعود للسيدة هاجر لما تزوجت سيدنا إبراهيم عليه السلام وغادرت إلى الجزيرة العربية وهي والدة سيدنا إسماعيل جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فسميت مصر أم البلاد تقديرًا لها.
وأردف الدكتور ريحان بأن تاريخ مصر هو عنوان الهوية منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والبطالمة والرومان والمسيحية والإسلام والعصر الحديث والمعاصر، وقد طبع كل عصر بصمة فى وجدان المصريين من عادات وتقاليد مستمرة حتى الآن ومفردات لغة وغيرها، فإن حصان المولد مستوحى من تمثال "حورس" راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر "ست" والذي صور على هيئة تمساح وهو القديس مارجرس يقتل التنين، وعروسة المولد هى إيزيس بأجنحتها وجمالها.
وحين سجلت اليونسكو القاهرة التاريخية تراث عالمى عام 1979 قالت عليها أنها "أقدم مدن التراث الحى" بمبانيها وفنونها وعادات وتقاليد أهلها والحرف التراثية المتواصلة والمستمرة من الخيامية والنحاسين والمغربلين وارتباطها بعادات رمضان وزيارة سيدنا الحسين وخان الخليلى والأكلات والمشروبات المرتبطة برمضان.
وأوضح الدكتور ريحان بأن مباركة مصر جزء من الهوية يضيف لها قيمة روحية متأصلة ومتجذرة فى وجدان المصريين حيث بارك أرضها 8 أنبياء هم أنبياء الله إدريس وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وعيسى، بها مسار نبى الله موسى ومسار العائلة المقدسة ومسار آل البيت بشارع الأشراف وبه مقام الإمام زين العابدين، والسيدة نفيسة، والسيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة زينب والسيدة رقية بنت علي (سلام الله عليهم أجمعين)، ويبدأ الطريق من منطقة فم الخليج حيث مشهد زين العابدين وينتهي الطريق بمشهد السيدة زينب بالقاهرة.
ذكر اسمها 37 مرة فى القرآن الكريم، 4 مرات صراحة باسمها مصر، و33 مرة ضمنًا، وبورك بها البشر والمكان، حيث بورك من فى النار كليم الله موسى ومن حولها كل الأرض الذى عاش وتربى بها، وبوركت فى الكتاب المقدس فى سفر أشعياء الإصحاح 19 والذى جاء فيه
"مبارك شعبى مصر"
واختتم بدعوة السيدة زينب رضى الله عنها وأرضاها لأهل مصر حين استقبلوها أفضل استقبال تكريمًا لجدها أشرف الخلق محمد عليه الصلاة والسلام والذى تشعرنا بالطمأنينة دائمًا بأن فرج الله القريب "نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا".