اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

عندما بَكتْ والدتي يَومَ أمس

عندما بَكتْ والدتي يَومَ أمس


عندما بَكتْ والدتي يَومَ أمس


 بقلم : عبدالعزيز قاسم

 إعداد : سلوى حجر

الأحد الموافق ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - ٩:٥٠ PM  


أثناءَ تقديمي دورةَ

 "تحدِّي رُهاب مُواجهةِ الجمهور"

 يَومَ  بالمدينة المنورة؛ فاجأتُ والدتي الغالية فاطمة قاري و التي أصرَّت على حضور الدورة وهي بمنتصف الثمانينيات من عمرها بإهدائها كتابي الجديد في أدب السيرة، وهو الكتاب رقم 13 لي، وعادتي أنَّ أوَّلَ نسخةِ إهداءٍ من كتبي تكون لها تلك الأميرة الأثيرة، والإنسانة الأغلى لي على الاطلاق في هذا الوجود، ولا أقدِّمُ عليها أحدًا كائنًا من كان، ومن بعدها أقوم بتوزيع الكتب. 



والدتي حضرت الدورة، ولم تكُ تعرفُ أنَّ لي كتابًا جديدًا صَدر؛ وعندما أعلنتُ عن كتابي، ونزلتُ من المسرح لأناولها نسختها لم تملك من فرحتها إلا أن تُجهشَ بالبكاء وطفرتِ الدموعُ من عينيها وهي تحتضنني

وتضعُ رأسَها على صدري وأشعر بدمعاتها على ثيابي، أمام تصفيقِ المُتدرباتِ والمتدربين، في مَشهدٍ عاطفيٍّ مُؤثرٍ يُلخِّصُ فرحةَ أمٍّ بإنجازِ ابنها، ولكأنني ذلك الطفل الصغير الذي يُهرعُ بشهادة الابتدائية إلى والدته التي تنتظره عند الباب، فتحتضنه فرِحةً جَذلى وهي تبكي لتفوُّقِ صغيرها.

 


والدتي الحبيبة تغمرُها السعادةُ لأيِّ انجازٍ يتعلقُ بالعلم من لدنِ أبنائها أو أحفادها وتَسعدُ بذلك أيَّما سعادة، وأكثرَ مِنْ لو أهديناها أطقمَ الذهب والألماس، مُؤمنةٌ

 من صِغرها كامل الإيمانِ بأهمية العلم والتعليم.

 


باعتْ ذاتَ طفولةٍ إسوارةَ الذهبِ الوحيدةِ التي ورثتها من أمِّها الراحلة، وهي البنت اليتيمة التي مات والداها وهي بعمر الرابعة؛ كي تشريَ لنا نحن أبناؤها دفاترَ وأقلامَ وشنطَ العام الجديد؛ إيمانًا منها بأهمية وضرورة أن ندرسَ، ولا نشعرَ بأيِّ نقصٍ أمام لِداتنا في المدرسة، وهي الأمِّيةُ التي لا تقرأ ولا تكتب إذَّاك، ضحَّتْ بالذكرى الوحيدة التي تربطها بوالدتها، ولمَّا تزلْ لهذا اليوم تتذكَّرُ تلك اللحظة الفاصلة التي قرَّرت بَيعَ أغلى ما تملك كي نكملَ تعليمنا ولم يُعوِّضها كل ما أهديناها بعدئذٍ من أطقم الذهب تلك الإسوارة الأثيرة الذكرى.



دموعُ أمِّي السخيناتِ التي تهاملتْ من عينيها بالأمس، واحتضانُها لي فرِحَةً بما قدمته لها، وفخرُها بي في قاعةِ التدريب تلك، وهي تمتمُ: "الحمد لله الذي لم يُضعْ تعبي في تعليمكم"؛ سيظلُّ مَشهدًا مَحفورًا في ذاكرتي أحمله معي إلى مماتي؛ كأعلى وِسامٍ حَصلتُ عليه في حياتي كلِّها.


حفظَ الله لي والدتي، ومتَّعنا بعمُرِها ووَفقنا للبرِّ بها.

google-playkhamsatmostaqltradent