دميرة شاهد علي التاريخ
دميرة شاهد علي التاريخ
بقلم : د. محمد إسماعيل
تعتبر قضية توزيع الأراضي الزراعية وتملك الفلاحين لأراضيهم من القضايا المحورية في تاريخ مصر الحديث، والتي شكلت نقطة تحول في حياة الملايين من المصريين.
ولعل قرية دميرة بمحافظة الدقهلية تعد شاهداً حياً على هذه اللحظة التاريخية حيث شهدت القرية أول عملية توزيع رسمية لعقود التمليك للأراضي الزراعية على الفلاحين المصريين بأيدي الرئيس جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن الماضي.
كان الرئيس جمال عبدالناصر يؤمن إيماناً راسخاً بأن الأرض هي أساس حياة الفلاح المصري، وأن تملك الفلاح لأرضه هو الضمان الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية الريف المصري. وقد أدرك الرئيس أن نظام الإقطاع الذي كان سائداً في ذلك الوقت كان عائقاً كبيراً أمام التنمية الزراعية والتقدم الاجتماعي، حيث كان يتركز ملكية الأراضي في أيدي قلة قليلة من كبار الملاك، بينما يعاني الفلاحون من الفقر والتهميش.
ولذلك، قام الرئيس عبدالناصر بوضع حجر الأساس لإصلاح زراعي شامل، وذلك بإصدار قانون الإصلاح الزراعي عام 1952. وقد نص هذا القانون على الحد الأقصى لمساحة الأرض التي يجوز لفرد واحد امتلاكها، وتوزيع الفائض على الفلاحين الصغار والعمال الزراعيين.
وقد تم اختيار قرية دميرة لتكون شاهداً على هذا الإصلاح التاريخي، حيث تم اختيارها لتوزيع أول عقد تمليك للأراضي الزراعية على الفلاحين المصريين.
بلدي دميرة .. شاهد على التاريخ
تعتبر قرية دميرة أكثر من مجرد قرية مصرية، فهي تحمل في ذاكرتها تاريخاً حافلاً بالنضال والتغيير. فقد كانت هذه القرية هي الشاهد الأول على تحرر الفلاح المصري من قيود الإقطاع والاستغلال حيث تمكن الفلاحون لأول مرة من زراعة أراضيهم الخاصة والتمتع بثمار عملهم.
ولم تتوقف أهمية دميرة عند هذا الحد، بل أصبحت رمزاً للوحدة الوطنية والتضحية حيث قدمت القرية العديد من الشهداء في سبيل الوطن، كما أنها كانت مركزاً لنشر العلم والمعرفة، حيث استقطبت العديد من العلماء والفقهاء.
إن إرث الرئيس جمال عبدالناصر في مجال الإصلاح الزراعي لا يزال حاضراً حتى اليوم، حيث يشكل هذا الإصلاح نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث. ومع ذلك فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في مصر، مثل تدهور الأراضي الزراعية، ونقص المياه، وتغير المناخ.
ولمواجهة هذه التحديات، يجب علينا الاستفادة من الدروس المستفادة من تجربة الإصلاح الزراعي، والعمل على تطوير القطاع الزراعي وتحديث أساليبه مع الحفاظ على حقوق الفلاحين وتوفير الدعم اللازم لهم.
إن قصة عبدالناصر وتوزيع عقود التمليك في دميرة هي قصة نضال وكفاح، وهي قصة أمل وتغيير.
وهي تذكرنا بأهمية الأرض والإنسان وبضرورة العمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.